كما كان متوقعا لم يصمد مجلس نواب الشعب كثيرا حتى عرف فوضى عارمة يوميا وإرباكا متواصلا في عمله بعد أن التحقت به عبير موسي فقد كانت القناعة منذ البداية بأن العمل البرلماني لن يكون سهلا مع قدوم هذه المرأة رغم أن الخصومات كان دوما موجودة داخل قبة البرلمان بين أحزاب الحكم وأحزاب المعارضة وهو خصام كان يقوم على قضايا جوهرية تهم البلاد ولكن هذه المرة فإن الصعوبة حاصلة بسبب تصرف كتلة حزب الدستوري الحر التي أعلنت رئيسته منذ الأيام الأولى لالتحاقها بأنها ستكون شوكة في حلق كامل منظومة الحكم التي تشكلت بعد الثورة وبأنها في حرب متواصلة مع حركة النهضة التي تسميها بالإخوان وكل المتحالفين معها والقابلين بها في المشهد السياسي. المهم أن البرلمان لم يعرف هدوءا يوما منذ أن أصبح حزب عبير موسي ضمن الفريق البرلماني ففي كل يوم مشكلة وفي كل يوم ارباك وتشويش جديدين وخصام وسب متبادل واتهامات من هنا وهناك وقد عشنا أحداثا كثيرة وصورا مختلفة من هذا الارباك الذي يحصل داخل المجلس بسبب المناوشات التي دوما ما تكون عنصرها الأساسي عبير موسي إلى درجة أن البعض قد اعتبر أن هذه المرأة قد أضحت مصدر إزعاج للكل بعد أن اختصمت مع الجميع وكلنا يتذكر معركتها مع جميلة الكسيكسي نائبة النهضة و سامية عبو عن التيار الديمقراطي ومناوشات أخرى مع رئيس المجلس ونائبيه سميرة الشواشي وطارق الفتيتي ولكن يبقى ما يحصل بينها وبين سيف الدين مخلوف أبرز المناوشات والمعارك التي يعرفها المجلس كل يوم وقد وصل الحد إلى منتهاه بعد أن قررت عبير موسي وكتلتها الاعتصام داخل مجلس نواب الشعب بسبب ما تعرضت له من العنف اللفظي والمادي من طرف النائب مخلوف عن كتلة ائتلاف الكرامة على حد قولها بسبب الخلاف حول صورة الرئيس بورقيبة . ان المشكلة اليوم أن هذا المشهد السياسي المقرف وهذا الوضع البرلماني غير المريح وهذه الحياة السياسية غير المشرفة والتي تزيد من كره الناس للسياسة والسياسيين وتقدم صورة سيئة جدا عن البرلمان لا يجد من يصلحها ولا تجد من يتولى تعديلها نحو الأفضل والمشكل الآخر أن ما يحصل داخل قبة مجلس نواب الشعب ويلقي بظلاله خارجه لا يجد العقل الرصين لمعالجته ولا يجد الجهة التي تتولى تسوية كل هذه الخلافات من أجل حياة سياسية ديمقراطية تعترف بالاختلاف وتقر المشترك وتحترم التباين وحياة سياسية من دون اقصاء ولا أحقاد ولا حروب قديمة ولا كراهية وإنما حياة سياسية تقوم على التنافس السياسي النزيه البناء من أجل الصالح العام ولفائدة مصلحة البلاد لا غير . المشكل أن عبير موسي تعلن دوما بأنها مستهدفة وبأن كل الأحزاب تحاصرها وبأن حزبها يتعرض الى مضايقات من كل جانب وبأنها مهددة في حياتها بعد أن ابلغتها وزارة الداخلية بوجود معطيات أمنية على وجود تهديدات جدية من جهات متعددة لاغتيالها ، في حين أنها لا ترى إلا نفسها في المرآة ولا تنظر إلا امامها ولا تلتفت إلى ورائها بمعنى أنها لم تسأل نفسها يوما لماذا علاقتها بكل الاطراف متوترة ؟ ولماذا هي دوما غير متجانسة مع الاحزاب السياسية ؟ ولماذا الجميع لا يقبل بها؟ ولماذا هي دوما في خلاف مع الجميع ؟ المشكل و بكل وضوح أن عبير موسي تمثل منظومة الحكم التي ثار عليها الشعب وهي تدافع عن الوضع الذي كان قبل 14 جانفي 2011 وهي غير قابلة بالثورة بل تعتبرها انقلابا مدبرا من الخارج وهي كثيرا ما تهين الثورة وتهين من قام بها وهي غير قابلة للتعايش مع كل الأحزاب التي تشكلت بعد الثورة لذلك كانت الأجندة السياسية التي تعمل على انجاحها هي افشال الثورة ومشروعها هو ترذيل العمل السياسي القائم والتنكر لكل ما تم انجازه من دستور وديمقراطية انتخابات وحرية متوفرة وفي كلمة عبير موسي لا تعترف بكل المنظومة التي تشكلت بعد الثورة وهي عازمة على إرجاع الوضع