"بعض الكتب حول كورونا لم تساوِ ثمن الحبر الذي كُتبت به! وعلى رأسها "جائحة كوفيد19 تهزّ العالم" للفيلسوف سلافوي جيجاك" يعيش العالم اليوم لحظة تاريخية حرجة مع انتشار فيروس كورونا، لحظة تضع حضارتنا الحديثة وما بعد الحديثة، امام أسئلة شائكة حول جدوى التقدم العلمي والتكنولوجي وحول انفجار الثقافة المعلوماتية وقيام زمن العولمة. أُطلقت قبل اعوام مقولات مثيرة مثل "نهاية التاريخ" و"موت الحداثة" وسواهما وأحدثت جدلاً ما زال مفتوحاً ولم يؤدّ إلى حال من اليقين، بل هو زاد من واقع الإضطراب الذي يشهده العصر الحادي والعشرون. ولعل حلول فيروس كورونا الخطير قلب النظريات التفاؤلية والأفكار اليوتوبية وأعلن مفهوماً آخر للتاريخ. الحروب والاوبئة والكوارث الجيولوجية اجتاحت الأرض والبشرية على مر العصور وحصدت ما لا يحصى من الضحايا. الآن في القرن الحادي والعشرين يجتاح الأرض والبشرية وباء رهيب فاجأ العلماء والمختبرات والمصانع النووية التي كان يظن البشر أنها أخطر ما يُحدق بهم. وحّد وباء كورونا العالم والقارات مؤكداً أن القرية الصغيرة التي قالت بها العولمة غير قادرة فعلاً على الصمود في وجه هذه الجائحة المرعبة. هذه القضية أثارتها "اندبندنت عربية" مع كتّاب وفكرين عرب، طالبة منهم أن يقدموا شهادات حول هذه اللحظة التاريخية الحرجة.. ولكن.. رغم أنّ المثقفين هم الفئة الأكثر ريادة على صعيد التنبؤ والتحذير من قرب نهاية العالم، عبر ما لا يعد ولا يحصى من الأعمال الأدبية، الواقعية والرمزية والخيالية، إلا أنّهم يكادون يجدون أنفسهم الآن على هامش ردود الأفعال تجاه (طاعون 2020) الذي يجتاح العالم على نحو سوريالي وفانتازي؛ إذ فيما يتصدّر مشهد التصدّي لوباء الكورونا الأطباء ثم العسكر ثم الاقتصادسياسيون، فإنّ سائر فئات المجتمع لاذت بمنازلها لأجل غير مسمّى، مدجّجة بالخوف من المجهول والموت جوعاً وتناقص القدرة على النوم جرّاء هذا السّيل المنهمر من الأخبار على مدار الثانية، والذي تتكفل بتدفقه وسائل التواصل الاجتماعي في المقام الأول. ورغم-أيضا- أنّ وسائل التواصل الاجتماعي قد عزلت المثقف العربي تدريجياً، عن الواقع اليومي منذ أعوام، ورغم أنّ هذا المثقف لم ينفك طوال هذه الأعوام عن التغني بالعزلة والشكوى من عدم تمكنه من الاختلاء بنفسه، إلا أنّ ردود أفعال معظم المثقفين الذين وجدوا أنفسهم مرغمين على التمتع بما حلموا به طويلاً، لا تشي بتصالحهم مع ما تمنّوه، بل إنّها تؤكد أنّ فردوس "الملاذ المتخم بكل ما لذ وطاب" يدفعهم للقيام والتفكير بكثير من الأشياء، سوى القراءة والكتابة، دون كتبٍ أو أوراق أو أقلام؛ لأن أزرار الهواتف غدت النوافذ التي يقرأ ويكتب عبرها الجميع..! أنا-كاتب هذه السطور-أثرت هذه القضية (كوفيد 19) مع كتّاب،مثقفين ومفكرين تونسيين، طالبا منهم-بلطف شديد نظرا لحساسية الموضوع- أن يقدموا شهادات حول هذه اللحظة التاريخية الحرجة. بعضهم استجاب،وبعظهم اعتذر بعضهم أمام فداحة الكارثة الراهنة. في هذه الأيام حيوية تكاد تكون متواصلة. أتتبّع الأخبار وأتبادل مع بعض الأصدقاء والمعارف رسائل وفيديوهات عن الفيروس والعدوى، يتم الحصول عليها من جهات مختلفة. معلومات مؤكدة وأخرى زائفة، كلها تهجم على الواتساب. وفيديوهات الفكاهة والتسلية تعبّر عن السمو في التعامل مع العزل ولزوم البيت والأمل في تجاوز المحنة. على هذا النحو، أتفرغ في هذه الأيام لما أكتب، كما أتفرغ للقراءة، قراءة الشعر والأدب والفكر ومصاحبة الفنون. حياتي اليومية في العزلة ثقافية، وفيها أترك الإحساس يقظاً بما يحدث،وأحتمي