بسبب الربط العشوائي واستنزاف المائدة المائية .. قفصة تتصدّر خارطة العطش    بنزرت .. إجراءات لمزيد تعزيز الحركة التجارية للميناء    قانون الفنان والمهن الفنية ...مشروع على ورق... هل يغيّر وضعية الفنان؟    خبير في التربية : ''تدريس الأولياء لأبنائهم خطأ ''    وزارة الصناعة : ضرورة النهوض بالتكنولوجيات المبتكرة لتنويع المزيج الطاقي    المنستير: إحداث أوّل شركة أهليّة محليّة لتنمية الصناعات التقليدية بالجهة في الساحلين    بنزرت .. مع اقتراب موسم الحصاد ...الفلاّحون يطالبون بفك عزلة المسالك الفلاحية!    سليانة .. انطلاق موسم جني حب الملوك    الليلة الترجي الأهلي في رادس...الانتصار أو الانتصار    مدير عام الغابات: إستراتيجيتنا متكاملة للتّوقي من الحرائق    بلاغ مروري بمناسبة مقابلة الترجي والأهلي    أخبار الترجي الرياضي .. تشكيلة مثالية للإطاحة ب«الأهلاوية»    بنزرت: جلسة عمل حول الاستعدادات للامتحانات الوطنية بأوتيك    عاجل/ البحث عن 23 مفقودا تونسيا شاركوا في عملية 'حرقة' من سواحل قربة    صفاقس: المناظرة التجريبية لفائدة تلاميذ السنوات السادسة    كأس تونس: النجم الساحلي يفقد خدمات 4 لاعبين في مواجهة الأهلي الصفاقسي    تضم منظمات وجمعيات: نحو تأسيس 'جبهة للدفاع عن الديمقراطية' في تونس    الحماية المدنية: 8 وفيّات و 411 مصاب خلال ال 24 ساعة الفارطة    هذه القنوات التي ستبث مباراة الترجي الرياضي التونسي و الأهلي المصري    ''غرفة المخابز: '' المخابز مهددة بالإفلاس و صارت عاجزة عن الإيفاء بإلتزاماتها    ليبيا: إختفاء نائب بالبرلمان.. والسلطات تحقّق    عاجل/ القسّام: أجهزنا على 15 جنديا تحصّنوا في منزل برفح    نهائي دوري ابطال إفريقيا: التشكيلة المتوقعة للترجي والنادي الاهلي    والدان يرميان أبنائهما في الشارع!!    طقس اليوم: أمطار و الحرارة تصل إلى 41 درجة    ضمّت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرا في السينما العربية في 2023    ألمانيا: إجلاء المئات في الجنوب الغربي بسبب الفيضانات (فيديو)    قانون الشيك دون رصيد: رئيس الدولة يتّخذ قرارا هاما    إنقاذ طفل من والدته بعد ان كانت تعتزم تخديره لاستخراج أعضاءه وبيعها!!    جرجيس: العثور على سلاح "كلاشنيكوف" وذخيرة بغابة زياتين    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    منوبة: إصدار بطاقتي إيداع في حق صاحب مجزرة ومساعده من أجل مخالفة التراتيب الصحية    قابس: تراجع عدد الأضاحي خلال هذه السنة مقارنة بالسنة الفارطة (المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية)    تفكيك شبكة لترويج الأقراص المخدرة وحجز 900 قرص مخدر    كاس تونس لكرة القدم - نتائج الدفعة الاولى لمباريات الدور ثمن النهائي    الكاف: انطلاق فعاليات الدورة 34 لمهرجان ميو السنوي    مدرب الاهلي المصري: الترجي تطور كثيرا وننتظر مباراة مثيرة في ظل تقارب مستوى الفريقين    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    نحو 20 بالمائة من المصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم يمكنهم العلاج دون الحاجة الى أدوية    تضمّنت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرًا في صناعة السينما العربية    أولا وأخيرا ..