اظن انه لا يليق باهل القراطيس واصحاب الأقلام ان يمر بهم عيد الشغل والعمال ولا يكتبون شيئا يليق به في هذا المجال وعليه فقد رايت من باب الترحيب بهذا العيد ان اذكر بما قيل في فضل العمل والشغل وفي شرف العمال والشغالين من القول النافع المفيد واني ابدا في ذلك بقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين الذي علم بفمه وفكر بعقله وعمل بيده (ما اكل احد طعاما قط خيرا من ان ياكل من عمل يده) كما قال عليه الصلاة والسلام ليحث على العمل فيما رواه لنا الحفاظ والعلماء الثقات وكتبوه ودونوه(لئن يحتطب احدكم حزمة حطب خير له من ان يتكفف الناس اعطوه او منعوه) كما قال صلى الله عليه وسلم ورضي الله عمن امن به وصدقه واتبعه (من بات كالا من عمل يده بات مغفورا له) اما عن الصحابي المشهور عمر بن الخطاب فقد قال رافعا من شان العمال ومستنقصا شان البطال (اني لارى الرجل فيعجبني فاسال عن صنعته فان قيل لي انه لا صنعة له سقط من عيني) فماذا لو بعث عمر بيننا اليوم وراى منا رجالا في عنفوان قواهم وصحتهم ما شاء الله كالحديد وهم يؤثرون البطالة والكسل على الاجتهاد والعمل مفضلين تمضية اوقاتهم الثمينة في المقاهي وفي الشيشة وفي التدخين؟ لا شك انه سيبكي على حال العرب والمسلمين بعينه التي في الشمال والأخرى التي في اليمين اما عن اجدادنا التونسيين فقد اثر عنهم في الحث على الشغل اكثر من قول واكثر من مثال كقولهم في هذا المقصد وهذا المجال (اخدم بقفصي وحاسب البطال) فلئن كان القفصي لا يعني لدى المؤرخين غير مقدار من المال قليل وضئيل الا انه في كل الحالات يبقى افضل من لا شيء لدى الفقير والمسكين و(المحتحت ) والزوالي والقليل) كما قال اجدادنا الذين سبقونا في هذه الحياة قولا كله حكمة لاصلاح احوال الناس في هذه الديار(خدمة النهار ما فيها عار) فلا شك ان الذي يعمل بيديه عملا نافعا في ضوء وفي رابعة النهار ليكسب ولو مبلغا قليلا من صنف الدرهم او صنف الدينار هو افضل في كل الأحوال من الذي ينام النهار متعمدا لغاية في نفس يعقوب ثم يقوم بالليل ليعتدي على مكاسب الناس ويسرق متاعهم بخلع ابوابهم ونوافذهم (بالشاكوش وبالكلاب) ومستعينا بالمطرقة او بيد المهراس اما اخواننا المصريون فلهم في هذا المجال ما يقولون ايضا وما يعبرون وما يفيدون اذ قالوا في من يعمل باتقان وحسن تفكير وتدبير(فلان صنايعي اصابعه تتلف في الحرير) فهل هناك افضل من هذا الاعتراف وهذا المدح وهذا التقدير ؟؟وقالوا عكس ذلك في وصف حال القاعد الراكد الكسول(فلان لا يودي ولا يجيب) اي لا يصلح في قضاء شيء مفيد لا من قريب ولا من بعيد اما عن اغاني الفنانين والمطربين في مدح الشغل وانعاش ارواح ونفوس وايادي الشغالين فهي كثيرة ولا باس ان نتذكرها من حين الى حين اذ لا شك ان الكلمات والألحان الهادفة الجدية الجميلة لها اثر قوي ملحوظ في تحفيز القلوب والعقول و النفوس الحية للاقبال على الأعمال النافعة العظيمة الجليلة وما احسن ان نذكر في هذا المجال تلك الأغنية الهزلية الفكاهية الساخرة من الكسالى والبطالين والمتقاعسين والتي اشتهرت في قديم السنين والتي تغنى بها محمد الجراري رحمه الله رب العالمين والتي يقول فيها مما يقول(انا مدلل سيد الناس والخدمة ما انجمهاش ...)واغنية موسيقار الزمان فريد الأطرش الذي تغنى يوما رافعا من شان كل عامل وكل شغال من كلمات الشاعر العظيم مامون الشناوي فقال له في اروع لحن واحسن مقال خليها على الله ومشيها ويا الله اتبسم واضحك للدنيا ولا تسال وافرح بشبابك ليه تصرف من عمرك ثانية تتالم او تشكي عذابك شوف شغلك والباقي على الله وخليها على الله على الله الشاطر يجري ورا عيشه وبجهده حيتم نعيمه والخايب يجني عليه طيشه وبرجله يوصل لجحيمه شبعك او جوعك شيء موش باليد عرقك ودموعك دول ثمن المجد شوف شغلك والباقي على الله خليها على الله على الله صدقت والله يا مامون وابدعت والله يا فريد فليس للعاقل الا ان يتوكل على الله ويبتسم ويضحك للدنيا ويفرح بشبابه الذي عليه ان يستغله فيما يرضي خالقه ومولاه وتحقيق حلمه وهدفه ومناه وان يترك التالم والشكوى ويقبل على شغله بمزيد النشاط وبكامل القوة وان يتاكد ان النعيم الحقيقي في الاقبال على العمل وان الشقاء ومختلف انواع واشكال العلل مرهونة باختيار سبيل القعود وطريق الكسل وان يومن ويعتقد ان الرزق مهما كان العمل كبيرا او صغيرا بيد الله الذي لا ينسى عبده الذي اتكل عليه والتمس عنده رزقه وخيره واجره ومبتغاه وان يقتنع ان سكب العرق وبذل الجهد قدر المستطاع هما وحدها ثمن المجد والمنصب المحمود والمقام المرفوع اما عن الذين يطلبون المجد والمنصب والمكانة الرفيعة بغير سكب العرق وبغير بذل الجهد الخلاق فاننا نقول لهم ونذكرهم بان اختيارهم وطريقهم ومنهجهم ومنيتهم كمثل الكعك الذي لا يذهب ولا يسمن ولا يغني من الجوع وما اجمل ان نقول ونكتب في اخر سطر كل عام والشغالون والعمال بالف خير وفي احسن حالة مؤمنين ومقتنعين بان العمل الشريف مهما كان فهو احسن و افضل الف الف مرة من القعود والجمود والكسل والبطالة