جدل قانوني وسياسي وحتى حكومي طبع الشأن العام الوطني بعد إعلان المحكمة الإدارية مؤخرا قرارها بإلغاء مرسوم مصادرة ممتلكات بن علي وعائلة الطرابلسية وبعض المتنفذين في عهده الصادر في عهد الرئيس المؤقت الأسبق فؤاد المبزع في مارس 2011. قرار المحكمة رأى البعض أنه سياسي بامتياز ويتنزّل في خانة التطبيع مع الفساد والفاسدين تحت لواء المصالحة الوطنية المغشوشة، في حين رآه آخرون خطأ قانونيا ومحاولة لجس النبض لتمرير أجندات معينة. في المقابل، شدد شق آخر على تداعيات هذا القرار على الوضع العام بالبلاد المأزوم أصلا والذي لا يحتاج إلى تعقيدات واحتقانات إضافية، وفق تعبيرهم. «التونسية» طرحت الملف على عدد من نواب المجلسين التأسيسي ومجلس نواب الشعب وكذلك على عدد من الحقوقيين وحصلت على أجوبة. في هذا الإطار، قال النائب بالمجلس التأسيسي سابقا عن «الحزب الجمهوري»، عصام الشابي، إن قرار المحكمة الادارية بإلغاء مرسوم مصادرة ممتلكات بن علي يبقى قابلا للنقاش لأن المرسوم صدر في ظل فراغ دستوري في عهد الرئيس المؤقت السابق فؤاد المبزّع مضيفا أنه لم يكن من الواجب تمرير المرسوم على المصادقة وقتها في ظل عدم وجود نص دستوري. ولاحظ أنه لم يكن للمبزّع وقتئذ الحق في تعليق العمل بدستور 59 وأن هذا الأخير نفّذ هذا القرار على خلفية قوة تشريعية مستمدة من «الثورة» حسب كلامه. وأوضح الشابي أن إلغاء مرسوم مصادرة ممتلكات بن علي يفتح المجال للطعن في المرحلة الانتقالية برمتها وصولا إلى الرئيس الشرعي السابق، أي بن علي، مشددا في الأثناء على ضرورة المصادقة على هذا المرسوم في أقرب وقت ممكن حتى يتم غلق الملف نهائيا مبينا أن إلغاء المرسوم يحمل رسالة سياسية خاطئة مفادها وجود مسعى محموم من طرف السلطات الحالية لتبييض الفساد ورجال الأعمال الفاسدين. وأكد أن معالجة هذا الملف يجب أن تتم داخل مسار العدالة الانتقالية مشيرا في سياق متصل الى أن الحكومة الحالية مطالبة بالتعاطي الصارم مع الفساد والفاسدين لأنه توجد مليارات منهوبة من أموال الشعب يجب أن يحاسب عليها هؤلاء. سيتم الطعن في الحكم واعتبر الشابي أن إعلان وزير أملاك الدولة حاتم العشي استئناف الحكم محبذ متابعا بأنه سيتم الطعن في حكم إلغاء مرسوم مصادرة أملاك بن علي وعائلته وأن المرسوم سيمرر للمصادقة أمام البرلمان، حسب تقديره. أبعاد سياسية نائب «الجبهة الشعبية» بمجلس الشعب، نزار عمامي، اعتبر من جانبه أن إلغاء المرسوم المذكور يحمل أبعادا سياسية وأن من شأن عدم تمريره عدم اضفاء الشرعية على المجلس التأسيسي ملاحظا أن هذا الأمر يمثل عاملا من العوامل التي تشكك في جدية كل المراسيم التي صدرت في الفترة السابقة. «الترويكا» سلطة محاصصة و أشار نزار عمامي إلى أن محاسبة بن علي وعائلته مطلب ثوري وأن إلغاء المرسوم يحوّل المطلب الثوري إلى مطلب سياسي وإداري و هو ما يؤكد أن السلطة القائمة في عهد «الترويكا» كانت سلطة محاصصة لم تقم بدورها في تمرير مرسوم مصادرة أملاك بن علي إلى مصادقة المجلس التأسيسي. هشاشة المنظومة القانونية وعدم جدية التأسيسي وأكد عمامي أن عدم تمرير المرسوم في عهد «الترويكا» يعطي انطباعا واضحا على هشاشة المنظومة القانونية