التونسية (تونس) لم تبح بعد صناديق الاقتراع بنتائجها النهائية لكن الأرقام الأولية القادمة من مراكز الفرز تؤكد تقدم حركة «نداء تونس» على منافسها الأول حركة «النهضة» بفارق 10 مقاعد على الأقل بعد أن حصل «النداء» على أغلبية الأصوات في جل الدوائر الانتخابية عدا بعض الولايات الجنوبية التي تعد المعاقل التاريخية لحركة «النهضة» . في قراءة أولية لنتائج الانتخابات التشريعية يمكن الخروج بجملة من الاستنتاجات الرئيسية وهي أنه على عكس ما كان متوقعا لم يتمكن عامل الزمن وخروج حركة «النهضة» وحليفيها في الحكم «التكتل» و«المؤتمر» من محو تلك الصورة السلبية التي ارتسمت في ذهن التونسي عن فترة حكم «الترويكا» ولم يشفع لها انسحابها من دفّة السلطة طوعا ولا التطمينات التي قدمتها هذه الأخيرة ولا تعديل أوتارها في أكثر من مناسبة ...فجاء «العقاب» عبر الصندوق وكانت الخيبة مدوية خاصة لحزبي «التكتل» و«المؤتمر» في حين كانت نتائج «النهضة» دون المؤمول خاصة أن هذه الأخيرة كانت طيلة الحملة الانتخابية تربك منافسيها باستعراضات جماهيرية تؤكد تواجدا حقيقيا ميدانيا .الاستنتاج الثاني الذي يمكن أن نستشفه من النتائج الأولية للانتخابات أن حركة «نداء تونس» التي قادت حملتها الانتخابية منذ الاعلان عن تأسيسها في جانفي 2012 تمكنت من التسويق لنفسها على أنها الحزب المنقذ للبلاد والعباد وعلى أنّها القوّة السياسية الوحيدة القادرة على كبح جماح «النهضة» مستفيدة في كل ذلك من الأحداث التي مرت بها البلاد بداية من اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي ثم اعتصام الرحيل ، وهو ما جعل الناخبين يتوجهون إلى الصندوق للتصويت بهدف موحد هو منع الاسلاميين من العودة إلى الحكم رافعين شعار «التصويت المفيد«vote utile »فكان التصويت لصالح حركة «نداء تونس» بالجملة «en bloc». تحالفات سرية وانسحاب تكتيكي للدساترة الاستنتاج الثالث الذي يمكن الخروج به من نتائج الانتخابات أن الحملات الدعائية التي قامت بها حركة «النهضة» واستنهاض همم أنصارها كان سلاحا ذو حدين، فبقدر ما نجحت الحركة الإسلامية في زرع الأمل في صفوف قواعدها ،كان حضورها الميداني مربكا لمنافسيها الذين يبدو أن خوفهم من منافس لا ينفع معه التشتت جعلهم يتحسبون بلمّ شتاتهم عبر تحالفات انتخابية سرية وهو ما يفسر النتائج الهزيلة لجل الأحزاب ذات المرجعية الدستورية التي يبدو أنها أعطت الضوء الأخضر لقواعدها للتصويت لصالح «نداء تونس» في إطار انسحاب تكتيكي قد تتوضح معالمه أثناء الانتخابات الرئاسية . استنهاض النعرات العروشية ما يمكن استنتاجه أيضا من النتائج الأولية للانتخابات التشريعية أن عامل العروشية لعب دورا كبيرا في توجيه النتائج وخاصة في الولايات الجنوبية حيث تقدمت حركة «النهضة» بشكل لافت على بقية منافسيها لتحصد أكبر عدد من المقاعد في ولايتي مدنين (5 مقاعد) وقابس (4 مقاعد) وبدرجة أقل تطاوين (3 مقاعد) وقبلي (مقعدان) وهي نتيجة متوقعة باعتبار أن هذه الولايات تعد المعاقل التاريخية للحركة ويلعب فيها عامل العروشية والقرابة الدموية دورا كبيرا في توجيه عملية التصويت التي كانت مكثفة في اتجاه واحد . الاتحاد الوطني الحر يخلف «العريضة الشعبية» ولئن شكلت العريضة الشعبية مفاجأة انتخابات 2011 فقد مثل حزب «الإتحاد الوطني الحر» مفاجأة الانتخابات التشريعية الحالية بحصوله على مقاعد في جل الدوائر التشريعية بما يسمح له بتشكيل كتلة برلمانية بكل أريحية ، وبذلك يكون حزب «توّة توّة» قد ثأر لنفسه بعد الهزيمة التي مني بها في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي والحملة التي قادتها بعض وسائل الإعلام في توقيت قاتل ضد الحزب ورئيسه . قائمة جديدة لأحزاب الصفر فاصل قائمة «أحزاب الصفر فاصل» ستشهد هي الأخرى تغييرا جذريا في تركيبتها فالأحزاب التي تهكمت على منافسيها في انتخابات 2011 ناعتة إياهم بأحزاب الصفر فاصل لضعف نتائجها في الانتخابات تجد اليوم نفسها على نفس القائمة ... فمثلما تدين تدان والصفر فاصل لم يستقر عند «الجبهة الشعبية» وأحزاب اليسار بل استهدف هذه المرة من كانوا قبل أشهر في الحكم ومن كانوا لسنوات في صدارة الأحزاب النضالية .