عاجل/ شبهات تلاعب بالتوجيه الجامعي..تطورات جديدة..    عاجل/ خبير بيئي يفجرها ويكشف: مصب برج شكير كارثة..وعمره الافتراضي انتهى..!    ديوان التونسيين بالخارج ينظم الخميس 7 اوت الندوة الاقليمية الثالثة لاصيلي ولايات ولايات القصرين و سليانة القيروان و سوسة والمنستير و المهدية    وزارة الأسرة تؤمن مواكبة 1200 من الأطفال فاقدي السند ومكفولي الوزارة للعرض التّرفيهي La Sur la route enchantée    الحماية المدنية: إطفاء 105 حريقا خلال ال24 ساعة الماضية    طلاب روس يبتكرون عطرا فريدا بمساعدة الذكاء الاصطناعي    صيف 2025 السياحي: موسم دون التوقعات رغم الآمال الكبيرة    عاجل/ تحذير من مياه الشرب المعلبة عشوائيا..    خطير/ حجز 7 آلاف رأس خروف في محل عشوائي..وهذه التفاصيل..    استشهاد 56 فلسطينيا برصاص الاحتلال خلال بحثهم عن الغذاء    عاجل/ ارتفاع ضحايا التجويع في قطاع غزة إلى 180 شهيدا..    7 قتلى خلال أعمال شغب في سجن بالمكسيك    وفاة الممثلة الأمريكية 'لوني أندرسون' بعد صراع مع المرض    الألعاب الأفريقية المدرسية: تونس في المرتبة الثالثة ب141 ميدالية    إنتقالات: الناخب الوطني السابق يخوض تجربة إحترافية جديدة    النادي الإفريقي: اليوم العودة إلى التحضيرات .. إستعدادا لأولى الجديات    طقس اليوم.. انخفاض طفيف في درجات الحرارة    عاجل/ الحماية المدنية تحذر من السباحة اليوم..    بنزرت: وفاة 4 أشخاص غرقا في يوم واحد    "روبين بينيت" على ركح مهرجان الحمامات الدولي: موسيقى تتجاوز حدود الجغرافيا وتعانق الحرية    وزارة الأسرة تؤمن مواكبة 1200 طفل من فاقدي السند ومكفولي الوزارة عرض La Sur la route enchantée ضمن الدورة 59 لمهرجان قرطاج الدولي    إصابة عضلية تبعد ميسي عن الملاعب ومدة غيابه غير محددة    تأجيل محاكمة طفل يدرس بالمعهد النموذجي بعد استقطابه من تنظيم إرهابي عبر مواقع التواصل    عبد السلام ضيف الله: أحمد الجوادي بطل ما لقاش بش يخلّص نزل اقامته بسغافورة    فيديو -حسام بن عزوز :''الموسم السياحي يسير في الطريق الصحيح و هناك ارتفاع إيجابي في الأرقام ''    البحر ما يرحمش: أغلب الغرقى الصيف هذا ماتوا في شواطئ خطيرة وغير محروسة    خزندار: القبض على عنصر إجرامي خطير متورط في عمليات سطو وسرقة    جريمة مروعة: امرأة تنهي حياة زوجها طعنا بالسكين..!!    عاجل: مناظرة جديدة لانتداب جنود متطوعين بجيش البحر... التفاصيل والتواريخ!    قرارات عاجلة لمجابهة انقطاعات مياه الشرب بهذه الولاية..    عاجل: الكاف يرفع جوائز الشان ل10 ملايين دولار وفما فرصة للتوانسة!    جريمة مروعة تهز دمشق: مقتل فنانة مشهورة داخل منزلها الراقي    تحذير طبي هام: 3 عناصر سامة في بيت نومك تهدد صحتك!    ترامب: الغواصتان النوويتان اللتان أمرت بنشرهما تتموضعان في "المكان المناسب"    عاجل/ مقتل فنانة خنقا في عملية سطو على منزلها…    الصولد الصيفي يبدا نهار 7: فرصة للشراء ومشاكل في التطبيق!    وزير السياحة يعاين جهود دعم النظافة بجزيرة جربة ويتفقد موقعا مبرمجا لاقامة مدينة سياحية ببن قردان    عاجل: تسقيف أسعار البطاطا والسمك يدخل حيّز التنفيذ    عرض "خمسون عاما من الحب" للفنانة الفرنسية "شانتال غويا" في مهرجان قرطاج الدولي    نشطاء إسرائيليون يعرقلون دخول المساعدات إلى غزة    من بينها السبانخ.. 