عاجل: السراح لعبير موسي في قضيتين جديدتين    وفد من البنك الإفريقي للتنمية يطلّع على سير المشاريع الجاري تنفيذها في تونس    المحرس: تواصل أشغال التنظيف الآلي واليدوي لشاطئ الشفار    باجة: حريق يتسبب في إتلاف 20 هكتارا من الحبوب    رسميا: نادي ريال مدريد يؤكد مشاركته في كأس العالم للأندية    تونس اليوم: إنحسار كتلة هوائية حارة بهذه المناطق    الجبل الأحمر: "براكاج" وتعنيف تلميذ على متن المترو    نصائح لمطبخ صحي ونظيف في عيد الإضحى    للحدّ من الهجرة غير النطامية.. توقيع اتفاقية بين تونس وإيطاليا    نحو تعيين مباراة الكاس الممتازة للموسم الرياضي 2021-2022 بين الترجي الرياضي و النادي الصفاقسي    المحافظة على نفس سعر قبول الحبوب واسناد منحة تشجيعية خاصة بصابة 2014    اليوم: مهدي زقروبة أمام قاضي التحقيق    كتائب القسام تفجر مبنى تحصنت فيه قوة صهيونية في منطقة رفح    بسبب خرق تسعيرة اللّحوم: قرارات غلق ضدّ "المستكرشين"    مطار قرطاج: ضبط أكثر من 1.5 كلغ من الذهب لدى أجنبيتين    عاجل/ حادث اصطدام سيارة بعربة مترو بهذه الجهة..وهذه حصيلة الجرحى..    الكشف عن مذبح عشوائي للدواجن في أريانة    نقل تلميذة إلى المستشفى لاستكمال إجراء امتحان البكالوريا..وهذا هو السبب..#خبر_عاجل    توزر: تحول سوق الدواب إلى سوق يومي مع ارتفاع العرض    عيد الاضحى : ما هي أضرار شواء اللحوم ؟    الداخلية تعلن عن الاستعدادات الخاصة بعودة التونسيين بالخارج    ارتفاع حصيلة الشهداء الصحفيين في غزة منذ بداية حرب الإبادة على القطاع إلى 150 شهيدا..    لقاح للقضاء على السرطان ماالقصة ؟    فرنسا تستعد لإجراء انتخابات بعد مكاسب لليمين المتطرف في تصويت البرلمان الأوروبي    منع التخييم بسليانة تفاديا لاندلاع الحرائق    فظيع/ هلال شابة بصعقة كهربائية..وهذه التفاصيل..    قفصة: موظّف متورّط في ترويج أقراص المخدّرات    beIN SPORTS تقدم تغطية استثنائية لبطولة أمم أوروبا لكرة القدم 2024 مع أكثر من 50 ساعة من التغطية اليومية    خبير في الموارد المائية يدعو لإحداث وزارة للماء    الحماية المدنية: 18 حالة وفاة في يوم واحد    في حادثة صادمة: سيجارة إلكترونية تتسبب في انفجار رئة مراهقة..!!    عاجل : ارسين فينغر في تونس و هذه التفاصيل    تونس: إقبال كثيف على أضاحي العيد بالميزان    إيطاليا تهزم البوسنة 1-صفر في المباراة الودية الأخيرة لها قبل بطولة أوروبا    قطاع التامين: أقساط صافية ب 1148.2 مليون دينار في الربع الأول من العام    باكالوريا 2024 : أحد المترشحين يغش بقارورة عصير !    مسؤولون تونسيون وليبيون يبحثون إعادة فتح معبر رأس جدير وتسهيل العبور..    عاجل/ إندلاع حريق بجبل النحلي..    شركة "ميتا" تطلق ميزة جديدة للمحادثات عبر "ماسنجر"    خبر غير سار لأحباء لاعبة التنس أنس جابر    فرنسا تتعادل سلبيّا مع كندا في اختبارها الأخير لكأس أوروبا    الذات السطحيّة والطفولة المعطوبة    تجاوز عمر بعضها النصف قرن ومازالت متخلّفة...المهرجانات الصيفية بأي حال تعود؟    دليل الأسبوع    فضيحة مدوية بعد انتحار 12 جنديا بسبب أهوال الحرب ..لعنة غزّة تفتك بجيش الاحتلال    مراد الحطاب.. الدبلوماسية الاقتصادية تتحرّك لاستقطاب التمويلات    قصّة قصيرة    تعرف على 20 عيباً تمنع ذبح الأضحية    عيد الأضحى 2024 : دول تحتفل الأحد وأخرى الاثنين    معرض صفاقس الدولي الدورة 58 من 21 جوان الى 7 جويلية    الفلبين: تحظر واردات الدواجن من أستراليا لهذه الأسباب    مريم بن مامي: ''المهزلة الّي صارت في دبي اتكشفت''    الإعلان عن موعد عيد الاضحى.. هذه الدول التي خالفت السعودية    تطاوين : بدء الاستعدادات لتنظيم الدورة السابعة للمهرجان الدولي للمونودراما وإسبانيا ضيف شرف    هند صبري تلفت الأنظار في النسخة العربية لمسلسل عالمي    مُفتي الجمهورية : عيد الإضحى يوم الأحد 16 جوان    عاجل/ قرار قضائي بمنع حفل "تذكّر ذكرى" المبرمج الليلة    اليوم رصد هلال شهر ذي الحجة 1445    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأستاذ حسن الكراي (الحزب الجمهوري) ل«التونسية»: مشروع المصالحة يجب أن يمرّ
نشر في التونسية يوم 28 - 09 - 2015


«الجمهوري» انتهى..
