في أوائل الستينات كنت معلما في مدينة بالشمال. في أمسية كنت جالسا في المقهى على الرصيف مع بعض أهالي المدينة. تقدمت منا امرأة تمدّ يدها وتتوسل وتستعطي وتستجدي. نهرها واحد من أهالي المدينة، وقال لها: تركت أرضك للضياع عوض حرثها وزرعها واستخراج الخيرات منها ومددت يدك بكل مذلّة للتسوّل، اذهبي من هنا. وذهبت المرأة وهي تتمتم.. هذا المشهد ألا يصدق في حق تونس اليوم؟ ألا يصدق على السلطة التونسية اليوم؟ تونس بأصحاب السلطة فيها ترحّب بالرئيس الفرنسي. تونس بأصحاب السلطة فيها وقادة الاقتصاد فيها تمدّ يدها الى الرئيس الفرنسي طالبة منه العون والمساعدة عن طريق القرض أو الهبة ومال تونس ضائع، وثروة تونس ضائعة. في اليوم الذي حلّ فيه بتونس الرئيس الفرنسي أصيب الحوض المنجمي بالشلل التام، والحوض المنجمي ثروة كبرى، ثروة عمل، وثروة عمّال، وثروة انتاج،وثروة عملة صعبة. فماذا فعلت السلطة التونسية التي وكّلها الشعب التونسي لقيادته؟ هل حافظت بالعزم والحزم وقوّة سيف القانون على هذه الثروة أم استسلمت بكل ضعف الى الذين شلّوا حركة الحوض المنجمي واستسلموا لهم ومدّوا أيديهم الى الغرباء يستجدونهم؟ ألم تضع ثرواتنا في الاضرابات والاحتجاجات وطلب الزيادة في الأجر دون الزيادة في الانتاج؟ أليس هذا من أكبر العار الذي لا ينساه التاريخ والذي على الشعب أن يحاسب السلطة عليه وأن يحاسب نفسه عليه أيضا؟ أسأل وأحب أن أفهم.