الكل مصدوم .. و الجميع يشعر بأنها " لطخة " على رأي " الكرونيكور " شكيب الدرويش .. والكل مصعوق ولا يدري ماذا حصل .. والجميع قد انتابه الذهول وعدم الفهم لما جرى ويجري .. هذا هو تقريبا حال طبقتنا السياسية اليوم التي لا زالت تعيش على وقع الزلزال الذي أصاب أحزابها السياسية التي خرجت صفر اليدين من الانتخابات الرئاسية الحالية و التي أفرزت مرشحين من خارج منظومة الحكم لأحزاب الحكم والمعارضة معا وجاءت بشخصيتين من خارج ما يعبر عنه " بالسيستام " الحالي الذي ينتقده جانب كبير من الشعب لكونه فشل في تحقيق أهداف الثورة وأحلام الشباب الذين قاموا بها . واليوم جزء من إعلامنا ما زال تحت وقع " التخميرة " والهستيريا والتشنج ومازالت إلى اليوم قناة الحوار التونسي تقيم كل مساء مأدبة العويل والنحيب ولطم الخدود على الخيبة التي ألمت بمريم بالقاضي وجماعتها بعد أن ترشح للدور الثاني للانتخابات الرئاسية شخصيتان من خارج ارتباطات الاعلام السياسي ومن خارج دائرة من كانوا يراهنون عليه .. ولكن بعيدا عن كل ذلك وفي محاولة لتبين الموقف الذي يتعين اتخاذه في قادم الأيام في علاقة بمن ندعم في الدور الثاني ونحن أمام خيار صعب. ما يمكن قوله هو أنه إذا كانت بعض الاحزاب قد سارعت وأعلنت عن دعمها للمترشح قيس سعيد وصرحت بأنها سوف تدعم من تتقاطع معه في التوجهات والخيارات وفي الموقف من الثورة و"السيستام" فإن الكثير من الناخبين الذين لم يصوتوا في الدور الاول لقيس سعيد ولا لنبيل القروي يجدون أنفسهم في مأزق كبير في تحديد الخيار الأفضل فهل نبقى على الحياد أم نختار قيس سعيد ونفضله على نبيل القروي لطبيعة خطابه المختلف عن خطاب عن هذا الأخير ؟ وهل ندعم سعيد لكونه يمثل الفكر الجديد والثورة الثانية التي تستأنف استحقاقاتها ؟ في الحقيقة إن الفرضية التي وضعتنا فيها الديمقراطية وما أفرزه الصندوق الانتخابي هي فرضية صعبة وفرضية محيرة وصيغة هي بمثابة الورطة والمأزق الكبير لسبب بسيط هو أننا هذه المرة أمام شخصيتين على اختلافهما من حيث البرنامج والمشروع إلا أنهما مشخصتان غامضتان وربما قيس سعيد أكثر غموضا من القروي بما يعني أن الغالبية التي قررت دعم قيس سعيد في الدور الثاني لا تعرف عن هذا الرجل شيئا عدا بعض الأفكار والمقولات المتداولة في الاعلام والتي ينقلها مناصروه في مواقع التواصل الاجتماعي . الحقيقة أننا في مأزق كبير فإذا كان الحسم قد حصل في عدم انتخاب نبيل القروي رئيسا للجمهورية بسبب الشبهات المالية الكثيرة التي تعلقت به وللفساد الذي يحاصره ولارتباطاته الواضحة مع دوائر المال والأعمال المشبوهة فإن قيس سعيد لا نعرف عنه شيئا تقريبا.. لا نعرف عنه مشروعه السياسي الذي يحمله معه إلى قصر قؤطاج .. لا نعرف موقفه من السياسة الخارجية للبلاد ورؤيته للدبلوماسية الاقتصادية وعلاقة تونس بمحيطها الدولي والعالمي ؟ ولا نعلم شيئا عن مرجعيته الفكرية التي تحرك مواقفه ؟ ولا نعرف إلى أين يريد أن يسير بالبلاد ؟ ولا نعلم هل يريد أن يواصل البناء أم يبشر بالهدم وإعادة التأسيس ؟ وإن كان هذا ما يبشر به فلا نعلم هل فكر في تداعيات هذا الهدم على وضع البلاد وحال الشعب ؟ في الحقيقة فإن هذا الغموض الذي يحف بشخصية قيس سعيد هو الذي يجعلنا خائفين على مستقبل البلاد وخائفين كذلك من أن يكون اختيارنا الاضطراري لفائدة قيس سعيد ينتهي إلى ارتكاب خطأ كبير لو توخي هذا الأخير بعد أن يصبح رئيسا للبلاد سياسية تعصف بكل الاستقرار الذي ننشده في علاقة بإمكانية التصادم التي من الوارد أن تحصل بينه وبين مجلس نواب الشعب بخصوص المبادرات التشريعية التي تصدر عنه ولا يقبل بها النواب لكونها مبادرات طوباوية لا تصلح بالبلاد وفي علاقة بالأفكار التي ينوي تطبيقها غير أنه لا يصلح تطبيقها على أرض الواقع. هذا هو المأزق اليوم أن يجد الناخب نفسه أمام اختيار صعب وأمام وضعية مقلقة فمن جهة أمامنا مترشح تحاصره تهم فساد مالي ويوظف آلام الناس ويستغل اكراهات الفقراء للوصول الى السلطة ومن جهة أخرى أمامنا رجل آخر هو شخصية غامضة غير جلي لدينا ماذا يريد أن يفعل وأين يريد السير بالبلاد ؟ فهل نغلب صوت العقل ونختار عدم التصويت لأي من المترشحين لعدم وضوح الرؤية ؟ أم نغلب لغة المشاعر ونعتمد على معيار نظافة اليد والاستقامة والوضوح ونميل إلى الرأي الذي يجعل من قيس سعيد الأمل الجديد والثورة الثانية والفرصة الممكنة لاستئناف طموحات الثورة في تحقيق شعار الشغل والحرية والكرامة من خارج النسق والنمط والمنظومة الحالية الحاكمة من أجل البحث على طريق آخر و" سيستام " مختلف ؟ هل نراهن وتغامر مع شخصية قيس سعيد ونقول كما قال الرسول صلى الله عليه لمن أراد ان يمسك بناقته لما حل بالمدينة " دعها فإنها مأمورة ؟ ...