عدم وضوح الرؤية وراء موجة تهريب الأموال إلى الخارج وتدهور مستوى الادّخار
الاستثمار لن يتحرك ما دامت أيام العمل تعادل أيام الإضراب
أجرى الحديث: فؤاد العجرودي
اعتبر الأستاذ حسن الكرّاي القيادي في الحزب الجمهوري أنّ تونس ومن خلال إخضاع ملف المصالح لمسار العدالة الانتقالية قد اختارت طريقا طويلة يستبعد أن تكون لها نقطة نهاية لجهة افتقار «هيئة الحقيقة والكرامة» للمصداقية عقب خضوع مسار تشكلها لمبدإ المحاصصة الحزبية والاهتراء الذي طال صورتها لدى الرأي العام.
ولاحظ في المقابل أنّ نقطة الضعف في مشروع قانون المصالحة الذي عرضه رئيس الجمهورية على البرلمان هي أنه لم يسبقه توضيح جيّد لمنطلقاته قبل عرضه مؤكدا أنّ تونس التي لم تعد تتحمّل التقوقع في وسط الطريق تحتاج إلى تمرير هذا المشروع بعد إدخال بعض التعديلات على مضمونه ومشيرا إلى أنه كان من الملائم أكثر تقديم هذا المشروع من قبل الحكومة حتى يتوفّر لرئيس الجمهورية هامش مناورة يسمح له بتطويق الخلافات وصياغة وفاق حول هذا المشروع.
حسن الكرّاي الحقوقي الذي مارس السياسة بعد 14 جانفي بالانضمام إلى حزب «العمل التونسي» قبل أن يلتحق بالجمهوري أشار أيضا في هذا الحديث مع «التونسية» إلى أنّ تعاطي بعض الأطراف مع مشروع قانون المصالحة يحيل إلى مفارقة غريبة لجهة أنّ إسقاط قانون الإقصاء سمح للكثير من الذين كانوا المعنيين به بالارتقاء إلى البرلمان وعدة مواقع في الإدارة فيما تحتاج تونس إلى الإداريين أكثر من السياسيين مؤكدا على أهمية أنّ يطرح مشروع قانون المصالحة في سياق أشمل بما يمكن من رفع الحظر عن الكثير من إطارات الدولة بما في ذلك الأمنيين.
ولاحظ حسن الكرّاي من جهة أخرى أنّ «الحزب الجمهوري» كبديل قادر على خلق تعبئة حول المشروع الوطني الحداثي قد انتهى مبرزا أنّ تقوقع بعض قياداته في الماضي وعدم حسم الحزب بشكل واضح في طبيعة علاقته بالتيار الإسلامي جعلاه يفشل في تجسيم الشعار الذي قام عليه وهو الانفتاح على العائلة الوسطية بما في ذلك الدستورية وكذلك طينة إطارات الدولة.
واعتبر من جهة أخرى أنّ مسار انحدار مستوى التعليم بدأ منذ تجربة التعريب في بداية ثمانينات القرن الماضي ملاحظا أنّ إصلاح هذا المرفق يشكل أبرز الأولويات المطروحة اليوم ويتطلّب أموالا طائلة يجب تشخيصها قبل الشروع في الإصلاح.
