مثلما هو الشأن في جلّ مراسم التوأمة بين مدينتين كان لا بدّ من التحوّل إلى سلا لذات الغرض بعد انعقاد الحفل الأوّل بمدينة أريانة تزامنا مع عيد الورد في اليوم الثامن من شهر ماي سنة 1982 حيث أبرمت هذه الوثيقة: " نحن عيسى البكوش رئيس المجلس البلدي لمدينة أريانة وعبد الحميد بالقاضي رئيس المجلس البلدي لمدينة سلا نعلن توأمة مدينتي أريانةوسلا وهذه التوأمة ترمي إلى توثيق عرى الأخوّة والصداقة بين بلديتينا وتدعيم المبادلات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والشبابية والرياضية والسياحية ، ونتعهّد باحترام مبادئ القانون الأساسي للجامعة العالمية لتوأمة المدن والتعامل مع بعضنا باحترام في جوّ يسوده الصفاء والتعاون ". ومن أجل ذلك تحوّل وفد هام من تونس نحو الدار البيضاء يوم الأحد 26 ديسمبر 1982 أي عشية عيد الشموع الذي ينتظم كلّ سنة بالمغرب وبالتحديد بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، ضمّ هذا الوفد جلّ أعضاء المجلس البلدي باستثناء الأستاذ توفيق الزعنوني وعددهم 29 وطاقم إداري وكذلك فرقتي العيساوية بقيادة شيخها حميدة اللمسي وفريق كرة القدم التابع للجمعية الرياضية بأريانة بقيادة المسيّر المختار بن رمضان مكتشف المواهب - ذياب والبياري والركباوي- كما اصطحبنا الفنانة سلاف والشاعر سحنون مختار والإذاعي البشير رجب. ولقد شرّفنا الدكتور الصادق بوصفّارة رئيس الجامعة الوطنية للمدن التونسية بمرافقتنا وكذلك الشأن بالنسبة لمعتمد المدينة المرحوم عبد العزيز اليحياوي. وممّا تجدر الإشارة إليه أنّ موضوع هذه التوأمة تداول في شأنه المجلس في دورته الثانية لسنة 1981 المنعقدة يوم 28 ماي من تلك السنة، ووافق بالإجماع على إتمامها بعد أن حظيت بالدرس والترحاب من سلطة الإشراف. وقد كان المكتب البلدي قد استقبل في أولى اجتماعاته يوم 16 جوان 1980 المرحوم مولاي عبد الله العلوي رئيس رابطة الأخوّة المغربية التونسية ( الذي يعود إليه الفضل في توثيق العلاقات بين المدينتين التي تحمّل أمانتهما مناضلان سابقان في كنفدرالية طلبة المغرب العربي. بعد أن تمّ استقبالنا في مطار محمد الخامس من طرف والي الرباطوسلا عمر بن شمسي، عبرنا من الغد وادي أبي رقراق بالقوارب متجهين إلى قصر بلدية سلا حيث أقيمت مراسم التوأمة التي أشرف عليها الوزير الأوّل المغربي المعطي بوعبيد وحضرها زعيم المعارضة عبد الرحيم بوعبيد وتمّت هذه المراسم بتنشيط متميّز من طرف الصديق البشير رجب وألقى خلالها سحنون مختار تحيّة أريانة: عندما الورد تبدّى وحلا وهوا أريانة بالعطر امتلى ذكر الشاعر في نشوته صفوة أريانة في الحبّ سلا وقدّم الزميل لطفي خيّاط هديّة إلى جلالة الملك الحسن الثاني تتمثّل في لوحة زيتية بريشة الفنّان خليل السبعي. إثر ذلك تحوّل الجميع إلى مدخل المدينة حيث تمّ تدشين حديقة أريانة، وبعد الزوال التأم موكب الشموع بمشاركة فرقتي عيساوية أريانةوسلا، وفي المساء انتظم حفل ديني بضريح سيدي عبد الله بن حسون حيث قدّمت مدينتنا هديّة باسم المجاهد الولي الصالح عمّار المعروفي والمتمثلة في ثريّا بقيت إلى الآن تتدلى من قبّة ضريح الولي السلاوي. هذا الولي كان اقتطع لفائدته المنصور الذهبي هذا المكان التي شيّدت فوقه زاويته وهو المولود قرب فاس عام 1515 م وتوفي بسلا عام 1604 وهو يعدّ من أعلام التصوّف في عصره حتّى أصبح قطبا من أقطاب الطريقة الشاذلية وتماما مثل عمّار " الأرياني " قام ابن حسّون بدور هام في صدّ الغزو الصليبي على بلاده. لقد اختصّت مدينة سلا دون سواها بعيد الشموع الذي يرجع تاريخ الاحتفال به إلى الملك السعدي أحمد المنصور الذهبي وهذه الشموع التي يطاف بها ثمّ تحتفظ بها طوال السنة في زاوية سيدي بن حسّون هي " تختلف عن الشموع العادية باعتبار صنع هياكلها من خشب مكسو بالورق الأبيض والمزوّق بأزهار الشمع ذوات الألوان المتنوعة من أبيض وأحمر وأخضر وأصفر في شكل هندسي يعتمد الفن الإسلامي " ويردّد أهل سلا بهاته المناسبة أرجوزة مطلعها: السلوانية اليوم تحتفل بالذكرى وتمجد خلوق النبي في موسم الشموع جل الاحتفال بالحبيب جلّت الفكرة والمبدع الصالح التقي الفقيه الينبوع مولاي عبد الله بن حسون صاحب الحضرة وحلقات الذكر لله في الخشوع كانت مدينتا الرباطوسلا طوال تواجد الوفد الأرياني مزدانة بالأعلام التونسية وقد رافقنا على امتداد الأيّام الخمسة التي قضينا بين نظرائنا في المغرب القائم بالأعمال في السفارة التونسية الأستاذ البشير الحنتوس نيابة عن سعادة السفير الأستاذ صلاح الدين عبد الله المتواجد في مهمّة في تونس الذي أبى إلا الاتصال بنا متمنيّا لمسعانا التوفيق ولمهمّتنا النجاح التام. في حديث أدلى به إثر عودته معنا من الديار المغربية صرّح الدكتور بوصفارة لجريدة الصباح بشهادة تلزم مجلسنا بقدر ما تسعده " لقد فوجئنا أثناء حفل التوأمة بوجود شخصية مرموقة حيث تمّت التوأمة بإشرافه وهو سعادة الوزير الأوّل المغربي المعطي بوعبيد إضافة إلى الوفد المرافق له من شخصيات عمالة الرباط وذلك يدلّ قطعا عن اهتمام إخواننا المغاربة بهذه التوأمة ولقد لمسنا شعورا فياضا يتّسم بالجديّة والحماس فزيادة على الاحتفالات الشعبية التي أقيمت بناسبة التوأمة التأمت جلسات عمل وفي تلك الجلسات تمّ البحث من جانب الطرفين عن كلّ ما يمكن القيام به لتجسيم هذا الوفاء". واليوم بعد مرور قرابة الأربعة عقود من هذه الاحتفالية يبقى الأمل قائما في تحقيق تلك الأماني ولعلّ القادم أفضل ...