على الرغم من تصريح وزير الخارجية السيد رفيق عبد السلام في رحاب المجلس الوطني التأسيسي بأن حكومة «الترويكا» هي أقوى حكومة في التاريخ السياسي لتونس فإن ما أقدمت عليه هذه الحكومة بسحب ملفي ترشيح تونسيين اثنين لمنصبي رئيس مركز جامعة الدول العربية بتونس وأمين عام مساعد للجامعة العربية يعتبر سابقة في تاريخ علاقة الدولة التونسية بالجامعة العربية ذلك أن اتفاقية نقل مقر الجامعة من تونس إلى القاهرة (سنة 1990) نصت على تخصيص المنصبين المذكورين لتونس، وقد قامت حكومة الوزير الأوّل حمادي الجبالي في خطوة مفاجئة بسحب ترشيح رشيد خشانة لمنصب رئيس مركز تونس للجامعة العربية ورضوان نويصر لمنصب الأمين العام المساعد، وكانت الأمانة العامة للجامعة العربية قبلت منذ شهر أكتوبر 2011 ملفي الترشح المذكورين. وجاءت الخطوة قبل وقت قصير من اجتماع اللجنة الإدارية والمالية للجامعة العربية الذي عقد مؤخرا بالقاهرة دون تقديم بديل للمرشحين خشانة ونويصر. ورشيد خشانة الذي يعمل مسؤولا عن قسم المغرب العربي بقناة «الجزيرة» القطرية، سياسي وإعلامي يعدّه الكثيرون أحد أفضل كتاب العمود في العالم العربي، وقد كانت تحاليله السياسية في جريدة «الحياة» نافذة العالم العربي على تونس زمن بن علي بعيدا عن وصاية وكالة الاتصال الخارجي. وأشرف خشانة لسنوات على جريدة «الموقف» لسان حال الحزب الديمقراطي التقدمي الذي كان من أبرز قياداته، كما عمل في راديو «مونتي كارلو» ومجلة «شؤون عربية» وموقع «سويس أنفو». «التونسية» اتصلت برشيد خشانة وتحدثت معه محاولة الوقوف على سرّ سحب الحكومة ترشيحه لرئاسة مركز جامعة الدول العربية بتونس. نحن على علم أنك تحدثت إلى وزير الخارجية رفيق عبد السلام بخصوص ترشيح حكومة الباجي قائد السبسي لك لمنصب رئيس مركز تونس فماذا كان رده؟ صحيح التقيت السيد رفيق عبد السلام بعد يومين من تسميته وزيرا للخارجية وقد أعلمته بالموضوع وبيّنت له أني احمل رؤية لدور مركز تونس سأعمل على تطبيقها، فقال لي «ما ثمة حتى مشكلة». ما فاجأني أنه حين سئل في جلسة الخميس الماضي عن سحب الحكومة ترشيحي أجاب بأنه لا علم له بالموضوع! كيف تم ترشيحك لهذه الخطة؟ الدولة التونسية هي التي اقترحت عليّ، ولم أر مانعا بحكم أني أحمل رؤية لتفعيل مركز تونس للجامعة العربية ولا يوجد أي إغراء مالي في هذه الخطة بالنسبة إلي. كيف تفسّر سحب ترشيحك؟ قناعتي أن الموضوع قد طوي، ولكني لا أريد أن أحاكم النوايا دون حجج في انتظار انعقاد مجلس الجامعة العربية نهاية هذا الشهر في بغداد بمناسبة القمة العربية، دعنا ننتظر حتى تتضح الصورة. يقول البعض إن استبعادك كان على خلفية انتمائك ل«الحزب الديمقراطي التقدمي»؟ إن صح ذلك، فهو مبرّر واه، ذلك أني غادرت قيادة الحزب منذ شهر مارس من السنة الماضية. ولكن ميولك مازالت مع نجيب الشابي خصم «النهضة»؟ أنا حرّ في ميولاتي كما كل إنسان حرّ في انتمائه وتفكيره، ولا أعتقد أن ترشيح الدولة لمناصب دبلوماسية يتم حسب قراءة الميول والأهواء. كيف هي علاقتك بحمادي الجبالي؟ هي علاقة طيبة، في كل عيد يبادر هو بتهنئتي، ولعلمك كنت أنا من حمل مراسلي «رويترز» ووكالة الأنباء الفرنسية وصحفي من جريدة «الموقف» على متن سيارتي إلى منزل حمادي الجبالي بسوسة سنة 2005 إثر خروجه من السجن، وكانت سيارات الشرطة تراقبنا، وأنا أتساءل لو كنا تبادلنا المواقع هل كانت العملية تتم؟ هل حدث بينكما اتصال بعد صعوده لرئاسة الحكومة؟ نعم، التقينا في رحاب المجلس التأسيسي وتبادلنا التحية بالأعناق... لا شك أنه لم ينس أن «الموقف» كانت الصحيفة الوحيدة طوال سنوات الجمر التي تُنشر فيها مقالاته وتصريحاته.. لماذا لم تتصل به بعد سحب ترشيحك؟ مثلما أوضحت لك أنا لا أجري وراء هذا المنصب. ورفيق عبد السلام؟ ما به؟ كان معنا في «الجزيرة» كيف هي علاقتك به؟ جيدة. ما تقييمك لدور «الحزب الديمقراطي التقدمي» في المعارضة اليوم؟ لست مواكبا للأحداث بما يسمح لي بالحكم الموضوعي، أنتم تتابعون الشأن التونسي بشكل يومي وأقدر مني على التقييم. هناك من يرى أن المعارضة تضع العصي في دواليب «الترويكا»؟ هذه تهمة سمعتها توجه للمعارضة داخل المجلس وخارجه، وللاتحاد العام التونسي للشغل وللصحافيين ولحمّة الهمامي وشكري بلعيد وغيرهما... يتهم الكثيرون قناة «الجزيرة» بالتعاطف مع التيار الإسلامي في تونس فما موقفك؟ لست متحدثا باسم القناة، والأولى توجيه السؤال إلى من هم مخوّلون التكلم باسمها. هل ما زالت لديك طموحات سياسية؟ العمل الصحفي سياسي أحببنا أم كرهنا، وأنا شخصيا تعلمت أن السياسة موجودة في كل شيء لكن علينا التمييز بين سياسة أخلاقية و أخرى غير أخلاقية. ما صنف الممارسة السياسية في تونس الآن؟ لست مخولا لأعطي موقفا، لأن موقعي يفرض عليّ أن أكون على نفس المسافة من كل التيارات السياسية في تونس... أعتقد أنك تتفهم التزامي بواجب التحفظ نظمت في تونس أكثر من ندوة حول الإعلام بعد 14 جانفي وقد تواتر حضور أسماء محمد كريشان والحبيب الغريبي ومكي هلال وتوفيق مجيد... مقابل غيابك رغم شرعيتك النضالية (بلغ الأمر شنّ إضراب جوع سنة 2008 لرفع الحصار عن جريدة «الموقف»)؟ بالعكس، أولا أحمل كل التقدير والمحبة لهؤلاء الزملاء، وثانيا لا أشعر بأي تهميش في بلادي بل إن أولى الندوات حول الإعلام بعد 14 جانفي نظمتها إذاعة المنستير وقد طلب مني مدير الإذاعة المساعدة في تنظيمها وهو ما قمت به بكل مودة ووفقنا في دعوة حمدي قنديل وأنا الذي شجعت زملائي في «الجزيرة» على المشاركة. ربما كنت قليل العودة إلى تونس ولكني لا أجد سوى التبجيل كلما حللتُ في وطني. يتعرض الإعلام وخاصة التلفزيون إلى حملة شرسة بتعلة أنه إعلام العار وإعلام بنفسجي هل تعتقد انه يمكن إصلاح الإعلام بهذه الطريقة؟ إصلاح الإعلام يتم بإصلاح المؤسسات الإعلامية في المقام الأول، ثم بإعطاء الإعلام الدور الذي يليق به في مجتمع ديمقراطي تعددي بوصفه سلطة رابعة، وثالثا بتغيير الأشخاص، أي بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب. ولا يمكن في كل العهود أن نجد نفس الوجوه ونفس الأقلام التي كانت منغمسة في تمجيد العهد السابق وإلا اختلط الحابل بالنابل على الناس وفقد الإعلام دوره في توعية الرأي العام وإنارته. يرى البعض أنه لا بد من طي الصفحة والعمل بمنطق «عفا الله عما سلف»؟ نعم على المستوى الإنساني والاجتماعي، لكن من غير المنطقي أو المقبول أن يقود هؤلاء الإعلام بعد 14 جانفي، كما فعلوا زمن بن علي ...