«سقف وقاعة»    القدرة الشرائية للمواكن محور لقاء وزير الداخلية برئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    دقاش: افتتاح فعاليات مهرجان تريتونيس الدولي الدورة 6    معلم تاريخي يتحول إلى وكر للمنحرفين ما القصة ؟    غدا..دخول المتاحف سيكون مجانا..    اليوم.. حفل زياد غرسة بالمسرح البلدي    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يدعم انتاج الطاقة الشمسية في تونس    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    خطبة الجمعة...الميراث في الإسلام    روعة التليلي تحصد الذهبية في بطولة العالم لألعاب القوى لذوي الاحتياجات الخاصة    بطاقة إيداع بالسجن في حق مسؤولة بجمعية تُعنى بمهاجري دول جنوب الصحراء    فرنسا: الشرطة تقتل مسلحا حاول إضرام النار بكنيس يهودي    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    التوقعات الجوية لهذا اليوم…    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"عبد الحميد الجلاصي" (نائب رئيس حركة «النهضة») ل«التونسية»: «التنبير» لا يخدم البناء والانتقال الديمقراطي سننتصر ...في الانتخابات القادمة وفي السجن، نكّلوا بنا وقطعوا أرزاقنا وحاولوا تطليقنا من زوجاتنا
نشر في التونسية يوم 05 - 05 - 2012


قريبا تتحرك آلة الإنتاج وتتحقق وعود «النهضة» للشعب
نتفهّم استعجال الناس.. لكنّنا لا نتفهم استعجال النخب

ضيفنا اليوم هو عبد الحميد الجلاصي، نائب رئيس حركة «النهضة» والمشرف على الحملة الانتخابية للحركة وحافظ أسرار فوزها. ضيفنا قضى 17 سنة في السجن وعانى ويلات التعذيب والقمع، ذكريات الماضي الأليمة لا تزال تلاحقه إلى اليوم وبدت أثارها واضحة في صوته الذي بح ّجراء التعذيب والسجن الانفرادي ومع ذلك قال : «كنا نناضل وحققنا بعض المكاسب حتى داخل السجون».
التقيناه في حوار مطوّل ننشره على جزأين، حدثنا خلاله عن سنوات القمع وكشف لأولّ مرة خبايا سنوات السجن والتعذيب ،كما كشف خصيصا ل «التونسية» ابرز ما كانت تخطط له حركة «النهضة» إبان الخروج من السجن وقبيل سقوط النظام ،وكيف كانت ستعلن عن وجودها في ظل نظام بن علي والسيناريوهات المحتملة ، كما حدّثنا عن وعود «النهضة» وأبرز ما سيتحقق للتونسيين .
زرنا مقرّ «النهضة» ، كان مكتب الاستقبال يعجّ بالزوار بين من يريد حلا لمشكلته الاجتماعية وبين من يريد تبليغ شكوى أو تشغيل إبنه ،فكل من ضاقت به السبل قدم على أمل تبليغ صوته ،بل هناك حتى من عجزت عن تزويج ابنتها بسبب الفقر فقدمت أملا في المساعدة. كهول ، وشباب و نساء وشيوخ كانوا جالسين في قاعة الاستقبال بحثا عن حلول...
لحظات التأمل قطعها وصول ضيفنا وبينما كنّا بصدد الصعود إلى مكتبه قال:» نستقبل يوميا عشرات الزوار من كل حدب وصوب ،ورغم أن أغلب ملفات هؤلاء ليست من مشمولاتنا فإننا نستمع إليهم ونوّجههم إلى الوزارات المعنية.
الحوار كان شاملا تناول جل المواضيع المتعلقة بحركة «النهضة» بدءا بسنوات التعذيب والسجن وصولا الى دفة السلطة .