وعدم جدية التأسيسي وهو ما عطل عملية استرجاع الأموال المنهوبة، منهيا كلامه بأن إلغاء مرسوم مصادرة ممتلكات الرئيس السابق ستكون له نتائج كارثية. المرزوقي يتحمل المسؤولية بدوره، أفاد قيادي حركة «آفاق تونس»، رياض الموخر، بأن الرئيس السابق منصف المرزوقي يتحمل المسؤولية في عدم تمرير المرسوم على المصادقة معقبا بأن هذا الأخير لم يكن مهتما بهذا المرسوم بل مهتما بأشياء أخرى وقتئذ. وتابع الموخر بأنه من الضروري تنقيح المرسوم أو صياغة قانون جديد في هذا الشأن مضيفا أن قرار المحكمة الإدارية هو حكم ابتدائي وأن استئناف الحكم يوقف تنفيذه. قرار يناقض مطلب «الثورة» أما الناطق الرسمي باسم حركة «نداء تونس»، بوجمعة الرميلي فقد اعتبر أنه سيتم الطعن في القرار المذكور لأنه يناقض مطلبا أساسيا من مطالب «الثورة» مضيفا أن مرسوم مصادرة املاك بن علي وعائلته صدر شكلا فقط نظرا إلى أنه لم يتم تمريره على المصادقة. وأعقب بأن تبعات عدم تمرير المرسوم أمام المجلسين ستكون وخيمة لأنه كان من الواجب القيام بذلك في الفترة السابقة. واعتبر الرميلي أن الأصل في هذا القانون هو القرار «الثوري» أو الشعبي وليس المراسيم في حد ذاتها مبيّنا أن اللحظة «الثورية» هي الأصل والبقية فروع عنها وفق تعبيره. عبث قانوني يلغي الشرعية عن مشهد ما بعد 2011 من جهته، قال نائب حزب «التحالف الديمقراطي» بالمجلس التأسيسي سابقا محمد الحامدي إن قرار إلغاء مرسوم مصادرة ممتلكات بن علي عبث قانوني ورسالة سياسية سيئة في ظل وضع داخلي لا ينقصه الاحتقان. واستطرد أن إلغاء المرسوم ليس من اختصاص المحكمة الادارية ملاحظا انه في حال تم إلغاء مرسوم المصادرة تصبح كل المراسيم التي صدرت بعده لاغية كانتخابات 23 أكتوبر 2011 والمجلس التأسيسي وذلك عبر سحب الشرعية عنهما وعن كل تشابكات المشهد في السنوات الأخيرة بعد سقوط بن علي. التمديد لرئيس المحكمة الإدارية وأضاف الحامدي أنه يرجو ألّا يكون لهذا القرار علاقة بالتمديد لرئيس المحكمة الإدارية أو تمهيد لتمرير أشياء معينة تحت راية المصالحة الوطنية. وأكد أنه لا بد من الطعن في هذا القرار لأنه ليس من المعقول إلغاء المرسوم مبينا أن هذا الأخير لم يمرر على أنظار المجلس التأسيسي سابقا على خلفية إقرار العمل بدستور 59 وكذلك إقرار مراسيم تؤسس للمرحلة الانتقالية وعلى ألاّ تبقى من هذه المراسيم الا ما لا يتعارض منها مع مقتضيات المرحلة المذكورة. واعتبر أن تعليق العمل بالدستور القديم وحل برلمان بن علي منح فؤاد المبزع صلاحيات كاملة وقتها لإصدار مراسيم تؤمن تسيير الدولة وقتئذ. جس نبض المحامي شريف الجبالي أوضح من جهته أن القرار عملية جس نبض وأنه سيتم الطعن فيه لأنه سيكون بمثابة الكارثة في حال تم تمريره. وأضاف أن إلغاء مرسوم مصادرة املاك بن علي وعائلته قرار صادم وسياسي بامتياز مؤكدا أن تداعياته في حال لم يتم الطعن فيه ستكون كبيرة على الدولة التونسية لأنه من المستحيل عليها إعادة ممتلكات بن علي مرفوقة بتعويضات عليها أو مرابيح. واعتبر أن القاضي الذي أصدر هذا القرار «دخّل البلاد في حيط» مقللا من امكانية تمرير القانون المذكور باعتبار أنه سيتم إسقاطه عند استئناف الحكم.