يبدو ان الاجتماع الأخير للرباعي الراعي للحوار مع رئيس الحكومة مهدي جمعة كان وراء بداية التحرك الفعلي لتنفيذ بقية بنود خارطة الطريق ومنها حل رابطات حماية الثورة. وما حصل ليلة أول أمس في جهة الكرم قد يكون البداية الفعلية لحل كل الرابطات في كامل البلاد، كما يبدو من إيقاف دغيج إصرار الحكومة على إنفاذ سلطتها على الأرض خاصة بالقانون مما يعطيها شرعية التحرك. مع ذلك، ما حصل من احتجاجات في الكرم ورغم نجاح قوات الأمن في السيطرة عليها وإيقاف كل من تجاوز القانون، قد ينبئ بتوترات مع بقية الرابطات في مناطق متعددة في البلاد مما يطرح السؤال، هل للحكومة القدرة على مسايرة بعض الاحتجاجات هنا وهناك ثم وهذا هو الأهم هل يتواصل مسار تفعيل بنود خارطة الطريق أم يكون إيقاف دغيج بيضة الديك الأولى والأخيرة؟ بداية الحكاية كانت اثر نشر عماد دغيج رئيس رابطة حماية الثورة بالكرم فيديو في صفحته على شبكة التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، تهجم فيه على بعض الأمنيين ووصفهم بأبشع النعوت، كما دعا إلى «قتل وسحل» بعض رجال الأمن ومهاجمة مقراتهم الأمنية وهو ما دفع نقابة أعوان اقليم الامن الوطني بتونس الى اصدار بيان حذرت فيه رئيس الحكومة ووزير الداخلية بالدخول في إضرابات إذا لم يتّخذا الإجراءات القانونية في ظرف 10 أيام واذا لم يقوما بتتبع عماد دغيج قانونيا على خلفية تحريضه على اقتحام مقرات أمنية واستباحته لدماء رجال الأمن. مواجهات واعتقالات وهذا ما حصل بالفعل، حيث قامت قوات الأمن ليلة أول أمس باعتقال عماد دغيج، الأمر الذي تسبب في اندلاع مواجهات تواصلت حتى فجر أمس في منطقة الكرم حيث عمد المتظاهرون إلى رشق قوات الأمن بالحجارة والزجاجات الحارقة، كما قطعوا طرقات الكرم بالعجلات المطاطية المشتعلة واستخدمت قوات الأمن القنابل المسيلة للدموع، واعتقلت أكثر من 38 عنصرا من المجموعات التي قامت بحرق العجلات المطاطية بمنطقة 5 ديسمبر بالكرم لإغلاق الطريق المؤدية إلى منزل رئيس رابطة حماية الثورة المحلية وعمد المحتجّون إلى خلع عدد من السيارات وسرقة ما بداخلها كما حاولوا اقتحام مركّب تجاري بالمنطقة إلا أن قوات الأمن حالت دون ذلك باستعمال الغاز المسيل للدموع. وقد تواصلت المواجهات الى ساعات الصباح الأولى، فيما مازالت وحدات الامن تواصل تمركزها بالمنطقة تحسبا لتجدد أعمال العنف. ردود فعل متباينة اعتقال دغيج لم يمر دون اثارة ردود فعل متباينة بين مستنكر ومرحب بهذه الخطوة حيث اعتبر رئيس الرابطة الوطنية لحماية الثورة منير عجرود عملية ايقاف دغيج غير قانونية، باعتبار أنه لم تصدر بطاقة إيداع ضده حسب قوله، مؤكدا تعرض هذا الأخير للاعتداء من طرف أعوان الأمن الّذين نفذوا الإيقاف. وقال عجرود إن دغيج لم يخرج عن القانون وأن مَن نفذ عملية إيقافه هم الخارجون عن القانون. وتساءل عجرود عن دور الأمن وحضوره أمام عمليات التخريب التي قامت بها الجبهة الشعبية والاتحاد العام