5 أطعمة قد تغنيك عن الفيتامينات..تعرف عليها..    القناوية... فوائد مذهلة في ثمرة بسيطة... اكتشفها    مهرجان الفنون الشعبية بأوذنة: الفنان وليد التونسي يعود للركح ويستعيد دفء جمهوره    اعلام من باجة...سيدي بوسعيد الباجي    تاريخ الخيانات السياسية (35): المنتصر يقتل والده المتوكّل    يحدث في منظومة الربيع الصهيو أمريكي    مصب «الرحمة» المراقب بمنزل بوزلفة .. 130 عاملا يحتجون وهذه مطالبهم    أيام قرطاج السينمائية تكرّم الراحل زياد الرّحباني في دورتها المقبلة    العهد مع جمهور الحمامات ...صابر الرباعي... يصنع الحدث    واقعة قبلة الساحل تنتهي بودّ: اتصال هاتفي يُنهي الخلاف بين راغب علامة والنقابة    منظمة الصحة العالمية تدعو إلى إدماج الرضاعة الطبيعية ضمن الاستراتيجيات الصحية الوطنية وإلى حظر بدائل حليب الأم    لماذا يجب أن ننتبه لكمية السكر في طعامنا اليومي؟    المنتخب المغربي للاعبين المحليين يفتتح "الشان" بالفوز على أنغولا    هكذا سيكون الطقس هذه الليلة    عاجل : أحمد الجوادى يتألّق في سنغافورة: ذهبية ثانية في بطولة العالم للسباحة!    اعادة انتخاب عارف بلخيرية رئيسا جديدا للجامعة التونسية للرقبي للمدة النيابية 2025-2028    ما ثماش كسوف اليوم : تفاصيل تكشفها الناسا متفوتهاش !    شائعات ''الكسوف الكلي'' اليوم.. الحقيقة اللي لازم تعرفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عزالدين جلاوجي: طبيب للمجتمع
نشر في الصريح يوم 24 - 04 - 2018

عندما يتقدم الطبيب لفحص مريض ما فهو يحاول بحكم اختصاصه الاقتصار على بعض الأعضاء... ولكنّه سوف يمتدّ بالسؤال وبالتنقيب وبالتصوير وبالتحليل إلى باقي الأعضاء والوظائف والأخذ بعين الاعتبار أن هذا العضو المريض ينتمي لإنسان ما.. هذا الإنسان الذي يئنّ في لغة ما... وهو يعيش في محيط ما.. وقد يكون المحيط مؤثّرا في هذا الجسد ككلّ..
لكن على الرغم من كل ما يقال عامة، فإنّني لم أتصوّر البتة كيف يمكن لمجتمع أن يمرض ببعض الأمراض المعدية وأخرى مزمنة وغيرها خطيرة تشبه السرطان بل هي سرطانات بنقيلاتها. ولكني اليوم وما إن سمعت واستمعت إلى هذا المبدع الجزائريّ المغاربيّ حين حلوله بمدينة صفاقس، حتى فهمت كم هو بليغ وعظيم دور الكاتب ودور المفكّر وذلك على مستويات عديدة. فما بالك حين يكون الكاتب مفكّرا... حاملا وزر رسالة حضارية، رسالة أمة بأسرها..
من هذه الزاوية نظرت إلى عزالدين جلاوجي.
ولن أدخل في عالم كتاباته المتعددّة بألوانها القزحية في قوسها، من مسرح ورواية وسرد ومسرد كما يحلو له أن يقول ويذكر، لكنني سوف أحاول الولوج إلى عالمه الذاتي والفكري من حيث التقيته طبيبا. وأيّ طبيب! هو طبيب للمجتمع.
وكم نحن بحاجة لهذا الطبيب في الزمن الربيعي المزعوم الملغوم.
كم نحن بحاجة لفكر يأسرنا ويحرّرنا.
كم نحن بحاجة لعزالدين جلاوجي.
أذكر أنني كنت قرأت له رواية من كثير مما كتب. وأذكر أنني تصورت الكاتب من ذوي القدرات الفائقة على تشريح المجتمع بتشريح أفراده فكريا وثقافيا وذاتيا.. وهو يملكها وزيادة... وحين التقيته علمت علم اليقين بأنّ الرجل هذا يحمل أكثر من رسالة في كتاباته.. لأنّه ينطلق من مخزون ثريّ جدا. وعن هذا المخزون لا بدّ لنا من تسليط بعض الضوء.