سمعنا الكثير عن سنوا ت السجن والتعذيب وأكيد أن 17 سنة سجنا كانت مليئة بالأحداث وحتى بالحوادث المؤلمة فماذا بقي من ذكريات «الماضي»؟
البعض يعتقد أن شرارة الثورة إندلعت يوم17 ديسمبر وتم تتويجها يوم 14 جانفي، هذا جزء من الحقيقة ولكن ليس كل الحقيقة، لأن الثورة تتويج لعدة تراكمات ولجهاد سنوات طويلة في الحركة الطلابية والعمالية وفي الحركة السياسية. سأتحدث عن دورنا في حركة «النهضة». فقد تعرضنا لمحاولة استئصال واجتثاث طالت جميع جوانب الحياة ليس فقط السياسية بل حتى الأسس الثقافية والاجتماعية ،وحتى العلاقات العائلية. ففي عهد بورقيبة كان التعامل مع السجين بمجرد خروجه من السجن يتم بطريقة يمكن القول أنها «حضارية» يعني ان السجين ينتظر خروجه من السجن ليعود للعائلة، والسجين تتوفر له أقدار من الرعاية الصحية والكتب والجرائد والاحترام وخاصة بالنسبة للمساجين السياسيين وكان ذلك تحديدا في فترة الثمانينات ربما من سجن سابقا تعرضوا لمعاملات مختلفة. لكن في عهد بن علي أصبح السجن مركزا من مراكز التعذيب ،وجزءا من استراتجية الإذلال والإهانة،فالتعذيب يطال الجانب الجسدي والصحي والعائلي ويقوم على التغريب لقطع الروابط الاجتماعية والأسرية. التعذيب طال الجانب النفسي لمساجين الرأي العام بالتعرية، والتجويع لأن الطعام كان رديئا للغاية و يطال أيضا التجهيل فقد حرمنا لسنوات من الصحف والكتب وجهاز التلفزة، أي هناك إستراتيجية كاملة لإحداث الفراغ حول السجين ليستسلم للآلة القمعية للسلطة. التعذيب طال الأبعاد الإنسانية حيث يمنع «سجينين» من حركة «النهضة» من البقاء في نفس الغرفة ،أو التحدث مع بعضهما وحتى مع مساجين الحق العام. بعض الممارسات كانت تقوم عل التحريض على التحرّش الجنسي من بعض مساجين الحق العام وهذه الصفحة الكبيرة من تاريخ تونس لا بد أن تكتب من جديد، وقد توّرطت في هذا المخطط أطراف متعددة،جهاز الأمن ومساجين الرأي العام. وحتى مخرجين تونسيين،وهناك مخرج تونسي معروف قال إنه تحاور مع مساجين الرأي العام والحقيقة أنه كان هناك برنامج كامل لغسل أمخاخ مجموعة من المساجين السياسيين ساهم فيه مخرجون من تونس بهدف تطويع المساجين.
ما لا نعرفه عن سنوات الجمر والتنكيل والقمع؟
البشر لديه طاقة كبيرة على التأقلم والمقاومة ،فظروف السجن وفي فترات بعض الوزراء كانت جحيما لا يطاق،وفترات بعض الضباط ممن أحالهم وزير العدل مؤخرا على التقاعد كانت من أسوأ الفترات ولو سألنا آلاف السجناء عن رأيهم سيروون الكثير من الفظا عات .
لكن مع ذلك حققنا بعض المكاسب داخل السجون وكلّ مكسب حققناه دفعنا ثمنه غاليا ،بالتصميم والنضال. أتذكر كيف قمنا بإضراب جوع استمر لأكثر من 50 يوما وسميناه «الأمعاء الخاوية» وهدفنا كان الحصول على الحدّ الأدنى من المكاسب الاجتماعية وطالبنا بإدخال الصحف وبعد إضرابات متعددة أدخلوا إلينا الصحف إلى الزنزانات وجادت مخيلتهم بفكرة حيث كانوا يقطعون المقالات التي فيها بصيص أمل وقد تكون مفرحة بالنسبة إلينا وكلّما وجدنا مقالات محذوفة نسعد لأننا ندرك أن هناك حراكا في البلاد بل أكثر من ذلك في فترة من الفترات تمّ منع «المصحف» من السجون التونسية ،وعندما نجد غرفة فيها 20 سجينا إسلاميا فإن تهريب مصحف كان مكسبا كبيرا ونجحنا في ذلك .ورغم عدم توفر الأوراق و الأقلام فقد تمكنا من إدخالها ،اغلبنا لا يدخنّ ولكننا كنا نحصل على علب السجائر لنكتب عليها أو علب الحليب لنسجل «القرآن» ونتمكن من إكمال بعض الآيات ،فأمام حجم القمع كان للبشر القدرة على ابتكار وسائل للمقاومة. فمثلا كان لديّ برنامج لإكمال كتاب التنوير في ظرف سنة وكنا مع مساجين الحق العام فطالبت بوضعي في العزلة في زنزانة إنفرادية وطالبت بتلفزة فضحك نائب المدير وقال لي متهكما «تلفزة في العزلة؟» فقلت له نعم ،وما العجب في ذلك وبعد سلسلة من الإضرابات ورفض الزيارة وضغط زوجتي من الخارج جلبوا لي جهاز التلفزة ،وكانت تلك الحادثة من أغرب ما وقع في السجن وكان ذلك سنة 2006 . كنا نعي أن نضالنا كان يندرج ضمن معركة بلاد ،والدليل أنه رغم وجود عشرات الآلاف منا في السجون لم يتحصل ولو شخص واحد على «العفو» ليخرج ذليلا.
