المتابعون لشأننا الداخلي من المختصين والعارفين.. قد أكدوا لنا أن ثورتنا لم تكمل بعد كل مراحلها.. وكل حلقاتها.. وبأنه لا يحق لنا التكهن بنجاحها أو بفشلها قبل توصلنا لإكمال هذه الحلقات.. والتي تتمثل في كيفية تعاطينا مع واقعنا الجديد. وإذ يبدو هذا الرأي وجيها.. فلعله من واجبنا اليوم.. أن نتوقف عند هذه الحلقة الناقصة والمفقودة.. من أجل التعرف على ما قدمناه وما نقدمه لإكمالها.. وهل أننا ننجح في فعل ذلك.. حقا.. الحقيقة.. أن ما يحصل اليوم في ربوعنا.. يؤكد العكس.. ولعله يعني أن ثورتنا التي أبهرت العالم قد أصبحت مهددة بالفشل.. بسبب كيفية تصرفنا بها.. ومعها.. أما لماذا أدعي هذا.. وأنقله عن الأغلبية منّا.. فلأن وضعنا اليوم.. تسوسه جملة من التناقضات.. ومن نقاط الاستفهام.. ومن بعض التصرفات المارقة.. والتي تدل.. على عدم عزمنا.. على الكمال الحلقة المفقودة لثورتنا.. وأبدأ بما يتعلق بالحكومة.. وبتصرفاتها وبقراراتها.. وبمواقفها.. التي تتبناها.. في هذا الصدد.. مازلنا نجهل والى غاية الساعة التعريف الصحيح لحكومتنا.. والتي تقول عن نفسها انها حكومة انتقالية.. ويصفها الإعلام بأنها حكومة ائتلافية.. وتصرّ بعض الاحزاب المشاركة فيها على القول أنها حكومة انقاذ وطني.. لكنها تتصرّف معنا.. بصفتها حكومة شرعية ودائمة.. وتسمح لنفسها بتناول ملفات.. لعلها لا تعنيها في الفترة الحالية خاصة. هذه الحكومة التي تحاول اقناعنا.. بأن عملها.. وقتي.. وبأن أعضادها ورئيسها ذاهبون في حال سبيلهم بمجرّد نهاية مدّتها الوقتية.. وبأنها تعمل اليوم على إعادة البلاد الى وضعها الطبيعي.. من خلال حرصها على تحقيق بعض أهداف الثورة.. لابد أن نسألها بالقول: ماذا حققت لنا في هذا المجال.. وهل نجحت فعلا.. في انقاذ البلاد.. وفي العودة بها الى حياتها الطبيعية.. وهل حققت بعض أهداف الثورة.. وماذا قدمت الى غاية الساعة لشباب الثورة.. وهل نجحت في اقرار برامج تنموية جهوية تساعدهم على تحقيق مطالبهم في الشغل وفي الحياة الكريمة. ولماذا تصر على التعامل مع هؤلاء.. وفق ما كانت تتعامل به معهم الحكومات السابقة.. والتي تكتفي بتسكين آلام البطالين.. دون علاج أوضاعهم.. ولماذا يسود التناقض كلّ مواقفها.. وقراراتها.. ولماذا يعمد بعض اطرافها من جماعة الأحزاب السياسية خاصة الى.. فكّان يدين الحزازة بداخلها.. وكأنهم الناطقون والفاطقون فيها وكأنها قد أعدّت على مقاسهم.. ولماذا تصم آذانها.. ولا تحاول معنا.. تطارح بعض النقاط الاساسية والهامة في حياتنا السياسية.. مثل مسألة الفراغ السياسي والذي سوف يحصل عندنا بداية من منتصف شهر مارس.. وكيفية تجنّبه أو الخروج منه ومثل كيفية تصرفها مع الملفات الكبرى والمطروحة عليها اليوم.. ومثل علاقتها بالاحزاب السياسية.. والتي رفعت في بداية عملها حولها شعار الفصل بين الحكومة والأحزاب.. لكنها لم تلتزم بتنفيذ ما يقتضيه هذا الشعار في كيفية تعيين بعض وزرائها من المتحزبين.. ومن الامناء العامين للأحزاب.. والذين ظلوا يحتفظون بمناصبهم في أحزابهم.. رغم تحملهم المسؤوليات في الحكومة.. وغيرها من نقاط الغموض الأخرى وهل يعني صمت حكومتنا عن كل هذه المسائل.. عجزها عن تناولها وعن البتّ فيها.. أم أنه يؤكد ما يروّج له البعض من أن طبخات سياسية جديدة.. لعلها.. تعد اليوم وراء الستار.. ونحن