أولا: لعلّ هذا الرجل ينطلق أو هو حامل لصنف من الجينات والصبغيات بما في حمضها النووي من خصوصيات، نادرا ما تتشكّل بهذا التفوّق في رجل واحد. وأنا أعي تماما ما أقول. فلعلّه ولد ذات يوم بأرض الجزائر الشقيقة وبيده قلم وبالأخرى فرشاة... فقام بتلوين الجدران ليلا وتزويقها بأبهى حللها... وقام بالكتابة حتى قبل أن يقرأ شيئا... لكن كيف يحصل ذلك؟ كيف تمّ ذلك بستيف؟
الجواب بسيط.. هذه الجينات حملت القراءة والكتابة أصلا من أب وجدّ كانا رافدين أساسيين. وقد دفعا بكلّ الجواهر الثمينة صلب جيناته. دفعة واحدة.
ثانيا: في هذا الرجل المراهق الطفل اجتمعت صفات المواطن المحبّ لوطنه بلا منازع، والرجل الحداثيّ المكبّل أصالة منقطعة النظير... كم هو يحبّ الجزائر؟ كم هو يحبّ تونس؟ كم هو يحب المغرب وموريطانيا وليبيا والوطن العربي ككلّ؟ أنا يمكنني بحقّ أن أقدّر هذا العشق لأننّي توأمه بحقّ في هذا الموضوع... وأكتفي بهذه النقطة في التوأمة لأنّه لا يمكنني أن أقارن ما أن أصوغ من كلمات، بما هو يبدع في رواياته ومسرحياته وغيرها من الكتابات.
ثالثا: هذا الرجل يصوغ مصطلحات بقدرة عجيبة فكأنّك أمام مخبر للغات أو داخل مجمع من مجامع اللغة العربية. إذا قرأت له، ويقيني أننا إمّا أن نكون قد قرأنا له أو أننا سوف نقرأ له حتما، فإنّ جوارحك والشغاف وباقي الجسد وصولا إلى عميق الروح فيك، سوف تُعطّر لا محالة رذاذا ثم قطرا ثم سيلا من كلمات معبّرة تخالها حبات عقد من جوهر... تنسكب الجمل شاعرية وهو الذي يقول إنّه لا يكتب الشعر... بل ويكتبه ويتملّص من كل شعر نثري... فإمّا أن يكون الشعر شعرا بقواعده وبحوره أو أن يكتب رواياته ومسرحياته دون ملل.
رابعا: ما نسعد به حقا حين قراءتنا لما يكتب، هو أنّك لن تغادر صفحة إلاّ وقد أثريت نفسك بجمال موقف أو بمعلومة تاريخية أو غير ذلك... لن تغادر الصفحة فارغ اليدين؛ لكن المهمّ أنّك تلقى فيه روحا وتلقى في المؤلّف مفكّرا يزرع أفكاره ويزرع حداثته وتنويره مع كلّ فقرة. ولهذا قلت إنّ هذا الرجل الاستثنائيّ يأبى المسالك السهلة والمضمونة النتائج فلا يفرض على نفسه التواجد في كلّ معرض كتاب ولا تراه يكتب للجوائز.. وهو أهل لها.. هذا المبدع يعالج مجتمعه بالقدر الذي يعالج الطبيب مريضه.
وحين نبحر في عالم عزالدين جلاوجي، فإنّنا للوهلة الأولى نتذوّق أدبا وحلما جميلا واضطرابا يحدونا لما قد يلحق ببعض من يعيش أو يموت داخل روايته... كلّ ذلك بأسلوب شيّق عذب... لكنّ الأمر يتجاوز كلّ ذلك سريعا فتلاحقك رسالته الإنسانية لحبّه التلقائيّ ورفضه كل استعمار واستحمار وقهر للغة العربية ومن يحبّها في أرضها.. بل إنّك لا يمكنك إلاّ أن تبارك انغراسه في المجتمع، مجتمعه، فرسالته الحضارية... ينادي بأعلى صوته الواضح والطليق وبضمير وقّاد إلى أدب مغاربي ينافس الأدب المشرقي ويتضامن معه في الإقلاع عن كلّ ما هو حولنا يسيء، وما به نصّعّد إلى ما وراء العرش.
شكرا لمن أعلنت ذات يوم في رسالة فيسبوكية بسيطة: هذا الرجل يستحقّ أن نتابعه، أن نلاحقه، وأن نقتفي وراء كلّ ما يكتب.
هو أهل لأكثر من هذه الكلمات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.