تمخض الجبل فولد فأرا»...ذلك هو باختصار الانطباع الذي خرج به اليوم جانب مهم من المواطنين والملاحظين إثر المسيرتين اللتين نظمتهما كل من «الجبهة الشعبية» والحساسيات السياسية التي تشاركها التوجه من جهة(المسيرة الاولى) واحزاب «الجمهوري» و«التكتل» و«حركة الشعب» و«التيار الديمقراطي» و«التحالف الديمقراطي» ومنظمو حملة «مانيش مسامح» من جهة اخرى(المسيرة الثانية). فبعد اكثر من اسبوعين من «التسخين» والحشد والتصريحات النارية والتدخلات «العنترية» في وسائل الاعلام المنددة بمشروع قانون المصالحة والمطالبة بضرورة التجند لاسقاطه ومحاولة تمريره للمصادقة عليه في مجلس نواب الشعب، جاءت مسيرتا امس باردتين فاشلتين وتركتا انطباعا بأن يدا خفية أجهضتهما «بقدرة قادر»، واسقطت ورقة التوت عن حجم المعارضة الحقيقي بعد نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة في حشد الشارع تجاه أمهات القضايا الوطنية التي تثير الجدل، حتى ان آذاننا سجلت تندر المواطنين المارين بالشارع بأعداد المحتجين مشيرين الى ان عدد الامنيين والاعلاميين اكثر بكثير من المشاركين في التظاهرتين. المسيرة اثبتت ان المعارضة لن تكون رقما صعبا على الاقل في الفترة القادمة في مواجهة الائتلاف الحاكم الذي عاين بشكل جلي حجم المعارضة على الميدان في شوط اول ستليه حتما اشواط اخرى سيلعب فيها الشارع دورا الحكم والجمهور في آن واحد. انطلاقة مسيرتيْ «لا للمصالحة قبل المكاشفة»، كانت بمظاهرة «الجبهة الشعبية» و«رفاقها» عند حوالي الساعة الثانية بعد الظهر من أمام النصب التذكاري للعلامة ابن خلدون واتجهت صوب ساحة 14 جانفي قبل ان تتفرق في سكون وسلام. وقد تزعم الصفوف الاولى حمة الهمامي الناطق الرسمي باسم «الجبهة» وزياد الاخضر ومنجي الرحوي ومباركة عواينية أرملة الشهيد محمد البراهمي واحمد الصديق وهم نواب «الجبهة» في مجلس النواب وعبد الجواد الجنيدي وزهير حمدي وغيرهم من القياديين في «الجبهة» رافعين شعار «لا للمصالحة قبل المحاسبة» والمكاشفة وشعارات اخرى تتهم حركتيْ «نداء تونس» و«النهضة» بالانقلاب على الثورة والتنكر لدماء الشهداء. وفي هذا الاطار شدد حمّة الهمامي على أن الاتهامات الموجهة ل «النداء» و«النهضة» من خلال الشعارات هي للمطالبة بحق الشهداء والجرحى وكشف الحقيقة في ملفات الاغتيالات مشددا على ضرورة عدم طمس الحقائق، كما اوضح الهمامي ان المسيرة انتظمت للدفاع على حق التونسيين في التظاهر السلمي بالشارع باعتباره يمثل احدى منظومات الديمقراطية. اما عن قانون المصالحة فقد اعتبر الهمامي ان المسيرة تبلّغ رسالة مفادها لا مجال للمصالحة قبل المحاسبة والمكاشفة مضيفا: «لسنا ضدّ رجال الاعمال بل نريد مصالحة شفافة بعيدا عن الحسابات». وهو نفس الموقف الذي شدد عليه زياد الاخضر الذي قال إن الجبهة ترفض المصالحة المغشوشة والمصالحة التي تناقض الدستور معتبرا انه من واجب الامن القيام بدوره الطبيعي المتمثل في حماية المسيرات. اما المنجي الرحوي فقد شدّد على ان خطوات تصعيدية ستتخذ في حال عدم سحب مشروع قانون المصالحة، وان موعديْ 17 ديسمبر و14 جانفي القادمين لن يكونا