كما دعا حسن الكراي إلى التعاطي مع الملف الليبي بلا خجل مؤكدا على ضرورة توفّر حضور ديبلوماسي وأمني ومخابراتي لمزيد التوقّي من المخاطر الإرهابية ودفع التعاون الاقتصادي مع ليبيا ملاحظا أنّ تراجع حجم التعاون مع هذا البلد إلى جانب فتور العلاقات التونسية الجزائرية ساهما في مزيد تأزيم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تونس.
وأكد من جهة أخرى أنّ المعركة ضد الإرهاب تحتاج إلى مقاربة شاملة تدمج فيها كلّ العناصر الأمنية والتربوية والثقافية والتنموية إلى جانب مساندة حقيقية للمؤسّستين العسكرية والأمنية يؤكد من خلالها الشعب تمسّكه ب«الدولة».
الحديث مع الأستاذ حسن الكراي الذي اختزل «العقلانية» التونسية التي باتت تئن تحت وطأة استشراء «الشعبوية» تناول أيضا تطورات الوضع الإقليمي وتداعيات الملف الاجتماعي وحظوظ تجاوز تونس للأزمة الراهنة.. وبدأ من هذه الزاوية.
عقب مرحلة اتّسمت بحضور لافت للحزب الجمهوري على الساحة السياسية لم يحصّل الحزب شيئا تقريبا في الانتخابات الأخيرة.. ما هي الأسباب حسب اعتقادك وأين يتموقع الحزب اليوم؟
- أعتقد أنّ نتائج الانتخابات الأخيرة سواء التشريعية أو الرئاسية كانت مخيبة للآمال.. لم نكن نتوقع عند قيام «الجمهوري» وعلى امتداد المسار الذي سبق الانتخابات أن تصل إلى هذا المستوى.. لم نكن نتوقّع منذ البداية أن يكون «الجمهوري» حزبا بإمكانه أن يخلق التوازن على الساحة السياسية.. لكن لم نكن نتوقع في المقابل أن نحصد تلك النتائج.. ويعود ذلك في اعتقادي إلى ارتكاب أخطاء نشأت عن عدم هضم متطلبات المرحلة.. «الجمهوري» رفع في البداية الشعار الصّحيح وهو ضرورة الانفتاح على التيار الدستوري واستقطاب رجالات الدولة وإطارات الإدارة لكن في الواقع ظل الحزب منغلقا ولم يكن هناك قبول لهذا التوجه صلب البيت الداخلي ل«الجمهوري» ويعود ذلك أساسا إلى عدم الخروج من تأثيرات فترة المعارضة زمن بن علي.. أي أن الحزب ظل منغلقا على ذاته وبدا متشبّثا ب«الباتيندة» القديمة أكثر مما سعى إلى تقديم بدائل ومراكمة المكاسب وإعداد الحزب الحاكم.
«الجمهوري» عندما تأسّس جاء لسد فراغ وكان بإمكانه أن يحقّق ذلك ولكن الطبيعة تأبى الفراغ وتعثر «الجمهوري» في الارتقاء بهيكلته وخياراته إلى مستوى الحزب القادر على خلق تعبئة حول المشروع الوطني الوسطي الحداثي.. وهذا الفراغ هو الذي قام عليه «نداء تونس».
بمعنى آخر دفع «الجمهوري» ضريبة عدم الحسم في طبيعة علاقته بالتيّار الإسلامي أو بالأحرى عدم إطلاق رسائل قويّة ومقنعة تتجاوز الصورة التي لاح عليها عند قيام الحزب الديمقراطي التقدمي كبديل للمشروع الإسلامي وكذلك التحالف مع الإسلاميين في ما يُسمّى جبهة 18 أكتوبر؟
- بالإمكان القول إنه كان هناك نوع من الحنين إلى أسماء بعينها من حركة «النهضة» امتدادا لتداعيات جبهة 18 أكتوبر رغم أنّ هذه الأخيرة كانت لقاء لقوى المعارضة آنذاك من أجل فرض نفس ديمقراطي وانفتاح الفضاء العام.. وهو وضع تغير بعد 14 جانفي حيث أصبحت البلاد تعيش على إيقاع صراع بين مشروع ومشروع مضاد.. المشروع الوطني الحداثي مقابل المشروع الإسلامي.. وبالتالي أعتقد أنّ الحزب ومن خلال عدم الحسم في طبيعة علاقته بالتيار الإسلامي ارتكب أخطاء مجانية وبدا التنسيق مع «النهضة» بمثابة التقاء أو بحث عن المناصب بل إنّ البعض ربط التقارب مع «النهضة» بتطلعات أحمد نجيب الشابي إلى رئاسة الجمهورية.. تلك هي الصورة التي ظهر عليها الحزب رغم أنه وبعيد اغتيال الشهيد شكري بلعيد ذهب الجمهوري إلى اجتماعات قصر الضيافة ليساهم في حلحلة الأزمة وخدمة مصالح البلاد حيث كان بإمكانه وقتها أن يحصل حتى على حقائب وزارية لكنه غلب المصلحة العامة.
