قد نجد بعض المبالغة أو الكاريكاتور الموجع في التناول الفني الدرامي أو السينمائي أو المسرحي لبعض الظواهر التي تتفشى في مجتمعنا التونسي، هذا لا يشك فيه احد ولا احد يعترض عليه أو يطالب بشطبه أو يتذمر منه، ولكن كلما توجه المبدعون بنقد مباشر أو بالتلميح لتعرية بعض الحقائق والتجاوزات التي تشوب تعاملات المنتمين لبعض الأسلاك مع المواطن ومع بعضهم البعض قامت القيامة ورفض هؤلاء النقد أو الإشارة حتى من بعيد إلى ما يمكن أن يقلقهم ويحد من حريتهم في تطبيق أوامرهم وشرائعهم. فقد سبق ان ثار المحامون على الدراما التي وضعت تعاملاتهم غير العادية مع المواطنين موضع السؤال تماما مثلما رفض الأطباء من قبل تناول أخطائهم الطبية وتعاملهم المادي مع المرضى وتكبرهم وكشف الحقائق المسكوت عنها وخاصة تلك التي تسيء إلى الذات البشرية. الأساتذة والمعلمون أيضا سبق لهم أن تذمروا بشتى الطرق من النقد ورفضوه باعتبار أن الحطّ من قيمة المدرّس في المسلسلات يمكن أن يجلب لهم قلة احترام التلاميذ في الواقع. كذلك فعل البعض من المهندسين عندما تم تناول أخطاء البعض منهم وتجاوزاتهم وقلة حرفية ومهنية البعض منهم في أعمال درامية تلفزية. كل هؤلاء رفضوا وتذمروا رغم علم الجميع واقتناعهم بان الأخطاء موجودة ويمكن تناولها بالنقد دون تعميمها طبعا. ثلاث رسائل سلبية للشباب في ليلة واحدة؟ ونحن اليوم إزاء رفض البعض من الأمنيين للنقد أو المزاح وحتى تصوير مشهد الاعتداء بالعنف الذي سلط على شخصية الأمني في أعمال درامية من الخيال ولا تمت للواقع بصلة. فقد نددت منظمة امن شباب تونس عن طريق رئيسها أيمن القاطري بما عرضته بعض القنوات التلفزية من مشاهد العنف الذي سلط على الأمنيين ورأى أن تمرير مشاهد ضرب أمني وتعنيفه في مسلسل «المايسترو» على القناة الوطنية الأولى وقتل عون امن في مسلسل «أولاد مفيدة» على قناة الحوار التونسي والإستهزاء بالأمني في مسلسل «الهربة» على قناة التاسعة في ليلة واحدة أمر مثير التساؤل وقد يبعث برسائل سلبية للشباب ويدفعهم إلى مزيد من التطاول أو التجاوزات في حق الأمنيين على أرض الواقع، خصوصا في مثل هذه الفترة الحساسة والحرجة التي تمرّ بها تونس. وبطبيعة الحال ليست هذه المنظمة وحدها التي نددت او استنكرت ما تم عرضه وما يعرض وسيعرض في المسلسلات الدرامية أو الأفلام السينمائية وحتى الوثائقية من عنف بتعلة الخوف على الشباب من الانحراف المادي والمعنوي حتى وهم يعرفون أن الغدر وطريقة الاعتداء واردة والتجاوزات والأخطاء ممكنة وأن أسلاكهم والهيئات التي ينتمون إليها وتنتفض كلما تمت الإشارة إليهم هي في الحقيقة جزء لا يتجزأ من المجتمع التونسي يطالهم كل ما يطال بقية الناس من خير وشر، وليسوا فوق مستوى أي نقد أو لفت نظر لأننا في النهاية بشر والأخطاء البشرية أمر واقع وممكن. أما من يخافون بالفعل على شباب تونس من التأثر بعنف التلفزة التونسية