الكثير من أبناء الشعب التونسي من الذين انتخبوا قيس سعيد رئيسا للجمهورية وحتى من الذين لم يعطوه أصواتهم أصبحوا يتمنون أن يروه في صورة الرئيس المبتسم المنشرح الوجه بدل الوجه العبوس الذي يظهر به في كل ظهور له وهذا الانطباع ينعكس سلبا على الحالة النفسية للجميع التي هي بدورها متعبة ، منهكة ومأزومة جراء الأزمات والمشاكل التي تعاني منها البلاد منذ الثورة وهي صورة تزيد من الإحساس بأن كل شيء معطل ومعطب لا يتقدم.. فمنذ أن حل حاكما و سكن قرطاج وبدأ يظهر في الإعلام لم يسمع منه الشعب خطابا أو حديثا مطمئنا يرفع المعنويات ويقدم الأمل وإنما على العكس كان حديثه في مختلف المناسبات التي ظهر فيها خطابا يصفه المختصون في علم التواصل بأن مصطلحاته حربية المعجم فهو منذ الأيام الأولى لرئاسته قد فتح النار على الأحزاب السياسية وعلى النظام السياسي وعلى السلطة التشريعية برلمان الشعب ما يوحي بأن رئيس الجمهورية له معركة مع منظومة الثورة وجاء لتصفية هذه الحرب معها فكل ما يحصل ويدور في علاقة الرئيس ببقية المؤسسات يوحي بأن قيس سعيد يخوض منذ حلوله بقصر قرطاج حربا بدأت توضح معالمها و خلفياتها وهي تغيير كل الفكر السياسي الذي اتفقنا عليه ونطبقه والذي نعتبره كما يعتبره غيرنا أرقى ما وصل إليه العقل البشري في حاضره لتنظيم الحياة السياسية داخل المجتمع وفض النزاعات بين الأفراد حتى لا تتحول إلى احتراب واقتتال من خلال الآليات الديمقراطية التي لا يعترف بها رئيس الجمهورية ويرفضها… وآخر خطاب من هذا القبيل والذي تعودنا عليه من قيس سعيد ما قاله بمناسبة أداء أعضاء حكومة المشيشي اليمين الدستورية حيث وعلى خلاف ما درجت عليه الأعراف والبرتوكولات في مثل هذه المناسبات التي كان من المفروض فيها أن يفتتح الرئيس اللقاء بكلمة مقتضبة يحيي فيها الحضور ويتمنى للوزراء الجدد التوفيق ويدفعهم نحو العمل وتحقيق طموحات الشعب ثم يفسح المجال لأداء اليمين الدستورية لينتهي اللقاء بمشهد متفائل فإن الرئيس قد خالف هذا التقليد حيث استغل المناسبة ليتوجه كعادته إلى الشعب بخطاب لا يعكس الحال… فيه كم كبير من الاتهامات بالتخوين والغدر والعمالة إلى قوى صهيونية وجهات استعمارية لا يسميها وتوعدهم بالمحاسبة ومتابعة الجناة من دون أن يحدد من هو المقصود بكل هذه الاتهامات ليسقط فيما يعرف في علم الجريمة " بالجريمة مجهولة الفاعل " والتي تبقى لسنوات طويلة دون التوصل إلى معرفة فاعلها الأمر الذي جعل الاتفاق يحصل بين المختصين في علم التواصل وعلم تحليل الخطاب على أن خطاب رئيس الجمهورية كان غير موفق وخارجا عن سياق المناسبة التي قيل فيها ما يعطي الانطباع بأن رئيس الجمهورية لا يعيش اللحظة الراهنة و هي لحظة أداء اليمين الدستورية لحكومة منتخبة. فما قاله رئيس الجهورية هو فضلا عن كونه قد خرق به الأعراف والبروتوكولات السياسية وتحول من مناسبة لأداء يمين دستورية إلى مناسبة لتوجيه اتهامات بالتخوين والارتماء في أحضان الصهيونية والاستعمار …ربما انتظر الشعب أن يتعالى الرئيس عن كل التجاذبات السياسية ويكون فوق الجميع غير أنه وجه رسالة وزاد من إحساس الناس من أن الجميع يخوضون حربا ضد عدو مجهول طالما وأن الرئيس في كل مرة لا يسمي المقصود باتهاماته وحصل لهم شعور آخر بأن من يحكموننا غير متفقين وهم في معركة متواصلة لا تعنيهم ولا تفيدهم ولا تقدم لهم شيئا يخفف عنهم ما يعانونه من صعوبات العيش. إن الخوف الذي نشعر به وينتابنا في ما لحظناه من مواصلة الرئيس قيس سعيد في كل ظهور إعلامي له وفي كل خطاب توجه به إلى الشعب أعلن فيه الحرب على منظومة الثورة وفتح فيه النار على الأحزاب السياسية وعلى السلطة التشريعية وعلى الفكر السياسي القائم وبعث برسائل سلبية إلى عموم الناس من أن نعيش مع قيس سعيد نفس ما عاشته روما القديمة مع الامبراطور " نيرون " ابن أخ الإمبراطور " كاليغولا " حينما شب بها حريق هائل دمر تقريبا كل شيء في حين كان هذا الامبراطور نيرون منشغلا بنزواته يغني ويعزف في إشارة إلى أن الرئيس قيس سعيد بما يقوم به اليوم من خوض حرب تخصه وينتشي بمعركة سياسية في غير وقتها فإن البلاد تغرق تنهار ماليا واقتصاديا واجتماعيا من دون أن يلتفت إلى هذه النهاية ويواصل في فتح جبهات قتال مختلفة ومعارك لا تجنب البلاد الاحتراق كما فعل نيرون مع مدينة روما القديمة حينما انشغل عنها بتهوره وأحلامه الواهمة وتركها تحترق بالكامل سنة 64 للميلاد…