على عكس ما تم اعلانه رسميا لم يعلن رئيس الحكومة المكلف الياس الفخفاخ حكومته المرتقبة و تم تاجيل الامر لليوم لمواصلة المشاورات خلال الساعات القليلة القادمة قبل استنفاذ الاجال الدستورية .و جاء هذا الاعلان في اعقاب لقاء مطول جمع الفخفاخ برئيس حركة النهضة و رئيس مجلس نواب الشعب لاكثر من ساعتين دون ان يدلي المكلف باي تصريحات للصحفيين بما دفع الى الاعتقاد باحتمالات دخول المفاوضات النفق المسدود والعودة ربما الى المربع الاول بعد أن تبنت النهضة خيار التصعيد في وجه حكومة الياس الفخفاخ الذي انتهج سياسة الهروب إلى الأمام وعدم إيلاء مقترحات النهضة اي اهتمام رغم الأضواء الحمراء التي اشعلها الحزب في محاولة لتنبيه المكلف بضعف حكومته وإمكانية سقوطها في اي لحظة.و في كل الحالات يبقى الفخفاخ في موقع لا يحسد عليه و هو يشق طريقه الملغم الى القصبة دون ضمانات حول وصوله سالما في ظل حرب الاعصاب التي تدفع اليها البلاد .. لم يعرف ما حدث بين الفخفاخ و الغنوشي و قد ظل التكتم سيد المشهد بعد لقاء الرجلين و لكن كل المؤشرات تدفع للاعتقاد بان المفاوضات في مازق .. ولم يكن التصعيد منتظرا بعد أن تأكدت رغبة النهضة في ضمان الطريق الامن لحكومة الفخفاخ من خلال التصريح الذي ادلى به راشد الغنوشي أوّل امس للإذاعة الشباب والذي تخلى عن صيغة الشك ليستعمل الغنوشي صيغة الإقرار بالتصويت على الحكومة وقال رئيس حركة النهضة في هذا السياق " أن النهضة ستمنح الثقة لحكومة الياس الفخفاخ في كل الأحوال وان النهضة ستساند الحكومة سواء شاركت فيها أم لم تشارك لأن الشعب التونسي في حاجة لحكومة وفق تعبيره. وشدّد على أن الحكومة ستكون حكومة انجاز قوية وغير فاسدة قادرة على خدمة الشعب التونسي بتحريك المشاريع المعطلة وتحسين الخدمات وتوفير التنمية معبرا عن أمله في تحسّن أوضاع البلاد. غير أن تحولات المشهد المتسارعة فرضت تحولا جديدا في المواقف خاصة بعد اللقاء الذي جمع بين رئيس الحركة ورئيس الجمهورية قيس سعيد اول امس الخميس و اللقاءات الثلاثة بين الغنوشي واليأس الفخفاخ في أقل 48 ساعة. تحول المشهد في صبغته التصعيدية كشفته الندوة الصحفية امس لرئيس مجلس شورى النهضة الذي اعتبر ان "الفريق الذي اقترحه الياس الفخفاخ لا يمكن أن يحظى بثقة حركة النهضة" داعيا الفخفاخ إلى "التريث وعدم تقديم تشكيلته لرئيس الجمهورية قيس سعيد، ومواصلة التفاوض حتى تتمكن من الحصول على الثقة في البرلمان". ازمة ثقة واعتبر أن "العرض الذي قدمه الفخفاخ، عرض دون المطلوب وفيه عدم توازن بين الاطراف المشاركة، كما تضمن تحييدا لوزارات ليس هناك تبرير لتحييدها اضافة الى تقديم شخصيات لا تتوفر كفاءة واخرى تحوم حولها شبهات في علاقة بمدى نزاهتها" وفق تعبيره. وبين أن حركة النهضة قدمت لإلياس الفخفاخ "اقتراحات من خيرة كفاءاتها وقيادييها للمشاركة في الحكومة ولكن الفخفاخ رفض تمكينها من هذه الحقائب دون تقديم تبرير" . وقال في هذا الشأن "لا نقبل بتكوين حكومة قد تنهار بمجرد أن يختلف حزبان في أول مشروع قانون يعرض بالبرلمان" مشيرا الى أن "المكونات الحالية ليس لها حظوظ للنجاح ". وأكد أن حركة النهضة "تريد حكومة وحدة وطنية لا تقصي أحدا، وتريد ان تنهي الاقصاء في تونس"، داعيا الياس الفخفاخ لعدم اقصاء حزب قلب تونس وائتلاف الكرامة. وإذ ترى النهضة انها تتحرك في حدود "الممكن " لتفادي خطر "ممكن" وتجنب حكومة اضطرار هشة ذات حزام سياسي غير ثابت وصلب مما يستحيل معها ان تكون ذات هوية او تسمية واضحة، فلا هي حكومة وحدة وطنية كما ارادتها النهضة وتحيا تونس وحركة الشعب ، ولا هي حكومة إنقاذ وطني كما دعت أطراف من خارج البرلمان كما هو حال القيادي السابق بالحزب الجمهوري احمد نجيب الشابي واليساري حمة الهمامي ولا هي حكومة أو انجاز اجتماعي واقتصادي أو حكومة ثورية . موقف النهضة لم يكن ليُقبل عند بقية شركاء الحكم حيث انتقد التيار الديمقراطي ما أتته النهضة ومخرجات مجلس شورتها حيث دون القيادي التياري زياد الغناي امس ، قائلا لقد " تجاوزنا مرحلة المماطلة والتعطيل وننطلق على بركة الله في ممارسة رياضة تطليع الماء للصعدة" . واعتبر الغناي ان "بعضهم فقد القدرة على الخروج من مربع العبث …يجب أن يتأكدوا بكون قواعد لعبة 19/14 ( فترة الحكم من 2014 حتى 2019 ) تغيرت نهائيا وتم وقف العمل بمقتضايات إتفاق باريس وأن جرعة من الجدية فرضت فرضا في عملية تسيير الشأن السياسي التونسي". ويبدو موقف التيار مفهوما بعد ان تورط في القبول بالدخول في الحكومة قد يُطاح بها خلال الساعات القادمة سيما وان عوامل الفشل اكبر بكثير من مقدمات النجاح والمرور في البرلمان بعد ما جاء في ندوة الشورى وبعد التعاطي الاخير لائتلاف الكرامة وقلب تونس من حكومة الفخفاخ. وفي واقع الامر فقد حاول الفخفاخ تجنب هذه المحطة بانحنائه للعاصفة والابتعاد عن أخطارها غير ان ذلك لم يكن ممكنًا بعد أن دخل المكلف في عين الإعصار وأنتج خلافات اللحظة الاخيرة مع حركة النهضة والتي دونها لا ضمانات لمرور الفخفاخ...فهل يشهد التونسيون اليوم نهاية مسلسل الحكومة المؤجلة ؟ خليل الحناشي