للاحتفال وانما للاحتجاج على محاولات اعادة الفساد من الشباك اضافة الى الرفع من وتيرة الاحتجاج في كل جهات البلاد في حال عدم سحب هذا المشروع. اما المسيرة الثانية التي انطلقت بعد حوالي ساعة من المسيرة الاولى من امام تمثال ابن خلدون فقد تصدّرها كل من مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي السابق ومحمد عبو الأمين العام «للتيار الديمقراطي» ومحمد الحامدي منسق حزب «التحالف الديمقراطي» وعصام الشابي القيادي في «الحزب الجمهوري»، وقد اقتصرت شعاراتها على المطالبة بسحب مشروع قانون المصالحة والالتزام بمشروع العدالة الانتقالية القائم على المحاسبة ومن ثم المصالحة. وقد بيّن مصطفى بن جعفر في تصريح ل «التونسية» ان هذا المشروع ينسف الانتقال الديمقراطي برمته ويضرب بعرض الحائط العدالة الانتقالية، مشددا على ان المشروع خطير على اهداف الثورة. وابرز بن جعفر ان تعبئة الشارع ضدّ هذا المشروع ستتواصل بكل الاشكال السلمية نافيا ان يقع انتهاج اعتصام كاعتصام الرحيل كطريقة للاحتجاج للتصدي للمشروع وذلك احتراما لمؤسسات الدولة حسب قوله. كما اكد كل من عصام الشابي ومحمد عبّو ان مشروع القانون هو محاولة لتبييض الفساد وأن الجميع سيتصدى له لما فيه من تعدّ على دماء شهداء الوطن . من جهتها اكدت سمر التليلي الناشطة صلب حملة «مانيش مسامح»، ان هذه الحملة مستقلة بذاتها عن الاحزاب وتطالب بسحب مشروع قانون المصالحة، مشددة على ان المصالحة لا تتم الاّ بعد المحاسبة مبرزة ان الحملة ستنظم عدة لقاءات تثقيفية لفائدة المواطنين للتعريف بخطورة المشروع على تونس وثورتها. وعلى خلفية بلاغات وزارة الداخلية الأخيرة حول وجود تهديدات ارهابية لاستهداف مقرّات وشخصيات وطنية قد تطال شارع الحبيب بورقيبة وإمكانية استهداف المتظاهرين، شهد هذا الشارع والانهج المتفرعة عنه، تعزيزات امنية مشددة، انطلقت في التوافد واغلاق المعابر للشارع منذ ليلة السبت، كما ركزت نقاط تفتيش قارة بكل المنافذ المؤدية الى الشارع لمراقبة وتفتيش الداخلين اليه تفتيشا الكترونيا ويدويا دقيقا حيث وفع تفتيش الحقائب والامتعة التي كانت بحوزة الراغبيين في ارتياد الشارع. كما تمركزت وحدات مكافحة الشغب التابعة لوحدات التدخل بشوشة بأجهزتها تحسبا لأي طارئ، اضافة الى تمركز وحدات عسكرية قرب ساحة 14 جانفي . وقد واكبنا عملية تفقد الوحدات الامنية المرابطة بشارع الحبيب بورقيبة قام بها المدير العام للامن وذلك حوالي الساعة الواحدة قبل الظهر للاطلاع على استعدادات الامن لحماية المسيرتين وتأمين المواطنين في الشارع . وعقب ذلك قام وزير الداخلية بجولة تفقد طاف خلالها على الاعوان في الشارع عند حوالي الساعة السادسة مساء شاكرا اياهم على المجهودات المبذولة في حماية الامن والمواطنين . ومن بين الاشياء التي سجلناها خلال المسيرة حضور أمينة السبوعي شهرت «امينة فيمن» اضافة الى تواجد عدد من أنصار «نداء تونس» الرافضين لمشروع قانون المصالحة، بينما غابت بعض الوجوه التي كانت تنتمي الى ما يُعرف «برابطات حماية الثورة» والتي كانت تندد في الاسابيع الماضية بمشروع قانون المصالحة . أحمد فضلي