لا نعرفها.. ومن أن أطرافا فاعلة من خارج الحكومة.. تحاول اليوم.. فرض سطوتها.. عليها.. وتنجح في ذلك.. هذه واحدة أما الثانية فتخص هذه الحركات الاحتجاجية المتعددة والتي بدأت تغزو ربوعنا.. لتتحول الى موضة.. والى ممارسة يومية من طرف الجميع. في هذا الشأن.. قد أصبحنا نسمع حكايات غريبة.. مثل هذه التي تحصل بداخل بعض مؤسساتنا التربوية والتي يطالب من خلالها ابناؤنا التلاميذ بتغيير المسؤولين عن مؤسساتهم التربوية.. ومثل هذه التي يمنع من خلالها الناس.. بعض المسؤولين من مباشرة مهامهم.. وغيرها وإذ يحدث كل هذا.. أمام صمت تمارسه الحكومة.. مما قد يؤكد موافقتها الضمنية عليه.. فقد لا يمكن وصفه بغير الفوضى.. والتي لا تعني رغبتنا في العودة ببلدنا الى وضعها الطبيعي.. والمعهود.. مما قد يؤكد تواصل حالة الانخرام في ربوعنا.. والتي تعني بدورها.. توقف حركة التنمية.. وتعني عزمنا.. على الذهاب بأنفسنا الى الهاوية.. رغم عدم استعدادنا لمجابهة ما قد تفعله بنا.. بحكم ظروفنا الاقتصادية.. خاصة. وحتى لا يساء فهم مقاصدي حول هذه المسألة.. وحتى لا أتهم بالتحجر أو ربما بالدعوة.. للانهزام وللرضاء بالدون.. وبعدم الرغبة في تغيير الأحوال.. فلابد لي بداية من التأكيد.. على حقنا كلنا في التوق نحو الافضل.. وفي تغيير أوضاعنا وواقعنا نحو الأحسن.. وإذ يمكن وصف توقنا هذا بالجبلّة فينا.. فقد يمكننا اعتبار مزيد دعمه.. واحدة من أهم ما حققته ثورتنا لنا.. والتي أعطتنا الحق في التعبير عن واقعنا بصدق.. وفي البوح بما يؤلمنا من هذا الواقع.. وفي تأكيد الرغبة في تحسينه.. وفي تطويره.. هذه مسألة.. لا يمكننا تجاهلها.. أو الادعاء.. بأنها لا تعنينا.. الا أن ما يحصل اليوم في إطارها.. لا يؤكد في كل الأحوال قدرتنا على ممارسة هذا الحق.. أقول هذا.. بعد أن تحوّلت تحرّكاتنا السياسية.. الى خبز يومي في حياتنا.. وبعد أن صار لزاما علينا أن نضحى كل يوم.. على تحركات وعلى تحركات مضادة.. بعضها معقول.. وأغلبها همجي.. وغير منظم.. وأقوله بعد أن بدأ الشارع التونسي يتحوّل الى فترينة.. لاستعراض عضلات بعض القوى السياسية.. والتي تعمد الى استغلال الناس في ذلك.. وأقوله أخيرا.. لأن واقعنا اليوم قد بدأ يفرض علينا.. سؤالا كبيرا في مفهومه.. وصغيرا في كلماته.. ويلزمنا بطرحه على أنفسنا.. حتى لا نسهم بإرادتنا أو بدونها في اقتراف جرم كبير في حق هذا الوطن.. وحتى لا تستفيق يوما من غفوتنا.. فنكتشف.. أننا قد «حصلنا» مرة أخرى.. وأننا قد اقترفنا في حق انفسنا مجددا جريمة اصدارصك على بياض.. وبدون رصيد.. فننقلب مجددا على القائمين اليوم.. ونسبّهم ونلعنهم.. ونتّهمهم بالتسبب في اللي صار.. وندعي.. مرّة أخرى أننا قد كنا ضحايا لهم.. وأنه قد تم التغرير بنا من طرفهم.. ونسارع كلنا الى الفضائيات من أجل تقديم صكوك الغفران.. لأبناء الشعب الكريم.. حتى يعلموا أننا أبرياء.. سؤالي هذا نصه: وبعد؟.. اما اذا حاولت بعض الاطراف إجابتي عنه.. فآمل ألا تعمل الى تبشيرنا بجنّة الخلد التي تنتظرنا.. وأرجو منها الا تؤكد لنا.. انه علينا أن نخلع أحذيتنا وندخلها بسلام. لأن ما يحصل اليوم لا يؤكد ذلك.. ولو كنت في الحكومة.. لقدمت لكم من الأرقام ما قد يفزعكم.. وما قد يربككم وما قد يخيفكم عن مصيركم وعن مصير أبنائكم من بعدكم.. بلغوا.. هذا للحكومة إذن..