فلابد من أن يتذكروا بقية القنوات الأجنبية وهي في مستطاع الجميع وما تعرضه من عنف بأنواعه ومن عمليات قتل مريعة وتفصيل للأعضاء البشرية وتنكيل بالأجساد.. وإراقة للدماء، ولا ينسوا تعامل الأطفال والشباب اليومي مع سيناريوهات الألعاب القاتلة والجريمة الكاملة في الهواتف الذكية ومع أفلام «الاكشن» والرعب وغيرها مما يحملونه على حواسيبهم في حرية تامة ودون مراقبة بما في ذلك المراقبة الأبوية. صحيح انه لما يعرض على قنواتنا التونسية تأثير أعمق في سلبيته مما يشاهده أطفالنا وشبابنا في غيرها من القنوات الأجنبية والعربية باعتبار عامل القرب والتفكير في إمكانية التطبيق، وصحيح انه قد يؤثر سلبا على حياة الشباب ويقضي على آماله وطموحه لمستقبل أفضل.. خاصة وان الشباب التونسي توجد نسبة مهمة منه في نفق مظلم ولا ترى مخرجا أو حلا غير المضي قدما في ما يضرها ويضر محيطها القريب والبعيد.. تغير الزمان .. تغيرت التابوهات شباب اغلبه تظلم المحبطات سبله فيعيش التيه ويعتقد انه عندما يتصرف بحرية لا تساندها مسؤولية عن الكلام والأفعال إنما يأخذ بثأره ممن حرموه متع الدنيا أو تسببوا له في ضيم أو من المجتمع بأسره لأنه لا يعامل بعضه البعض بالعدل والمساواة وعلى أساس إنسانية الإنسان وإنما على أساس المظاهر ونسبة المال أو جاه. شباب محتار بين ما يشاهده بعينيه ولا تطاله يداه أو حتى خياله - بعد ان تراجعت مرتبة التعليم ولم يعد سلما للترقي الاجتماعي ومنفذا للهروب من الفقر والبطالة- وبين الثورة على كل مقومات المجتمع وقيمه ورموزه والتعامل بعنف مع كل من يذكره بالفرق بين أن يكون من الطبقة (السفلى) الدنيا للمجتمع بكل ما يعنيه ذلك من معاني «الحقرة» والمعاملة بمكاييل مختلفة في كل المناسبات والمؤسسات وبين أن يكون من أبناء الذوات وهو في اغلب الأحيان لا يعرف انه لهؤلاء أيضا وخاصة من فئة الشباب مشاكلهم النفسية والعائلية والمجتمعية.. شبابنا يعميه اليوم غضبه وشعوره بالغبن فلا يكتشف انه انما يلحق الضرر بنفسه أوّلا وبعائلته ثانيا وان المجتمع يتلهى عنه بمآسيه الأخرى.. شباب يعيش مثل هذه الأوضاع والمآسي في بلد منفتح على العالم بايجابياته وسلبياته، هل ينتظر أن يشاهد مسلسلا تلفزيونيا أو شريطا سينمائيا أو عملا مسرحيا عنيفا في لغته ومشاهده وأفكاره ليحيد عن الطريق «السوي» الذي تتفق عليه المجموعة الوطنية وليس طريق المدينة الفاضلة ؟ لقد تغيرت التابوهات اليوم ولم تعد تقتصر على دخول الحمام أو غرف النوم أو تقديم صورة المرأة وهي عارية الجسد والروح وفضائح العائلات الكبيرة والمحافظة لأنها أصبحت صورا ممجوجة وفي متناول كل من يبحث عن الإثارة يجدها المشاهد على محامل أخرى متعددة غير التلفزة والشاشة العملاقة. التابوهات اليوم أصبحت تركز خاصة على التشهير بهتك عرض المواطن ومحق شخصيته وامتهان كرامته وتحطيم إنسانيته والتلاعب بمصالحه الحياتية. علياء بن نحيلة