بالسؤال عن أسباب ما يحدث. أعلم أن خارج البيت مآسيَ في نواح مختلفة من الحياة العامة. هناك مأساة المرضى العاجزين عن الوصول إلى المستشفيات، مأساة الفقراء الذين أصبحوا من دون دخل، مأساة اللاجئين الذين يحملون أعباء الغربة والحرمان والموت، مأساة عمال وموظفين مسرّحين من العمل، مأساة مؤسسات صغرى تتعرّض لصدمات لا شك أنها ستؤدي إلى وقف نشاطها. وأفكر في العائلة وفي أقرباء أعرف أنهم يعيشون في أيامهم العادية وضعية صعبة. أفكر في الأصدقاء، أكاتب الواحد وأهاتف الآخر، حتى أطمئن. وفي كل وقت من اليوم، أعود لأحيّي هيئة الأطباء والممرضين وجميع الساهرين في العالم على المرضى.أفكر في هؤلاء وأولئك، وأتضامن. محمد معتوق (أصيل جهة تطاوين-مثقف وقيادي أسبق في منظمة المصائف والجولات) "لي في هذه الأيام حيوية تكاد تكون متواصلة. أتتبّع الأخبار وأتبادل مع بعض الأصدقاء والمعارف رسائل وفيديوهات عن الفيروس والعدوى، يتم الحصول عليها من جهات مختلفة. معلومات مؤكدة وأخرى زائفة، كلها تهجم على الواتساب. وفيديوهات الفكاهة والتسلية تعبّر عن السمو في التعامل مع العزل ولزوم البيت والأمل في تجاوز المحنة. على هذا النحو، أتفرغ في هذه الأيام لما أكتب، كما أتفرغ للقراءة، قراءة الشعر والأدب والفكر ومصاحبة الفنون. حياتي اليومية في العزلة ثقافية، وفيها أترك الإحساس يقظاً بما يحدث، وأحتمي بالسؤال عن أسباب ما يحدث. أعلم أن خارج البيت مآسيَ في نواح مختلفة من الحياة العامة. هناك مأساة المرضى العاجزين عن الوصول إلى المستشفيات، مأساة الفقراء الذين أصبحوا من دون دخل، مأساة اللاجئين الذين يحملون أعباء الغربة والحرمان والموت، مأساة عمال وموظفين مسرّحين من العمل، مأساة مؤسسات صغرى تتعرّض لصدمات لا شك أنها ستؤدي إلى وقف نشاطها. وأفكر في العائلة وفي أقرباء أعرف أنهم يعيشون في أيامهم العادية وضعية صعبة. أفكر في الأصدقاء، أكاتب الواحد وأهاتف الآخر، حتى أطمئن. وفي كل وقت من اليوم، أعود لأحيّي هيئة الأطباء والممرضين وجميع الساهرين في العالم على المرضى. أفكر في هؤلاء وأولئك، وأتضامن.." مفتاح شول:(ناشط في المجتمع المدني-من أنصار القضايا العادلة وعلى رأسها فلسطين وعاصمتها القدس الشريف) يحضرني هذا الخاطر وأنا أتأمل عجز الانسان أمام الطبيعة وكبرياء هذا الإنسان وغروره وهو ينتج أسلحة الدمار الشامل والأسلحة البيولوجية وغيرها، مدّعياً حماية نفسه من عدو هو إنسان آخر، فيما الطبيعة لا تزال تشكّل أكبر تحدٍّ له ولا يستطيع إزاءها شيئاً . مع ذلك، فإنني أؤمن بقدرات العلم والإنسان الخارقة حين يوجه هذه القدرات في الاتجاه الصحيح. وهكذا، فإن العلم أسهم ولا يزال في تطوير حياتنا وإسعادنا وهو ما سيصنعه من دون شك مع هذا الوباء الجديد، ولكن حتى يحدث ذلك، لن يسعفنا سوى خبرتنا الإنسانية التي أعتبرها جزءًا من تقدمنا العلمي والبشري وليست عالة عليه.." وأنا أختم: يحضرني هذا الخاطر وأنا أتأمل عجز الانسان أمام الطبيعة وكبرياء هذا الإنسان وغروره وهو ينتج أسلحة الدمار الشامل والأسلحة البيولوجية وغيرها، مدّعياً حماية نفسه من عدو هو إنسان آخر، فيما الطبيعة لا تزال تشكّل أكبر تحدٍّ له ولا يستطيع إزاءها شيئاً . مع ذلك، فإنني أؤمن بقدرات العلم والإنسان الخارقة حين يوجه هذه القدرات في الاتجاه الصحيح. وهكذا، فإن العلم أسهم ولا يزال في تطوير حياتنا وإسعادنا وهو ما سيصنعه من دون شك مع هذا الوباء الجديد، ولكن حتى يحدث ذلك، لن يسعفنا سوى خبرتنا الإنسانية التي أعتبرها جزءًا من تقدمنا العلمي والبشري وليست عالة عليه..