عرّت التصريحات التي ادلى بها رئيس حزب البناء الوطني رياض الشعيبي منذ يومين ل"الصباح" حول فشل المبادرة السياسية التي تقدمت بها النهضة الى حزبه حجم الخلافات المتفاقمة صلب الحركة والتي عكستها المواقف الاخيرة الصادرة عن عدّة قيادات في علاقة بتحديد القائمات الانتخابية للتشريعية.. وما اعتبره بعضهم"اقصاء ممنهجا لخيارات كبار الناخبين" لتاتي تصريحات عضو مجلس الشورى عبد الحميد الجلاصي وتؤكد ان المعركة باتت "حامية الوطيس" بين ما يسمى بتيار الشرعية الذي افرزه المؤتمر العاشر للنهضة والذي يتراسه رئيس الحركة راشد الغنوشي وشق التيار الاصلاحي الذي يمثله الغاضبون. ما يسمى بمعركة اجنحة النهضة او ما يراه البعض البحث عن صراع المواقع قد تكون ترجمته ردّة فعل عضو مجلس الشورى عبد الحمدي الجلاصي أوّل أمس على موجات اذاعة "موزاييك" حيث أنكر علمه بوجود مبادرة تقدم بها رئيس الحركة راشد الغنوشي الى حزب البناء الوطني للاندماج، واعتبر أن الحديث عن وجود مبادرة غير صحيح وأنّها "مهزلة " وأنّ النهضة يفترض ان تتفاوض مع الاحزاب الكبيرة وليس مع الاحزاب الصغيرة". واستنادا الى تصريحات الجلاصي ترّجح بعض القراءات أنّه يحاول استغلال الموضوع للتسويق لصراع داخلي صلب النهضة أو أنه لا يعترف بمؤسسة رئاسة الحركة باعتبار أن رئيسها راشد الغنوشي هو من تقدم بالمبادرة. وكان حزب البناء الوطني اصدر بيانا منذ يومين قال فيه ان حركة النهضة تقدمت اليه بمبادرة سياسية انتهت بالفشل نتيجة التأثر بالخلافات الداخلية للحركة. هاجس التغيير.. ويبدو ان هذه المبادرة "الغامضة" ستمضي بنا للكشف عن عديد الرسائل المشفرة التي ستكون عنوانا للمرحلة القادمة وقد تؤدي الى "انفجارات"جديدة صلب النهضة بعد ان بات يرجح ان سبب الخلاف قد اختصر في رئيس النهضة راشد الغنوشي والخوف من دخول حزب البناء الوطني على "الخطّ" وتحويل وجهة الصراعات من صراعات على المواقع السياسية فيما بعد انتخابات 2019 الى صراعات حول الخيارات الفكرية والسياسية المتمثلة اساسا في البعد الوطني والقطع مع الارضية الايديولوجية. هذا وقد ذهبت بعض القراءات الى ان رئيس حركة النهضة كان يسعى من خلال طرحه المبادرة السياسية على حزب البناء الوطني البحث عن حليف من نفس العائلة الفكرية والايدلوجية ناهيك وأن بعض قيادات حزب البناء هم من "الأبناء السابقين" للحركة والذين "غضبوا" فانشقوا في وقت سابق. ووسط هذه التفاعلات وردود الفعل، يبدو ان هناك شق"محافظ" داخل الحركة لن يقبل بوجود فرصة احداث تغيير صلب النهضة خوفا عن المواقع السياسية والامتيازات المادية. كما تذهب عديد القراءات بان انفجار هذه الخلافات قبيل تقديم القائمات الانتخابية لحركة النهضة قد تؤثر سلبا على نتائجها الانتخابية لانها "جروح" ستستمر وستؤثر على حماسة مناضليها في الحملة وان أي اضعاف لرئيس الحركة راشد الغنوشي الذي له ثقل سياسي وتاريخي ورمزي داخل الحركة سيؤثّر سلبا على منسوب الثقة داخلها وحتى على مستوى علاقاتها مع الخارج التي تكاد تختصر في شخص رئيسها في سياقات دولية واقليمية "متشنّجة" ومتنامية الرفض والصدّ لحركات الاسلام السياسي والحركات الاخوانية بشكل عام. صراع المؤسسات والشرعية قد توحي بعض المواقف السياسية من الاتجاهين داخل النهضة ان الخلافات قد تتحول الى صراع بين مؤسسات الحركة أي بين مؤسسة شورى النهضة ممثلة في ما يعرف "بجيل سنوات الجمر" ومؤسسة رئاسة الحركة من خلال المكتب التنفيذي والذي يتزعمه راشد الغنوشي.. او ان شقوق النهضة لم تتجاوز بعد خلافاتها "التقليدية" بين الشق المدافع على التشبث بالمرجعية الاسلامية الذي كان يراهن عليه البعض للحد من صلاحيات الغنوشي بتحشيد انصار النهضة حول رفض المدنية التي جرّهم اليها زعيمهم في مؤتمر النهضة العاشر. فيروس الشقوق.. اليوم، اصبح الخلاف علنا بعد ان كانت قيادات النهضة من الشقين الاصلاحي والمحافظ يحاولون اخفاءه حتى لا تظهر على النهضة علامات حرب الشقوق كغيرها من الاحزاب لكن يبدو ان "حمى فيروس الشقوق" قد ضرب الحركة رغم "المضادات" التي استعملتها مع كل معركة داخلية لكن "شهوة "السلطة وصراع المواقع بات مرضا عضالا لن تتجاوز الحركة أثاره لسنوات قادمة حتى ولو حافظت على وحدة "صورية" أمام الرأي العام، والأسوأ من كل ذلك توقيت كل هذه الصراعات "المتفجّرة " و"المنفجرة" والتي تأتي قبل أشهر قليلة من استحقاقات انتخابية حاسمة في تاريخ الحركة وتعوّل عليها لتثبيت نفسها في السلطة بعد أن نجحت في السنوات الأخيرة الماضية في"سحق" خصومها وأصدقائها، "سحقا ناعما" لم يترك اثرا يدينها ولكن ترك أثرا في تماسكها الداخلي. جهاد الكلبوسي