يقولون لي لماذا لا تتحمسين بجنون لهذه الانتخابات وتساندي مترشحا تدافعين عنه و'تضرب عليه بالبونية" وتهاجمي المترشحين الآخرين بعنف؟ فأجيب لأني فهمت من زمن أن اللعبة محسومة سلفا وبأن تونس بلاد صغيرة أعشقها حد النخاع، لكنها ليست حتى الان قوة اقتصادية ولا عسكرية ولا نووية تمتلك قراراتها...السيستام العالمي هو الذي يحكم... هل تتصورون فعلا انه يمكن ان يأتي مرشح "س" ولا ترضى عنه القوى العالمية الفاعلة، وينتخبه الشعب العظيم هكذا فيصبح رئيسا لتونس؟ تونس ذات الموقع الاستراتيجي الباهر بين ليبيا والجزاير وعلى مرمى حجر من أروبا؟ ويحك رأسه ليلة ويستيقظ صباحا ليقرر وحده (اقول وحده) مثلا نشر حقائق الجهاز السري والاغتيالات وأسرار التوافقات وفتح الملفات الفاضحة دون ان يكون ذلك مبرمجا سلفا برضا القوى العظمى؟ السيستام هو الذي يحكم، السيستام العالمي الذي اختار منذ مدة الاستعمار غير المباشر بدل الاستعمار الفعلي المكلف والمرهق. السيستام الذي أراد رحيل بن علي والقذافي ومبارك واراد الإسلاميين في حكم تونس بعد 2011 واختار السبسي من 2011 مجهزا إياه للرئاسة بتوافق مع النهضة من اجتماع 2013... السيستام منظم أموره منذ أشهر فيما يخص تونس، لا يلعب بالالاف من المليارات ولا يخاطر بحرب أهلية او زلزال سياسي في المنطقة، ويعرف من سيحكم، ويوجه الشعوب نحو ما يريد بأشكال شتى وان لم ينجح يلجأ الى كل الأساليب والطرق... طبعا لا يعني هذا ان الأمور لا تتغير، فالسيستام الذي أتى ببن علي ومبارك مثلا انقلب عليهما، والسيستام الذي أتى بالخوانجية يستعد لقلب ظهر المجن لهم. ..والسيستام الذي كان يريد دمار سوريا وجد سدا من روسيا وإيران... وهنا مربط الفرس هذا الستاتو، السيستام اليوم في حال تحول وصراع بين قواه العالمية، لذلك الأمور في تونس مرشحة للتغيير..عن الدولة العميقة أتحدث ولا عن لهو مسرحية الصندوق "الحر النزيه"...الدولة العميقة بتونس اختارت ما يضمن بقاء التوافق مبدئيا في انتظار اتضاح الرّؤية في ليبيا، ومدى تسليم ماما أمريكا بأنها لم تعد وحدها تحكم في العالم، حينها قد تحدث مفاجأة تقلب الأمور رأسا على عقب، وتتغير كل المعطيات في أسابيع... بعبارة اخرى، ما دمنا دولة مستعمرة لا تنتج ولا وزن لها بين قوى العالم فسنظل موضوعا لصراعات السيستام ومن يقل غير ذلك يكذب عليكم، ولا يريد اخباركم بمصدر أموال أحزابه او حملاته الاتصالية او بعلاقته بسفراء الدول الفاعلة... هذه لحظة الحقيقة، وسنعود بعد قليل الى لعبة المترشحين والى الشعب الواعي الفاعل الذي يقرر انتخاب من يشاء...ومن قال إن اللعب ليس ممتعا؟ الحياة كلها لعبة وهمية كبرى... وما ازال متمسكة بأن الآتي لتونس أجمل (من منظوري طبعا)...