الذي كانت عليه البلاد في زمن الرئيس بن علي فهي تريد إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء إلى زمن ولى وانقضى وتريد استعادة المنظومة القديمة للحكم بكل مكوناتها لذلك فهي لم تقدر أن تخرج من بوتقة الصراع القديم مع الإسلاميين وهي لا زالت تعتبر حركة النهضة العدو الأول للدولة ولحزب التجمع الذي لم يعد له وجود. إن مشكلة عبير موسي اليوم أنها لم تستوعب بعد بأن الوضع قد تغير وأن البلاد لم تعد كما كانت في زمن بن علي وبأن حزب التجمع قد انتهى ولن يعود وبأن التاريخ يتقدم إلى الامام ولن يعود الى الوراء وأن التشبث بمعركة قديمة مع حركة النهضة هي معركة لا فائدة منها ولن نجدي نفعا ولن تفد البلاد إلا استعادة مرحلة الأحقاد والآلام والماسي وإدخال البلاد في احتراب أهلي الشعب في غنى عنه وهي فترة قد حسم فيها التونسيون بعد أن تصالح الجميع من أجل طي صفحة الماضي حتى لا تعاد الاحقاد ولا تعاد تجربة الاستبداد حيث تم المصالحة بين الجميع بما في ذلك بقايا حزب التجمع المنحل الذين لم تحاسبهم الثورة و كانت رحيمة معهم وتركتهم دون محاسبة ولا عقاب . المشكل أن عبير موسي ليس لها إلا هدف واحد وهو تعطيل ما تقوم به منظومة الحكم الحالية والتشويش على المشهد الحزبي الحالي وارباك الوضع السياسي الموجود رافعة شعار « لن تمروا " ولن اسمح لكم بالحكم في هدوء. المشكل أن عبير موسي تنسى أنها هي ضد الجميع قبل أن يكون الكل ضدها وعليها أن تتذكر بأنها هي بدورها تعادي الكل، وقد شنت عليهم حربا منذ اليوم الاول لدخولها البرلمان وعليها أن تفهم أنه قبل أن تشتكي مما تتعرض له عليها أن تتذكر تصرفاتها وما تقوم به من اتهامات واعتداءات لفظية واستفزازات وتجريح للجميع وطبيعي جدا أن من يتعرض للاستفزاز يقوم هو بدوره برد الفعل ويرد الاستفزاز باستفزاز آخر. تنسى عبير موسي أنها قد دخلت في حرب ضد الكل وعزمت على هزم الجميع وتنسى أن ممثلتها في مكتب مجلس البرلمان قد صرحت منذ أيام أنها جاءت مع حزبها إلى المجلس من أجل تسجيل النقاط بما يعني أن الحزب الدستوري الحر استراتيجياته في البرلمان هو الارباك والتشويش على العمل البرلماني وإدخال البلبلة في صفوفه حتى يظهر في مظهر المهتز والضعيف. إن الديمقراطية تحتاج الى المعارضة وتحتاج إلى صوت قوي و مختلف عن صوت الأغلبية وهي تحتاج إلى من ينتقد ويكون يقظا أمام كل السياسيات الخاطئة فهذا مطلوب وضروري ولكن أن يتحول عمل الحزب السياسي إلى تحقيق الارباك والتعطيل والتشويش من خلال الاستفزاز والشتم والعنف اللفظي من دون احترام لمن نختلف معه وفي ظل رفض العيش المشترك مع الخصوم السياسيين فهذا غير مقبول وغير مستساغ لذلك فإن تغيير النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب قد أصبح أكثر من المؤكد لمنع كل هذه السلوكيات التي تخلف المزيد من الاحتقان والشحن الايديولوجي وإن وضع مدونة سلوك يخضع لها الجميع بات أكثر من الضروري للانتهاء من حالة الفوضى والاستهتار التي عليها المشهد البرلماني وذلك كله من أجل تحسين صورة البرلمان الذي يبقى رغم كل الانتقادات الموجهة له الضامن الوحيد للديمقراطية ولتوازن السلط السياسية وخاصة مراقبة عمل وأداء الحكومة. إن المشكل أن عبير موسي وهي تشتكي من أن الجميع ضدها وبأن كل الأحزاب تستهدفها وتتربص بها عليها ان تتذكر أنها هي بدورها قد اعلنت الحرب على الجميع وبأنها ترفض العيش مع من تختلف معهم وغير قابلة بوجود مع من لا يتفق معها .. إن المشكل أنها لا ترى تونس مختلفة و تتسع للجميع إنها تقدم صورة لتونس لا يعيش فيها إلا من هو مع عبير موسي ومن في صفها ويشبهها وتلك هي معضلة عبير موسي الأساسية و ما لم تغير من سلوكها فإن هذا السلوك الصدامي سيبقى مصدر تهديد للبلاد ولتجربتها الديمقراطية.