بهذه الورقة قبل الاخيرة اختم السلسلة الاولى من ذكريات فرنسا لابدا بعدها سلسلة جديدة كنت وعدت بها القراء استعراض فيها ما كان لي من اتصالات تعرفت من خلالها على مجموعة من المهتدين الى الاسلام من اساتذة الجامعات وكبار الباحثين والدارسين اختم السلسلة الاولى بتذكر ما بقي في ذهني عالقا مما دار بيني وبين بعض التونسيين من مختلف الفئات التي استوطنت البلاد الفرنسية سواء للدراسة اوللعمل او للعلاج والمداواة وممن التقيت بهم وجلسنا مع بعضنا عدة مرات في مقهى يقع قريبا من حديقة "بوتشومون" الجميلة التي يطل عليها مقرتجمع النونسيين في "بوتزاريس" المناضل الكبير السيد عبد العزيز شوشان رحمه الله وغفر له وهو اصيل مدينة القلعة الكبرى من ولاية سوسة لم اعرف الرجل ايام الحركة التحريرية فذلك شرف فاتني نيله فقد كان عبد العزيز شوشان رحمه الله من اعمدة النضال الوطني في الساحل ولااريد ان استعرض مسيرة حياته النضالية وما ال اليه عن روية واختيار من انحياز الى صف الزعيم صالح بن يوسف وماترتب له عن ذلك من مضايقات وهجرةالى مصر وليبيا والجزائر اين كان من قادة المعارضة الكبار ومن الفاعلين المؤثرين في مجريات الاحداث ليس على المستوى الوطني فقط بل تجاوز ذلك الى المستوى المغاربي والعربي فقد ارتبط السيد عبد العزيز شوشان رحمه الله بعلاقات متينة مع كبار القادة المغاربين والعرب ودخل في تحالفات فيها المد والجزر وهي مرحلة لاتزال تحتاج الى مزيد تسجيل لشهادات من لهم بها علاقة مباشرة اوغير مباشرة عرفت عبد العزيز شوشان رحمه الله في اوائل التسعينات وقد تزاملنا في العمل الحزبي والنيابي وكان لكل منا طرحه وهما في النهاية يصبان في واد واحد كنت استمع الى طرح عبد العزيز شوشان رحمه الله سواء في اللجنة المركزية اوفي البرلمان بكل اهتمام فالرجل كبير اتاه الله بسطة في الجسم مثلما انه يختزل تجربة مليئة بالاقدام والمغامرة التي بلغت به الى حد اصدار الاحكام الشديدة ضده ولكنه في كل مرة كان يخرج منها باعجوبة في خطاب عبد العزيز شوشان الرمز. وكان يقول( نحن هنا ).ذات مرة صرح امام ملاء من الحاضرين قال ( نحن سدنة المعبد) قالها بالعربية والحقها بما يقابلها باللسان الفرنسي وقد راى ان ذلك ابلغ .وكان يقول لي ولمن هم من جيلي( اتركوا لنا المعارك الكبرى ) كان الجميع ينصتون بانتباه لماسيقوله عبد العزيز شوشان كانت علاقتي به يسودها الاحترام والتقدير الكبيرين فالرجل كبير وانا بالنسبة اليه صغير صادف ذات مرة ان اشرفت على اجتماع في القلعة الكبرى وكان عبد العزيز شوشان رحمه الله موجودا في القلعة فابى الا ان يحضر معي في هذا الاجتماع وابى الا ان يتولى تقديمي للحاضرين وكان مما قاله "ان الاقدار ابت الا ان تجعله يعمل مع الاب"ويقصد الشيخ الوالد الحبيب المستاوي رحمه الله ومع الابن يقصدني ولايخفى ما في كلام عبد العزيز من الرسائل الي والى الحاضرين من اطارات القلعة الكبرى ذات يوم كنا معا في لجنة ضمت كبار القوم وكان الحديث في موضوع هام كان البعض من المتنفذين يقول "الرئاسة تريد الرئاسة ترى الى غير ذلك" تناول عبد العزيز شوشان الكلمة وقال"يبارك فيكم الرئاسة هي الرئيس وليس من في الرئاسة من كتاب وحتى حجاب" وقطع بذلك عبد العزيز صوت كل خطيب ولانه لابد بعد القوة من الضعف توعكت صحة عبد العزيز شوشان واضطر للسفرالى فرنسا للعلاج وطالت مدة علاجه فكان يعيش هناك بجسمه اما روحه وهواه وشغله الشاغل فهو في تونس وكل مايدور فيها وكنت كلما زرت باريس الا واجتمع به واجلس اليه نتجاذب اطراف الحديث والحديث كما يقال ذوشجون صحبة بعض الاخوة والاصدقاء وكان يرتاح لهذه اللقاءات وتنسيه مرضه الذي اخذ يستفحل يوما بعد يوم والرجل صابر صامد كالطود شامخا لايبدي ادنى ضعف وفي احدى هذه اللقاءات قلت ياسي عبد العزيز ماذا ستقول لربك عندما يوقفك بين يديه ويقول لك بماذا قدمت على يا عبد العزيز من الاعمال الصالحة بعد هذا العمر المديد الذي كنت فيه الى جانبك انقذتك اكثر من المازق ومن الهلاك المحقق اكثر من مرة ماذا قدمت ياعبد العزيز مما تجده بين يدي ربك .سكت الرجل وصمت حتى لكانه غاب كليا عن الوعي واصفر وجهه ولااحد من الحاضرين استطاع ان يستدرك الامر ومرت لحظات الجميع ينتظر جواب عبد العزيزشوشان الى ان قال بصوت خافت متهدج وعبرات الدموع تسقط من عينيه "لم اقدم شيئا لم اقدم شيئا سبحانك يارب اغف لي ر فانه لايغفر الذنوب الاانت" هناك تداركت الامر وهونت عليه مما كنت سببا فيه وتلوت قول الله تبارك وتعالى "قل ياعبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم" وهنالك عاد لوجه عبد العزيز شوشان رحمه الله بشره واشراقه وراينا على اساريره علامات الطمانينة والراحة النفسية تلك احدى ذكريات فرنسا