صحيح أن في السجن لوعة وحرمانا ويبقى السجن قيدا وأغلالا ولا شك أنه لا يعيش هم المسجون إلا من يحبه وخاصة أمه وزوجته وربما البعض من أصحابه والسجين يعاني من الفراغ القاتل والوساوس والضيقة والهموم التي تهجم عند الغروب وتعشش في الزنزانة فلا تفارقه إلا صباحا ويقضي السجين يومه في قتل وقته والخلاص من الفراغ القاتل إما بالقراءة أو التفكير أو التسلية.. لكن عندما تدرك الدولة أن السجين ليس إلا مواطنا تونسيا يتمتع بكل حقوقه إلا المدني في إطار العقوبة التي سيقضيها داخل السجن، وقتها يشعر السجين بالأمان والإطمئنان وراحة البال وتتقلص همومه ومشاغله ويتنفس طعم الحرية حتى وهو داخل السجن خاصة في المناسبات الدينية والأعياد الرسمية التي يشعر فيها السجين أكثر بالغربة والحرمان وفقدان والبعد عن الأهل والأقارب أجواء العائلة. وفي هذا الإطار قامت الإدارة العامة للسجون والإصلاح هذه السنة وبمناسبة الشهر الكريم رمضان المعظم ببادرة مميزة وهي جديرة بالتنويه وذلك من خلال تنظيم مأدبة إفطار جماعي لفائدة عائلات المساجين من أجل التخفيف عنهم وطأة الآلام والحرمان ومن أجل فك وحدة السجين وإخراجه من عالمه الضيق وتمكينه من فرصة التواصل مع العالم الخارجي بالخصوص أفراد عائلته وأقاربه حيث كانت بادرة طيبة استحسنها عامة الشعب التونسي بالاخص عائلات المساجين الذين رأينا الفرحة بادية على وجوههم وهم يصافحون أبنائهم ويلتقون معهم على طاولات الإفطار في سجن برج الرومي ببنزرت الذي استقبل مساء يوم الثلاثاء الماضي عائلات 24 سجينا حسب تأكيد العميد مكرم عمار مدير السجن الذي قال: ان البادرة جاءت من طرف المدير العام للسجون والإصلاح الذي عبر على تطوير المبادرات السابقة عندما كانت تنظم موائد الإفطار الجماعي بين إدارة السجن والنزلاء حيث قال لما لا نستدعي عائلات المساجين ونمنحهم فرصة الالتقاء بابنائهم وتناول طعام الإفطار معهم وسط أجواء رمضانية بحتة في اطار تمتين الغلاقات الأسرية والحوار بين الأسرة والسجين وقال البداية انطلقت من سجون القصرين والمهدية وباجة واليوم كان الدور على سجن برج الرومي ببنزرت وفي صورة نجاحها قد نعيدها في منتصف رمضان حسب الإمكانات المتوفرة، مضيفا ان الاختيار صار حسب طاقة استيعاب القاعة كذلك على أساس حسن السلوك والسيرة داخل السجن . وقد عبر أفراد عائلات المساجين الذين تحدثنا معهم عن سعادتهم بتنظيم هذا اللقاء مع أبناءهم حيث هناك من لم يجلس مع ابنه أو شقيقه أو زوجه أو أخيه لأكثر من 10 سنوات على مائدة الإفطار أو حتى لم يلمسه ولم يتعانق معه منذ دخوله السجن فكانت الفرصة متاحة لهم في هذه المناسبة حيث امتزت الفرحة بالدموع لكن أجواء السهرة التي اثثها الفنان الكوميدي ومحبوب العائلات جعفر القاسمي إلى جانب إبداعات البعض من المساجين في الغناء والرقص أنست الجميع هموم الغربة والفراق يذكر أن اللقاء على طاولة الإفطار كان أيضا بحضور الإعلاميين وعدد من نواب الشعب على جهة بنزرت كالسادة علي بالاخوة وسمير ديلو وبشير اللزام ولمياء الدريدي إلى جانب حضور العديد من الإطارات السجنية في مقدمتهم المدير العام للسجون والإصلاح.