التونسي للشغل على حدّ تعبيره. من جهتها اتهمت إيمان الطريقي، رئيسة جمعية «حرية وأنصاف»، رجال الأمن بالعودة إلى دولة البوليس، أثناء قيامهم بعملية القبض على دغيج، واكدت انه تم الاعتداء على عماد وسحله وضربه من اجل ترويع أنصاره. في المقابل، اتهم بعض مناصري دغيج حكومة جمعة بالسكوت عن «تحول بعض النقابات الأمنيّة إلى ميليشيات مقنّنة تستعمل صفتها داخل أحد أخطر وأدق الأجهزة في الدولة لتصفية حسابات خطيرة لصالح بعض الشخصيّات والخلفيّات الإيديولوجيّة». كما حذر نوفل الغريبي النائب بالمجلس الوطني التأسيسي من تداعيات قرار حكومة مهدي جمعة واصفا اعتقال دغيج ب«صب الزيت على شعلة الثورة» قائلا إنها «اذا التهبت فستحرق كل من يريد إطفاءها». واستنكرت رشيدة أخت عماد دغيج الطريقة التي تم بها إيقاف أخيها مشيرة ان الاتهامات الموجهة له جعلت منه «إرهابيا» متهمة كل السياسيين المعارضين بالوقوف وراء عملية الإيقاف مشيرة إلى أن أعوان الأمن أشهروا السلاح في وجوه بعض الأشخاص الذين أرادوا التدخل عند استعمال الأعوان العنف ضد عماد دغيج الذي تم «ركله وسحبه بالقوة». لكن منير الخميلي الناطق الرسمي لنقابة أعوان وإطارات إدارة أمن اقليم تونس أكد أن عملية إيقاف رئيس رابطة حماية الثورة في الكرم عماد دغيج كانت قانونية، مشيرا إلى أن الوحدات الأمنية تعمل وفق القانون، وأن دغيج سيُحال على القضاء وانه ان تم تسجيل إخلالات في عملية الإيقاف فسيتحمل مرتكبوها مسؤولية ذلك. أما زهير المغزاوي الأمين العام لحركة الشعب فقد رحّب بتحرك الحكومة لحل رابطات حماية الثورة مؤكدا أن حركته طالبت ومازالت تطالب بحل هذه الرابطات التي «عاثت في البلاد فسادا» على حدّ تعبيره مؤكدا ان القانون يجب ان يأخذ مجراه على الجميع داعيا الحكومة الى مزيد من الإجراءات الفورية والشجاعة بخصوص هذا الملف لإرجاع ثقة التونسي في المؤسسة الأمنية وفي الحكومة. واعتبر المغزاوي ان بقاء رابطات حماية الثورة قد يؤدي بالبلاد الى منزلقات خطيرة. اما القيادي في حركة «النهضة» ووزير الخارجية الأسبق رفيق عبد السلام فقد أكد انه مع الالتزام بخارطة الطريق وحل رابطات حماية الثورة لكنه استنكر، في تصريح اذاعي، الطريقة التي تم بها إيقاف دغيج قائلا «كان من الممكن ان يتم ذلك بطريقة مغايرة من خلال توجيه إستدعاء للمعني بالامر للمثول امام القضاء.» وتعتبر لجان حماية الثورة تنسيقيات تأسست أثناء أحداث ثورة جانفي 2011 وتنظمت في شكل رابطات حماية الثورة لتنشط بصفة قانونية لكن أحداث العنف التي وقعت في البلاد خاصة في 4 ديسمبر 2012 أمام مقر الاتحاد والتي أصيب فيها عدد من قيادات الاتحاد كانت وراء مطالبة العديد من الأحزاب بحلّها. واشترطت خارطة الطريق التي اعتمدتها القوى السياسية في تونس مؤخرًا للخروج من الأزمة السياسية في البلاد على حكومة مهدي جمعة حل لجان حماية الثورة وتعهد جمعة بحل هذه الرابطات، حيث قال في أول خطاب له إن «للثورة دولة تحميها».