لم أكن يوما صاحب طبع متشاءم ... وأتجنب قدر المستطاع أن أكون كذلك.. ولكن وللأسف فأنا غير متفائل بالمرة بمصير الحوار الوطني. وهناك أسباب عديدة تجعلني كذلك .. من استمع مثلي إلى تصريحات بعض قيادات الأحزاب السياسية عشية انطلاق الحوار الوطني، وحتى بعد ذلك حول مسائل لا تتعلق مباشرة بالحوار الوطني أحيانا ، يتساءل كيف سيجلس هؤلاء إلى نفس الطاولة وهم الذين تبادلوا قبل ساعات كل هذه الشتائم، وكالوا لبعضهم البعض كل تلك الاتهامات ؟ وهل يمكن لهم أن يتوافقوا حول شيء ما، والحال أننا لا نسمعهم يتحدثون منذ أشهر طويلة إلا عن خلافاتهم ؟ هذا فضلا عن ارتفاع منسوب التضليل والتجريح والتشهير وشيطنة الخصوم على صفحات أتباع وأنصار الأحزاب السياسية على المواقع الاجتماعية ، بشكل مرعب ومفزع. خروج بلادنا من أزمتها الراهنة يتطلب أكثر من توقيع أغلب القوى السياسية الفاعلة على خارطة طريق الرباعي الراعي للحوار. ومن هو غير راض عن هذه الخارطة أو عن بعض ما جاء فيها سيجد أكثر من حجة وخاصة أكثر من طريقة لتعطيلها، وللتنصل من توقيعه... النوايا لا تزال غير صافية تماما.. فخلف كل نقطة وكل فاصل في خارطة طريق الرباعي الراعي للحوار يرى البعض أن هناك مؤامرة يحيكها الطرف المقابل للإيقاع به... وعلى الهامش يعمل من لم يجدوا لهم دورا في هذا الحوار بكل قواهم على إشعال فتيل الخلافات، والدفع نحو الطرق المسدودة لأن توافق القوى السياسية الكبرى لا يخدم مصالحهم الضيقة، ويرجعهم إلى حجمهم الحقيقي.
الخروج من الأزمة السياسية الراهنة يتطلب شيء من الثقة وحسن النية واستعدادات حقيقية من كل الأطراف للتنازل.. وللأسف لم نر إلى حد الآن أي مؤشرات على ذلك .. بل إننا رأينا العكس أحيانا. وهو ما تجلى في تأخر انطلاق جلسة افتتاح مؤتمر الحوار الوطني نحو ثلاث ساعات، وسط أجواء مشحونة ومتوترة خيمت على الأروقة القريبة من القاعات الشرفية لقصر المؤتمرات حيث كثر الرواح والمجيء، وتكثفت مشاورات الربع ساعة الأخير، وتوقع البعض أن هذا الحوار الوطني سيفشل قبل أن يولد. المزعج حقا في كل هذا أننا لم نلمس خشية وخوفا كبيرين من مغبة فشل هذه المشاورات العسيرة والصعبة ومن عدم انطلاق الحوار أصلا - عدا بعض الاستثناءات- وقد بدا أحيانا لكل من كان قريبا من الأجواء التي سبقت جلسة افتتاح مؤتمر الحوار الوطني أن البعض لم يكن يهمه فشل هذا الحوار وعدم انطلاقه أصلا، بقدر ما كان منشغلا بألا يسجل هذا الفشل عليه هو بالذات.. و أن لا يظهر على أنه هو المسؤول عن هذا المصير .. فقد كان الرهان الأكبر بالنسبة للبعض هو أن لا يقال أنهم كانوا سببا في تعطيل هذا الحوار.. ويبدو أن هذه العقلية ستتواصل خلال جلسات الحوار التي انطلقت أمس. قد يكون لعملية توقيع الأحزاب على خارطة طريق الرباعي تأثير إيجابي على معنويات عموم التونسيين العاديين الذين ملّوا التجاذبات السياسية وخصومات السياسيين وخلافاتهم التي لا تنتهي، والذين ينتظرون أن تخرج البلاد من أزمتها، ويتطلعون إلى وضع طبيعي يسترد فيه الاقتصاد أنفاسه، وتتوضح فيه الرؤية أمام الجميع. ولكن وللأسف يبدو أن إمضاء الأحزاب على هذه الوثيقة لن يكون له أي تأثير على المواقف المعلنة لهذه الأحزاب قبل عملية التوقيع هذه. لا أحد اليوم بإمكانه أن يراهن على تجاوز هذه المصاعب بالاعتماد على تقارب في وجهات نظر القوى السياسية التي ستتحاور. لأن سجل علاقات الأحزاب بعضها ببعض وسوابقها لا يشجعان على ذلك. بل إننا نسجل في كل يوم المزيد من التصدع والتباعد بينها.. لذلك فإن هذا الحوار سيكون صعبا ومضنيا وعسيرا، وأجد صعوبة كبرى في توقع إمكانية نجاحه. في حين ينتظر غيري معجزة .. .آمل أن أكون مخطئا...