بالمحصلة أعتقد أنّ عدم الحسم في طبيعة العلاقة مع المشروع الإسلامي وإبراز هذا الحسم بوضوح للرأي العام جعل «الجمهوري» يفقد زمام المبادرة في قيادة المشروع الوطني الحداثي المدني.. فالنخبة السياسية لم تكن لها ثقة في جدارة «الجمهوري» بلعب هذا الدور بالنظر إلى الإرث القديم وكذلك بعض التصريحات واللقاءات التي أظهرت أنّ الجسور بين «الجمهوري» والتيار الإسلامي لا تزال قائمة.
ما هو مستقبل «الجمهوري» حسب اعتقادك؟
- رغم عديد المحاولات التي بذلت لإعادة التموقع صلب العائلة الديمقراطية الاجتماعية فإنّه لا «الجمهوري» ولا بقية المكوّنات مثل «التكتّل» استطاع أن يراكم شروط هذا التموقع وأولها النقد الذاتي وتقييم التجربة الماضية التي كان عنوانها الفشل..
أعتقد أنّ الجمهوري كان ضحية حركة «النهضة» ثم «نداء تونس» من خلال عدم استقراء الأوضاع كما ينبغي حيث كانت كلّ المؤشّرات تدل على أن «نداء تونس» آخذ في التوسع والسيطرة على الساحة السياسية وبالتالي فإنّ «الجمهوري» فوّت فرصة التنسيق الحقيقي والواضح مع «النداء» بما يسمح له بالمراهنة على المرتبة الثانية في الانتخابات.. هذا الخطأ في التموقع داخل الاتحاد من أجل تونس استفاد منه «النداء»... أما الآن فأعتقد أنّ «الجمهوري» كمشروع واستنادا إلى الأهداف التي قام عليها.. قد انتهى.
نأتي الآن إلى الأوضاع العامة للبلاد.. كيف تتفاعل معها؟
- رغم كوني أفضّل دائما أن أكون متفائلا أعتقد أنّ الوضع اليوم هو مخيف على جميع الأصعدة.. البلاد تمرّ بمرحلة دقيقة على الصعيدين الأمني والاقتصادي وهذا يجعل مهمة الإنقاذ أكثر صعوبة.. الوضع الاقتصادي آخذ في التأزم وهذا يعد من إمكانيات استتباب الأمن.. كما أن الوضع الاجتماعي لا يشجع على الاستثمار في تونس التي أصبح فيها عدد أيام الإضراب يضاهي أيام العمل وبالتالي فإنّ الاستثمار في تونس أصبح بمثابة مغامرة.. المسائل مترابطة بالفعل ونحن نحتاج إلى الاستقرار بكلّ أركانه حتى نتوفّق إلى زيادة نسق خلق الثروات بشكل يقلّص الهوة الاجتماعية والمعيشية وينعكس بدوره على معطى الاستقرار.
هذا الوضع يعود في اعتقادي إلى كون الحكومات المتعاقبة بعد 14 جانفي لم تشخص حلولا جذرية وانغمست في الشأن اليومي.. لا توجد حتى رؤى واضحة أو رسائل قوية تنعش الأمل.. البلاد استهلكت في ظرف سنوات قليلة كلّ مدخّراتها وصارت تتداين لتوفير الأجور وهذا ما يجعل الميراث الثقيل آخذا في التضخّم.