كيف حاول النظام السابق إستمالتكم و«ترويضكم» ؟
كنا شبابا فينا الطالب والموظف وهناك من عائلته لا عائل لها ولا مورد رزق وراودونا للحصول على «امتيازات» والعفو والخروج بلا كرامة لكنّنا حافظنا على رصيدنا وهو ما سمح لنا بالصمود.
وهناك من يخرج من السجن وبمجرّد خروجه وفي نفس الأسبوع يعود للعمل السرّي،وهو يعرف مسبقا أن سجون بن علي مفتوحة على مصراعيها لكنه يعود ليناضل في هيئة 18 أكتوبر،وكنا ننشط في المجال الحقوقي ولإحياء التنظيمات من جديد ولترميم المعنويات ولزرع بذور التفاؤل . هناك حملات استهدفت «نساءنا» من خلال إرغامهن على تطليق أزواجهن فمن تريد الحصول على عمل يكون المقابل الطلاق، وكان يقال: « سنزوجك من «سيّده»» لكن نساءنا وهذا ربما أقوله لأول مرة شرفوا تونس فقد كانت لديهن قدرة كبيرة على المقاومة والوفاء رغم أن هناك من حكم عليه ب20 سنة سجنا ولم يمض على زواجه سوى شهرين ومع ذلك انتظرته زوجته .
بل أكثر من ذلك كانت هناك محاولات لمنع أهلنا وزوجاتنا من زيارتنا فمن هو من نابل يضعونه في أبعد سجن يعني حتى التنقل لزيارته يكون صعبا للغاية ، نظام القمع أسوأ ما يوجد فيه أن الجميع يتجسس على الجميع ،في السجن كان الأعوان يتجسون على الأعوان والمساجين تتجسس على المساجين ، فداخل السجن يضعونك مع مساجين الحق العام ممن يقضون 24 ساعة للتجسس عليك، فكل من حولك «يتجسس» على الآخر والهدف قطع جميع السبل أمام السجين . لكن البشر يبتكر دائما الوسائل للوصول للمعلومة، فمثلا أنطقنا الجدران من خلال نبضات معينة نفهمها بيننا، ونتفق على طريقة للتواصل ولإيصال المعلومات ،كانت المعلومات شحيحة لكن مع ذلك نحاول أن نكتشف بعض الأمور ونواكب التطورات.
