وأنا أزور توزر عروس الواحات وفاتنة الجريد لأوّل مرة بعد الثورة شعرت بلذة كبيرة حيث أنّه للإنسان لذتين ... لذّة في الاستمتاع بعيش التجربة ولذّة في أن يكتب عنها ويمنحها شكلا لأنّ الكاتب الذي لا يعاني لا يستطيع أن ينقل معاناته الى الآخرين ... صراحة في البدء كثيرا ما لذت بالصمت غير أنني وجدت نفسي في صراع داخلي مع ضغط البوح لذلك تحمّست لكتابة ما تبقّى من فرح زيارتي الى توزر حتى لا أختنق بفيضاناتي الداخلية وحتى أتخلص من انفجارات أفكاري ومشاعري على غرار الأدباء الشبان الذين سعوا لدعوة المندوبية الجهوية للثقافة بتوزر ففتحوا لها البعض من جراحاتهم ... وما هذه الجراحات سوى خلاصة للوجود والحبّ والشجن ... حيث اجتهد منظمو الملتقى الأول للأدب والفنون بتوزر في نفض غبار الفوضى والتعب عن قلوب جميع الضيوف حيث وجدنا أناسا في استقبالنا سريعا ماقبّلوا قصائدنا واحدة واحدة ... ومسحوا حبّات العرق عن قلوبنا حبّة حبّة ... لقد حدث كلّ ذلك بمناسبة تفتح الباقة الأولى لدورة الشاعر الراحل منوّر صمادح بتوزر حيث أن أهلها الطيبين كلّما عادت مهرجاناتهم الأدبية التفوا حولها مشجعين دون كلل او ملل خاصة وقد اكتشفنا أشياء جديدة في الواحات الغناء وكذلك في منطقة « الهوادف» الأثرية ذات الطابع التقليدي نعم لقد كان بحقّ ملتقى توزر مهرجانا للإبداع والحبّ والتلاقي في ربوع توزر الدقلة في عراجينها التي غازل فيها الشعراء القمر والشهب فكتبوا ورقصوا على نخب عراقة « توزروس» الرومانية خاصة وان سحرها يفنيهم ويشرّدهم ... فما أروع توزر حين عانقت الروعة واختزلت مواجعنا وارهاصاتنا في هذه الدورة الأدبية التي خضّبت كفّ عروس الواحات بحنّاء أرواحنا وبحبر الأقلام المزهرة بالقصائد التي ترقص على وقع الخطوات ... وما أحلى أن نعيش الحلم في يقظة ... فمعنى ذلك أننا نواصل ونتواصل مع الشعراء الشبان الذين يلعبون لعبة الشعر والإبداع في الهواء الطلق فجاءت اشعارهم ايقاعا واحدا متجانسا كما تضرب أجراس الكنائس كلّها في وقت واحد بكلّ حماسة الأطفال وعنفهم وبراءتهم ... أجل لقد كان حبّ توزر لجميع الضيوف شرسا ووحدهم المبدعون يدركون مامعنى شراسة الحب ولعلّ البعض من الأصدقاء سألني كيف أعطي توزر حقّها في الشعر؟ وأنا بدوري عاجز عن إهدائها شعرا طالما هي خلاصة الشعر فهي الشعر كلّه .. وهل تحتاج الجنة الى غصن أخضر يضاف اليها ؟ لذلك سأكتفي بالقول في أولى مذكراتي هذه لتبقى توزر على الدوام صديقة دائمة لجموع الشعراء وشمعة تضيء بضوء الفرح والأمل والحب معا ... أجل ايقي دائما الى جانبنا نحن الذين ننتظر منك أن تبدعي وتجدّدي وكذلك لتخرجي عن السائد والمألوف من أجل أن تظلي ثابتة في الساحة الفكرية بالبلاد التونسية كالنخلة في الصحراء ونجمة تتلألأ في سماء الإبداع في انتظار اطفاء شمعة عيد ميلادك الأدبي القادم ... فيا سادتي المشرفين على تنظيم ملتقيات توزر الأدبية سوف لن أقتصر على القول : شكرا لأنكم أضأتم لنا كلّ القناديل المطفأة ... فقط سوف أقول هنيئا لنا ولكم بهذه الأعراس الثقافية الدائمة ...وما أروعكم أنتم من جعلتم قلوبكم بحجم مدينة توزر وسجلوا لديكم أنه لا مفرّ لنا من المشاركة في مهرجاناتكم الأدبية التي كثيرا ما تلامس الروعة خاصة حين يعانق القصيد النخيل في أرض الجريد فكلّ عام وتوزر الإبداع والتألق بألف خير في انتظار تصفّح ورقة جديدة من مذكرات عائد من الجريد .