في مثل هذا اليوم من سنة 1918 ولد الشاعر عبد المجيد بن جدّو برحبة سيدي الجبالي بحي القعّادين بمدينة تونس. هو واحد من مشاهير التونسيين الذي عمل طول حياته المهنية دون كلل أو ملل في إثبات الروح التونسية فيما نظمه من شعر ونشر حتى عدّ من طرف جمهور النقاد أحد روّاد الأغنية في بلده وبلدنا تونس التي تيّم بجمالها مدنا وأريافا. وقد كان له الفضل بل الفضل الأثيل في البحث والتنقيب عن الشعر الشعبي أو الملحون وتناوله السنين الطويلة في حصص متعدّدة في الإذاعة وفي التلفزة وفي الصحافة أيضا في مجلة الفكر على الوجه المخصوص مسلطا الأضواء على أوزانه شارحا أصوله متفننا في تقديمه في أبهى الصور التي تبرز تعلّق بن جدّو الشخصي بالأرض يمجّد الأرض ويمجّد الإنسان وهو الذي تغنى في أشعاره بنزوع الإنسان إلى الخير وبمقاومته لمظاهر الشر. لقد كان رائعا في أشعاره التي يخطّها بوجدانه. ولقد أضحت أزجاله بالدّارجة التي تغنّى بها جلّ الفنانين منقوشة في ذاكرة التونسيين والتونسيات: دار الفلك من بعد طول العشره والدهر حال بحال مرّة بمرّه من غرّ بينا يجيه وقت يغرّه واللي جرى على الناس يجرى عليّ يقول عنه محمد صالح الجابري في كتاب الشعر التونسي المعاصر (1870-1970) والصادر عن الشركة التونسية للتوزيع: " يبدو عبد المجيد بنجدو في جلّ قصائده متأثرا أشدّ التأثر بالمدرسة الغنائية التي كان عبد الرزاق كرباكة ومحمود بورقيبة وعلي الدوعاجي والهادي العبيدي من أبرز عناصرها ولكنه تأثر إيجابي، إذ نزع بالشعر الغنائي نزعة جديدة حافظت على أهمّ خصائصه الموسيقية وأدخلت فيه من الموضوعات ما يتماشى والفترة التاريخية بتحوّلاتها الاجتماعية والسياسية وأحيانا السياحية كما هو الحال في قصائده التي يتغنى فيها بسوسة وجمّال والمهديّة (غناء عائشة)، وباجة بلاد المندرة والصابة (غناء زهيرة سالم) وطبرقة والكاف وبنزرت وما إليها من المدن التونسية التي امتدح جمالها ". ثمّ يواصل الجابري: " إنّ السمة الطاغية على شعر بن جدّو هي سمة التطريب: أنا في هذي الربى أغنيات أنا غضبة الموج عند البحار أنا هدأة الليل إن غام كوني وأيّام عمري قصار قصار تعرّيت حتى لبست السماء ووشى لي النجم منك إزار ومثل هذا التغريد بالتواشيح على منوال المقطوعات الغنائية: يا حبيبي بدّد اليأس بألحان عِذاب لم يكن عيش الفتى وهما ولا طيف سراب نحن نمضي في غد كالنسور في صلب الضباب كان لقول ابن جدّو: " يجوز اللحن في اللحن لا في الشعر" الرجل يعي ما يقول وأكاد أجزم بما أنّ الشعر يجري في عروقه مجرى الدم إذ أنه ولد شاعرا. يقول في مذكّراته: " لا أعرف كيف أحدّد عهد الصبا، كنت في حارتي أمارس الألعاب التي تشغل الأطفال كالزربوط والبيس وقلوب المشمش، ولكن عندما اخضرّ شاربي وكنت في الخامسة عشر من عمري أحببت الشعر وولعت بالغناء وأخذت أطالع ما كنت اقتنيته من قص وقرأت قصّة مجنون ليلى وهزّتني أحداث هذه الرواية وانحزت إلى المجنون. وبينما كنت ألعب بزنقة الستاري وقعت عيناي على صندوق مملوء بالكتب الممزقة وكان صاحبها قد ألقى بها فأخذت كتابا منها وتصفحته فإذا هو ديوان شعر أندلسي وقد لفتت نظري فيه هذه الأبيات: ورد الخدود أرقّ من ورد الرياض وأنعم هذا تنشقه الأنوف وذا يقبله الفم. ثمّ واصلت مطالعة الكتاب فعرفت به أوّل ما عرفت ابن زيدون وولاّدة . ثمّ يواصل: ومن حسن حظي أني كنت من تلاميذ الجمعية الخيرية الإسلامية ثمّ من تلاميذ المدرسة الصادقيّة وكان بها معلمون شعراء يكتبون الأناشيد ويلحنونها، فكانت فصول المدرسة الخيرية تشبّه إلى حدّ كبير بمعهد موسيقى. وكان من المربّين بها الشيخ الشاذلي معالي الذي كان معلم خط وأناشيد وكان يعلمنا من أناشيد الشيخ مناشو وكذلك أحمد خير الدين والشيخ النحوي واللغوي محمد بن جعفر الذي اكتسبنا بفضله ذخيرة لغوية كنّا نحسد عليها. وكان لنا معلم فرنسي أسلم وأطرد من الوظيف العمومي فاحتضنته الجمعية الخيرية وجعلته مدرّسا بها وهو الذي علمنا الاشتقاق أي اشتقاق الكلمة الفرنسية من اللاتينية، كما أنه علمنا السلّم الموسيقي والترقيم. كلّ ذلك أهّلني إلى الميل إلى الشعر وإلى محنته. ولقد ألححت على أبي رحمه الله أن يشري لي معجما أرجع إليه كلّما غمضت كلمة عليّ وأوّل معجم تحصلت عليه هو المصباح المنير، ولمّا ازداد شغفي بحبّ اللغة وميلي إلى شواردها اشتريت مقامات الحريري وقرأتها بشغف وفككت طلاسمها. وأوّل قصيد نظمه بنجدّو في سنّ مبكرة متأثرا بالشعر الأندلسي: هالك والروح في أثوابه غادر والصدق نزر من وفاه ترقص النشوة في مصابه وبقايا قبله تلجم فاه