لقد كانت نسبة النمو الاقتصادي زمن بن علي في حدود ٪5 التي لم تكن كافية في الواقع.. أما الآن فإنّ البلاد دخلت دائرة النمو السلبي وهذا يزيد في تأزيم الأوضاع ولا يوفّر العوامل الملائمة لزيادة الاستثمارو تحقيق تطلعات التونسيين خاصة في المناطق الداخلية للبلاد.
على ذكر المناطق الداخلية التي كانت في قلب الخطاب الثوري بعد 14 جانفي كيف ترى وضعها اليوم؟
- الجهات الداخلية وللأسف زادت تهميشا في السنوات الأخيرة.. لأنه لا توجد تنمية حقيقية على الصعيد الوطني أصلا فكيف سننهض بالجهات الداخلية.. إنجاز المشاريع متعطل لأسباب كثيرة أولها المناخ العام.. أحيانا مواطن واحد يعطّل مشروعا بالغ الأهمية كأن يمنع الدولة من انتزاع قطعة أرض لإنجاز طريق سيارة.. هذا غير منطقي.. من المفروض أن يفضي 14 جانفي إلى تعميق مفهوم الدولة والمؤسّسات.. لكن في الواقع ما حصل هو العكس.. وهذا يجرني إلى الخطاب «الثوري» الذي لم يكن له أيّ معنى بل ساهم في بروز ثقافة الانفلات.. نحن بصدد تنشئة الأجيال الجديدة على ثقافة تتعارض مع متطلبات الدولة العصرية المهيكلة.. بل إنّ الأخطر من ذلك عودة منطق العروش بعد أن نسيه الشعب التونسي بفضل الدولة الوطنية التي أسسها الزعيم بورقيبة.
يعيش قطاع التعليم حالة مخاض بفعل تقدم مشروع إصلاح المنظومة التربوية من جهة والاضطرابات المتواترة التي شهدها هذا المرفق من جهة ثانية.. ما هي حسب اعتقادك سبل إخراج التعليم في تونس من الوضعية المتردية التي آل إليها؟
- أعتقد أنّ التعليم في تونس يعيش أزمة حقيقية ما فتئت تتعمّق وتعود جذورها الأولى إلى حقبة بورقيبة وأساسا تجربة التعريب التي أطلقها الراحل محمد مزالي وأفضت إلى بداية تراجع المستوى أو ما أسمّيه ناتج التعليم في تونس.. وللأسف فإنّ منحى التراجع لم يتوقف وهو ما جعل التعليم يصل خلال السنوات الأخيرة إلى وضعية متدنية ومقلقة أعتقد أنها تعود بالدرجة الأولى إلى عدم مواكبة حجم التمويلات المتاحة لهذا المرفق للتضخّم الحاصل في كلفة التلاميذ جراء ارتفاع عدد التلاميذ والمؤسّسات التعليمية.. هذا سبّب ضغطا لم يواكبه مجهود الدولة.. كما أصبح النجاح في مرحلة ما شبه آلي أي قطع مع مبدإ الانتقاء الذي يُذكّي المنافسة ويحفز على الاجتهاد والتميّز وهو ما أساء إلي جودة التعليم وخلق أزمة بطالة في صفوف خرّيجي الجامعات.
من هذا المنطلق يجب أن يحظى ملف إصلاح التعليم اليوم بالأولوية وأعتقد أنه من الملائم أن يستند الإصلاح إلى مقاربة علمية وإرادة سياسية قويّة تقوم أولا على الوعي بضرورة توفير الموارد اللازمة.. وهي أموال طائلة لا يمكن في غيابها فتح هذه «الحضيرة».
نأتي الآن إلى آخر المستجدات وأعني الجدل الدائر حول مشروع قانون المصالحة الاقتصادية.. ما هو موقفك من هذه المبادرة؟
- ينبغي التذكير أوّلا بأنّ البلاد تحتاج إلى استكمال مسار الانتقال الديمقراطي الذي يُشكّل أكبر تحدّ يجب رفعه.. وإنجاح هذا المسار يعني بالضرورة الخروج عن منطق «الثورة والثورة المضادة» التي يجب أن نتركها خلفنا عبر طيّ صفحة الماضي والالتفاتة إلى المستقبل والسعي إلى مراكمة عناصر الجمهورية الجديدة بما يؤمّن عدم ارتكاب أخطاء الماضي.. في المقابل أعتقد أنّ الطريق التي سلكناها وأعني العدالة الانتقالية كانت طويلة كما لا يبدو أنّها ستنتهي لجهة أنّ «هيئة الحقيقة والكرامة» افتقدت منذ البداية معطى المصداقية بعد أن خضع تشكلها لمنطق المحاصصة الحزبيّة كما أعتقد أنّ صورتها اهترأت كثيرا لدى الرأي العام وهذا يجعل من الصعب أن تتوصل الهيئة إلى إنجاز مشروع العدالة الانتقالية وبالتالي تحقيق الأهداف التي قام عليها.. وهذا ما يتطلّب إيجاد الحلول الملائمة واستنادا إلى آجال محدّدة لتحقيق الهدف المحوري للعدالة الانتقالية وهو «المصالحة» التي تحتاجها البلاد فعلا فيما تحدوني قناعة راسخة بأنّ الهيئة لن توصلنا إلى هذا الهدف.
