في أخر تصريحاته الصحفية حلل سعادة الشيخ محمد بن عبد الرحمن وزير خارجية قطر لصحيفة (الغارديان) البريطانية جملة القيم السياسية و الثوابت الأخلاقية التي تأسست عليها الدبلوماسية القطرية منذ نشأة الدولة فكان بوضوحه المعهود جريئا في تحديد أسس السياسة الخارجية القطرية مؤكدا بأن (جاريد كوشنر) مستشار (دونالد ترامب) في الشرق الأوسط، أخبره أن خطته للسلام بين إسرائيل وفلسطين ستكون جاهزة في غضون أسابيع، لكن سعادته أصر على أن قطر غير مهتمة بالموضوع طالما أنه لا يمثل حدود 67 وحق العودة وتسمية القدس عاصمة فلسطين. هذا رد سعادة الوزير على السيد (كوشنر) الذي يؤدي هذه الأيام زيارات الى تركيا و عديد الدول العربية وهو مستشار و صهر الرئيس (ترامب) الذي لا يخفي أن موضوع جولته و غاية إتصالاته بمسؤولي الشرق الأوسط هي الترويج لما يسمى صفقة القرن وهي الصفقة (الأمري-إسرائيلية) التي يبدو أن المملكة السعودية والإمارات و البحرين و مصر إنخرطت فيها أو على كل حال لم تعترض عليها بمواقفها الدبلوماسية و للتذكير فإن الصفقة تظهر في شكلها و مصطلحاتها عارضة لحل سلمي بين فلسطين و إسرائيل لكن في باطنها و خفاياها تعلن تصفية نهائية لقضية الشعب الفلسطيني هذه التصفية التي خططت لها الصفقة عدة محطات منها أولا الإعتراف بأن إسرائيل محقة في تحويل دولتها إلى دولة يهودية (بمعنى مرتكزة على دينها و توراتها و ليست دولة مدنية متعددة الأعراق و الديانات تلغي بالطبع تواجد عرب فلسطينيين فيها كمواطنين كما تسوق الدعاية الإسرائيلية) الغريب في البند الأول من الصفقة أن الولاياتالمتحدة ذاتها و معها دول الإتحاد الأوروبي ترفع شعار الدولة المدنية و تفتخر بأنها (ملتنغ بوت) بالأنجليزية الطنجرة التي إمتزجت فيها مختلف الأعراق و الأديان و الثقافات وهذا المزيج هو الذي شكل الأسمنت المسلح القوي لبناء دولة المؤسسات ! فكيف تناقض هذه الدول نفسها و تؤيد دولة عرقية تصبح بالضرورة دولة عنصرية ؟ البند الثاني في الصفقة هو القبول بأن تكون القدس عاصمة إسرائيل الأبدية و غير المقسمة و غير الخاضعة لأي نقاش قادم ! وهو ما قامت به إسرائيل بصورة أحادية منفردة منذ سنة و استجاب (ترامب) فنقل سفارة أمريكا إلى القدس و لم ينتبه رعاة الصفقة إلى أن هدا العمل الباطل يخالف قرارات منظمة الأممالمتحدة و ميثاقها و يحرق كل وثائق و قرارات عمليات السلام المزعوم من مدريد إلى أوسلو إلى كامب ديفيد ؟ أي كل العمليات التي رعتها واشنطن نفسها و وقعت عليها مع الفلسطينيين و الإسرائيليين ! ثم إن ممارسة غير شرعية كهذه تفتح الأبواب للعنف و مزيد المقاومة و تخريج جيل فلسطيني و عربي و مسلم يائس نهائيا من أمكانية الحلول السلمية في المنطقة. تأملوا معي قرائي الأفاضل كيف و لماذا لم تنخرط الدوحة في هذه الطريق الخطإ وهو ما يصبغ على تصريحات الوزير القطري طابع الثبات على إحترام حقوق شعب شقيق محتل و على إحترام القانون الدولي وهنا تكمن قوة و صلابة الدبلوماسية القطرية التي يعززها عمل قومي تضامني صادق و ناجع لنصرة فلسطين بدأ من إعادة إعمار قطاع غزة و فك عزلته و حلحلة معضلاته في الماء و الكهرباء و الرواتب و البنية التحتية. و في نفس التصريح الحدث أكد سعادة الشيخ محمد بن عبد الرحمن أن سياسة الاستقطاب والقمع في الشرق الأوسط ستؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في المنطقة ما لم تتخذ الدول خطوات لإصلاح التوجهات و تصحيح المسيرة وتهدئة التوترات.وقال سعادته: "أي شخص ينظر إلى الوضع في الوقت الحالي - الاستقطاب في المنطقة - من المؤكد تماماً أن الأمور لن تبقى هكذا لا يمكنك إبقاء الناس تحت وطأة الظلم لفترة طويلة، ومن أجل منع حدوث حالة عدم الاستقرار، نريد فقط أن يبدأ القادة في الإصلاح،يجب أن نمارس الدبلوماسية الوقائية بدلاً من الدبلوماسية التفاعلية ".نعم بهذه العبارات لخص الوزير الرؤية القطرية للجهود الدبلوماسية التي تعتمد الوقاية لإخماد الحرائق قبل إندلاعها لا الدبلوماسية التفاعلية بمعنى التبعية دون مراعاة الحقوق و القانون الدولي و مبدإ التضامن مع الشعب العربي المضطهد المظلوم. و بالطبع تدركون يا قرائي الأفاضل الفرق الشاسع بين هذه الدبلوماسية الأمينة و تلك الدبلوماسيات المذبذبة المذيلة التي تضحي بالقيم من أجل تعزيز الأنظمة و تغمط الحق من أجل كسب تأييد عابر و مزعزع و مهزوز سوف يفاجأون قريبا بأنه تأييد هش و تدركون طبعا لماذا حوصرت قطر بتعلات المطالب الثلاثة عشر للتمويه أما البقاء فللأصدق و الأرسخ و الأبقى و لله الأمر من قبل و من بعد.