بقلم: مصطفى قوبعة إن كتب لحكومة السيد مهدي جمعة المؤقتة الثالثة أن تتشكل وأن تتسلم المشعل عن الحكومة الحالية فإنه لا يسعنا إلاّ أن نتمنّى لها كامل التوفيق والنجاح مثلما تمنينا للحوار الوطني النجاح ليؤول في مشاورات المسار الحكومي الى ما آل اليه من ارتباك ومن فشل، لقد تمنينا للحوار الوطني النجاح ولم نتمنّ له الفشل ولكن توقعنا فشل المسار الحكومي لأسباب يعلمها السيد حسين العباسي قبل غيره من الأطراف المشاركة في فعاليات الحوار الوطني ومن المحللين السياسيين. لقد كان في مقدور السيد حسين العباسي أن يقتصر في ندوته الصحفية ليلة السبت الماضي على اعلان اسم السيد مهدي جمعة رئيسا للحكومة القادمة دون البحث عن تبريرات غير مقنعة لهذا الاختيار. وبصرف النظر عن كل ما يعاب على السيد مهدي جمعة من وجهة نظر طيف واسع من الطبقة السياسية كصفته وزيرا في الحكومة الحالية وكنشاطه السابق في صفوف الاتحاد العام التونسي للطلبة الجناح الطلابي لحركة «النهضة»، فإن تقديمه الى الرأي العام الوطني كشخصية توافقية هو أمر مجانب للحقيقة طالما أن أغلبية الأحزاب الحاضرة في آخر جلسة موسعة للأطراف المشاركة في الحوار رفضت ترشيحه ب 11 صوتا مقابل 9 أصوات، بحساب 9 أحزاب امتنعت عن المشاركة في التصويت وحزبين صوتا ضدّ. إن من حق السيد حسين العباسي ان يدافع الى آخر لحظة عن آلية الحوار الوطني وعن مبادرة الرباعي الراعي للحوار وأن يستشهد بنتائج استطلاعات الرأي التي تؤكد بما لا يدعو للشك أن الشارع التونسي متمسك بالحوار الوطني وبأنه على ثقة بأن نتيجة الحوار ستكون في مستوى آماله وانتظاراته ولكن نسبة 76٪ التي ذكّر بها السيد حسين العباسي لا تعني بالضرورة أنها ستكون راضية في النهاية عن اختيار السيد مهدي جمعة، فنفس استطلاعات الرأي تضع كذلك حزب «نداء تونس» في مقدمة الأحزاب السياسية الأكثر شعبية وهو الحزب الذي رفض تكليف هذا الأخير برئاسة الحكومة، فكيف يرى السيد حسين العباسي الوضع مستقبلا إذا اجتمع الثقل السياسي المفترض لحركة «نداء تونس» بالثقل الشعبي لأطراف المعارضة الرافضة للسيد مهدي جمعة وفي مقدمتها «الجبهة الشعبية»؟. وعوض الدخول في متاهات الاستشهاد بنتائج استطلاعات الرأي كان من الأفضل على السيد حسين العباسي تقديم السيد كنتاج لسياسة الأمر الواقع لا غير، دون البحث عن وضع هذا الاختيار في سياق توافق وطني هو غير حاصل في الحقيقة، ولكن يظهر أن السيد حسين العباسي وشركاءه في رعاية الحوار الوطني سعوا بدرجة أولى إلى: 1 وضع حد نهائي لمشاورات المسار الحكومي والحسم فيه مهما كانت النتيجة بعد أن طالت المشاورات أكثر من اللازم وكادت أن تهرأ مبادرة الرباعي بالكامل. 2 قطع الطريق نهائيا أمام رئيس الجمهورية المؤقت وأمام حزبه (المؤتمر من أجل الجمهورية) للركوب على فشل محتمل لمشاورات المسار الحكومي. 3 تحميل الحكومة القادمة مسؤولياتها في معالجة ما يتعين عليها معالجته دون التغطية عليها أو التستر على ارتباكاتها المحتملة حسب ما يفهم من كلام الأمين العام لاتحاد الشغل. 4 تعويل الرباعي على ما تتمتع به أطراف المعارضة من قدر عال من المسؤولية عموما ومن احترام لاتحاد الشغل خصوصا للتخفيف من تداعيات تكليف السيد مهدي جمعة. 5 التفرغ بشكل كامل للمسارين الدستوري والانتخابي وهما المساران الأكثر إلحاحا اللذين يتعين استكمالهما في أقرب الآجال الممكنة والكفيلان بتوضيح الرؤية للمرحلة القادمة، على قناعة أن أية حكوتمة قادمة مهما كانت الشخصية التي سترأسها ستكون غير قادرة على اخراج البلاد من عنق الزجاجة الى حين اجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة. ولئن تبدو أولويات الرباعي الراعي للحوار الوطني على قدر مقبول من الوجاهة فإن السيد حسين العباسي لم يتوفق في تمرير هذه المضامين بشكل واضح ومطمئن ومقنع فتستر على الكثير مما كان يتعين عليه البوح به. ولكن في المحصلة فإن نهايات مشاورات المسار الحكومي لا تخلو من ايجابيات وأهمها: أن ما بحث عنه الشريكان في الحكم «النهضة» وحزب «التكتل» من خروج آمن من الحكم دون التفريط فيه قد تحقق، وبالتالي انكشفت اللعبة على آخر فصولها امام الجميع. أن نتيجة المسار الحكومي أبقت المعارضة في صف المعارضة وأعادت اليها تماسكها في اللحظات الأخيرة، وحالت دون أن تكون هذه المعارضة شريكا في فشل مؤكد للحكومة الجديدة. أن هذه النتيجة وفرت الفرصة المناسبة لأطراف المعارضة لأن تعود الى مكانها الطبيعي في الشارع وفي تعبئة الحراك الشعبي وقيادته. أنها عمقت من عزلة الأحزاب السياسية التي قاطعت الحوار وتمنت له الفشل.