في خضمّ هذه الظروف جاء مشروع المصالحة الذي أطلقه الرئيس الباجي قائد السبسي والذي أعتقد أنه في حاجة إلى مراجعة بعض النقاط لتفادي التضارب مع كلّ من الهيئة والدستور.. كما أعتقد أنّ نقطة الضعف في هذه المبادرة هي أنه لم يسبقها توضيح جيّد لمنطلقاتها قبل إإحالتها على البرلمان.
كان من المفروض أن يخرج مستشارو الرئيس لتوضيح الدوافع الهامة لهذا المشروع وأولها حاجة البلاد إلى الكثير من الكفاءات واستعادة الأموال بشكل فعلي ثم إعطاء صورة جيّدة للخارج مفادها أننا نجحنا في تحقيق المصالح وفي ذلك رسائل إيجابيّة ستنعكس بالضرورة على جاذبية مناخ الأعمال في تونس ومن ثمة أخاف استحثاث نسق الاستثمار والتشغيل.
أعتقد بالمحصلة أن منطلقات المشروع جيّدة لكنه لم يحظ بتمهيد ملائم وتفسير واسع لدوافعه.. كما أرى أنه كان من الأجدى أن تقدمه الحكومة حتى يتوفر هامش تحرك أمام رئيس الجمهورية لتكريس دوره في تحصيل الإجماع وتطويق الانقسامات التي يمكن أن تحدث ومن ثمة يخرج الحل من قرطاج.
كما تجدر الإشارة إلى أنّ الأمور بدأت تتغيّر الآن فالحكومة التي تعد دراسة المشروع من صلاحياتها بدأت تلوح بكونها ستسعى إلى تطوير مشروع قانون المصالحة وهو ما كان يفترض أن يحصل من البداية.. لأنّ الحكومة هي المعني الأوّل بالشأن الاقتصادي والمشروع يتضمن إصلاحات هامّة في هذا الباب.. ولو أنّي أعتقد أنّه من الصعب في الظرف الحالي أن نقنع الناس بجلب أموالهم من الخارج.
وما هي الآسباب؟
- يبدو جليّا أنه توجد اليوم موجة تهريب أموال إلى الخارج نتيجة المخاوف التي تثيرها الأوضاع في تونس والتي تتسبّب أيضا في تراجع مستوى الادخار داخليا لأنّ الكثيرين أصبحوا يفضلون الاحتفاظ بأموالهم في شكل سيولة في بيوتهم.. وأعتقد أنّ هذه المعطيات المستجدّة تدفع إلى تعميق الاقتناع بأنّ البلاد تحتاج فعلا إلى تمرير مشروع قانون المصالحة لجهة كونها لم تعد تتحمّل التقوقع في وسط الطريق وهي تحتاج إلى إعادة رسكلة كفاءاتنا في الدورة العامة.. المشكل لا يقتصر على رجال الأعمال، هناك الكثير من الإطارات الذين وظّفوا جهودهم لخدمة الدولة ودعم مكاسب البلاد وهؤلاء من حقّهم العودة إلى العمل.. أعتقد أنّه لابدّ من مقاربة أشمل في التعاطي مع الماضي بما يجعل المصالحة تنسحب على شرائح أخرى مثل الأمنيين الذين كانوا يشتغلون صلب تسلسل هرمي ويخضعون لتعليمات الدولة فلماذا يدفعون الفاتورة، نحتاج إلى هؤلاء الأمنيين الذين تمّ إقصاؤهم والبعض منهم يواجه ظروفا معيشية صعبة.
