بتردد كبير، وبالكثير من الارتباك، أكتب هذه السطور ليقرأها شقيق الروح الرابض في سكنه الأخير منذ عقد من الزمن... حاولت أن أتهرب من هذا اليوم الحزين، وأتجاهل فراغه إلا أن هذه الذكرى المرة تستولي علي ولا حل لي للفكاك من أسرها سوى الكتابة... أكتب... لقارىء لا يقرؤني... وإن كانت روحه حاضرة في كتابتي... لقارئ لا يراني ولكنه يبصرني...لا أمسك يديه بحنو الأم ولكنه يلهو في قلبي الشقي بحبه... أكتب له دون سواه، وأنا في انتظار إشعار منه ليسمعني كلماته البريئة التي تخرج من قلبه عفوية... ليقول لي أحبك أختي... أنت الحب الطاهر النقي في حياتي... إليه... شكري... وجعي الأكبر ...أكتب هذه الرسالة مرتبكة، شقية، ضعيفة كما لا تحب أن أكون... تتعثر لغتي، في هذا اليوم، تستفزني مفاجآت الحياة وأسرارها التي خطفتك قلبا دافئا، نابضا بالحب في لحظة اختارتها جيدا.. رحلت صغيري في يوم ميلاد أبينا، حتى لا ننسى هذا اليوم ربما... في كل زاوية من بيتنا نستنشق رائحتك، وننصت إلى خطواتك السريعة، وضحكاتك العالية، ومشاريعك المستقبلية: "وقت نكبر باش نعمل وباش نبني وباش نولي..." كانت أحلامك كبيرة على صغر سنك، ولذلك قطعت سندي في سن مبكرة... أراك دائما في أحلامي، غاضبا مني، نحيلا على غير العادة، ولكنك مبتسم كما كنت دوما... أراك صغيري فيشتد وجعي، وأحاول أن أعتذر عن تقصيري في حياتك ومماتي بعدك... لا أعرف معنى الموت حتى بعد موتك، فأنت تعيش في، روحا طاهرة تبث في القدرة على الاستمرار والحلم... أحلم فأراك بين أحلامي، وأنطلق بجناحيك بين الغيوم فتتوضح الرؤية أكثر وأراك هناك ترتدي الأبيض وتسابق الرياح لتزف لي خبر نجاحك... أراك في عيون أصدقائك، فهمي، وتقوى، وسلمى... الذين لا ينقطعون عن زيارة قبرك... ألتقي بهم مصادفة فتحيا في الذكريات، وتؤلمني ألما لذيذا أستزيد منه... مازالت أمي منكسرة بعدك، تبكيك في ركنها الذي لم يتغير... ومازال أبي يكتب لك في غفلة منا... ومازلنا نحن أشقاؤك نحاول تمتين حبل الود بيننا... طال غيابك يا شكري، ونحن لم نمل الانتظار... لعلك لم تمت حبيبي وأنت فقط تعد مفاجأة من مفاجآتك الجميلة التي تعرف أن وقعها سيحرك الوجدان... أبكيك شقيق القلب والروح وبين عبراتي أراك طفلي زهرة تتفتح في عيوني... أشتاق إليك شكري، لأحدثك عما استجد في حياتي كما أفعل كل يوم... أعرف أنك تنصت إلي وتؤنبني على أخطائي، ولكنك سرعان ما تغفر لي لتقول ضاحكا "لوين باش توصل بالاندفاع متاعك؟؟" بعدك تخليت عن اندفاعي وحل محله التردد والارتباك، فأنت نبض القلب الذي توقف وطهر الروح التي انطلقت بعيدا... بعيدا... تحلق في سمائك أنت وحدك لا شريك لك في بؤبؤ القلب...