كما يجدر التذكير في ذات الصدد بأنّ إسقاط قانون الإقصاء جعل الكثير من الذين اشتغلوا في النظام السابق يعودون إلى الإدارة وعدد منهم صعد إلى البرلمان فيما يتواصل الحظر على الكفاءات الإدارية وإطارات الدولة والحال أنّ حاجة البلاد إليهم تفوق حاجتها للسياسيين.. كما أنّ إرساء المصالحة لا يمنع من تفعيل إجراءات أخرى بعدها إن توفرت المبررات الموضوعية مثل المساءلة والاعتذار وتشخيص العوامل التي خلفت الفساد ولو أنّ الفساد الذي تواجهه تونس اليوم تجاوز بكثير ما كان عليه زمن بن علي حيث وفرنا المناخ الملائم لاستفحال الرشوة والمحسوبيّة.
من أبرز التحديات التي تواجهها تونس اليوم الظاهرة الإرهابية فما هي في اعتقادك أفضل المقاربات لإنجاح المعركة الوطنية ضدّ الإرهاب؟
- الإرهاب ظاهرة استشرت في المنطقة بأسرها ودحرها يتطلب في اعتقادي مقاربة شاملة وخلق تعبئة شاملة ضد هذا الخطر.. الجانب الأمني هو محوري لكنه غير كاف لوحده وينبغي أن تعاضده معارك أخرى على جميع الواجهات أولها إنعاش الاقتصاد لتحسين الأوضاع الاجتماعية والمعيشية وبالتالي تقليص دائرة الإحساس بالتهميش.. ينبغي أيضا العمل على نشر ثقافة التسامح والقيم الإسلامية الأصيلة وإرساء إصلاح تربوي حقيقي ينير العقول وتفعيل دور الأسرة والإعلام وتكريس التضامن بين التونسيين في محاربة الإرهاب.. وتقدير تضحيات المؤسّستين العسكرية والأمنية التي لا يمكمن تعويضها بالمال لكن يجب أن يستشعر أفراد الجيش والأمن أن المجتمع يقدر تلك التضحيات وهذا يتطلب في حده الإدنى تقديم الدعم المادي والمعنوي لعائلات الشهداء والجرحى من العسكريين والأمنيين... الإرهاب يستهدف الدّولة ووقوفنا إلى جانب المؤسّسات يعني تمسكنا بالدولة.
الحديث عن الإرهاب يجرّ حتما إلى الوضع الإقليمي. كيف تراه وأيّة مقاربة لتحصين تونس إزاء تداعياته السلبية؟
- الأوضاع في ليبيا وللأسف تُشكّل تهديدا للأمن القومي في تونس كما ساهمت في تعميق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية لجهة أنّ ليبيا كانت الشريك الاقتصادي الأول لتونس بعد الاتحاد الأوروبي وتستقطب بالتالي حيزا هامّا من الإنتاج الصناعي وحتى الفلاحي.. كما أنّ العلاقات مع الجزائر هي اليوم ليست في أفضل أحوالها وهو ما أدّى إلى تراجع وتيرة التعاون الاقتصادي والتجاري.. أعتقد بالمحصلة أنه إذا لم تتحسّن الأوضاع في ليبيا خاصة عبر التعجيل بتحقيق المصالحة الوطنية.. ولم تتطوّر العلاقات مع الجزائر.. فإنّ احتمالات تحسين الوضع الاقتصادي في تونس ستظلّ محدودة..
وبالتالي ينبغي الوعي بأنّ البلدان الثلاثة تواجه هموما مشتركة وعلى تونس أن تستثمر في العلاقات مع كلّ من ليبيا والجزائر حتى على الصعيد الأمني.. الإرهاب الذي تواجهه تونس تواجهه ليبيا في ذات الوقت ومن ثمة يجب التعاطي مع الملف الليبي بلا خجل، ينبغي أن تكون لنا عين على تطور الأوضاع في هذا البلد الشقيق.. حتى يكون لنا إلمام بما يحدث هناك من مسائل سياسية ليبية لكنها لا تمنع من أن يكون لنا ديبلوماسي وأمني ومخابراتي قوي.. إلى جانب تنسيق أمني أكبر مع الجزائر.. وبحث سبل الارتقاء بالتعاون الاقتصادي مع الجارتين.. لا بدّ من قناعة مشتركة لكون كلّ من تونس وليبيا والجزائر في حاجة إلى بعضهم البعض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.