بعد مغادرة السجون كيف كانت تحركاتكم وأين كانت حركة «النهضة» قبيل الثورة ؟
اغلبنا غادر السجون وآخر فوج خرج كان سنة 2008، بإستثناء الصادق شورو خرج ثم حكم عليه بسنة سجن إضافية. كنا ننشط في الخفاء وساهمنا في تحالف 18 أكتوبر وكنا موجودين في الحراك الحقوقي لبعض الجمعيات مثل جمعية المساجين السياسيين وجمعية «حرية وإنصاف» ،وكنا ننشط ضمن عمل سري داخلي، ذي طبيعة تنظيمية وكنا موجودين خاصة ضمن نخبة قيادية كانت تشتغل منذ 2006 لتجديد مشروع الحركة ليس فقط على الصعيد التنظيمي بل حتى السياسي وكوّنا لجنة سميناها «لجنة الاستشراف». هذه الحركة نظرت في الإستخلاصات الأساسية لعمل الحركة طيلة سنوات أي من المنشأ وقمنا بتقييم تجربتنا على جميع الأصعدة وكانت لنا الشجاعة للتحدث عن سلبيات الحركة ،ونحن لا نخجل من الوقوف أمام المرآة وهناك إطاراتنا بالمهجر كانوا أيضا يقومون بنفس المجهود. كنا نتابع الأوضاع العامة في البلاد والمنطقة وتطوراتها،فبلادنا كانت قائمة على دولة «متغولة» ومجتمع متفكك ،كنا نعرف ان المجتمع ضعيف والمعارضة ضعيفة وبرنامج البلاد غير قوي بل قوتها كانت في استنادها على الجهاز القمعي .وكنا مدركين أنه بالضغوط الدولية وبوجود مقولة الحريات سيكون هناك حراك و«إعتراض» خاصة بعد شيوع الفساد وهو مؤشر من مؤشرات زوال النظام، ولكن هذا الأمر كان بالنسبة إلينا يتطلب بعض الوقت .
ماهي أبرز برامجكم في تلك الفترة وهل ساعدتكم الثورة في تحقيق بعض الأهداف؟
عملنا كان منصبّا على التحليل ثم الاستشراف وهذا ابرز ما اشتغلنا عليه في مشروعنا لسنة 2009 ،كنا نعمل على عدة نقاط: كيف نستأنف نشاطنا السياسي والصيغ التنظيمية التي سنتواجد بها وكنا ندرك أنه فرضت علينا أوضاع «السرية» لكن مشروعنا لم يكن سريا ولم نكن سنخجل به لأنه كان لجميع التونسيين ،صحيح كنا تحت المراقبة لكن كان هناك فكر يشتغل وكنا نعرف أننا سنصل وسنعلن عن أنفسنا وبرنامجنا في جوان 2011 وكنا سنعقد مؤتمرا لحركة «النهضة» والعودة للنشاط حتى قبيل سقوط بن علي وليكن ما يكن وخططنا للظهور السياسي العلني وكان أمامنا خياران: إما الزّج بالبعض منا مجددا في السجون أو حصول رجة وإرباك بن علي والقضية كانت ستصل إلى المنظمات الدولية وبالتالي ستزعزع بن علي فإن استسلم أمام الضغوط الخارجية سنتقدم خطوة خطوة وكان عملنا منصبا على فترة لا تقل عن 5 سنوات لاحقة لكن الثورة عجلّت ببرنامجنا وفاجأتنا كما فاجأت الشعب التونسي ولكنها عجلت بظهورنا للعلن .
كنا نجتمع في أكثر من مكان وهناك منازل في سوسة (حوالي 5 منازل) فتحت لنا أبوابها ولا بد أن يكون أهلها في ذاكرة الحركة الوطنية و سيأتي يوم سنكرم أصحابها لأنهم فتحوا بيوتهم لنا في الفترات الحرجة وكان لهم الفضل في استمرار الحركة ومكنونا من الاجتماع وإنجاز برامجنا، معرضين أنفسهم لعدة مخاطر،كنا نلتقي أنا وحمادي الجبالي وعلي لعريض والصحبي عتيق وعديد الأسماء ...ولم يكن من السهل ان نجتمع ولكن الحركية الفكرية والسياسية والتنظيمية للحركة فرضت هذه اللقاءات السرية وهنا سنجيب عن سؤال يردده التونسيون :أين كانت حركة «النهضة»؟ وكيف صعدت بسرعة للسلطة ؟
الناس في حركة «النهضة» لم يكونوا نائمين كنا نشتغل لكن الثورة فاجأت الجميع وكنا في سيرورة تهم البلاد بصفة عامة ونعرف ان الاستبداد سيسقط في يوم ما ،كان العقل يقول خطوة خطوة وكنا سنفتح فجوات بالضغط وبالسجن لمزيد تسليط الضغوط على نظام الاستبداد وجاءت الثورة وقطعت الوضع وفتحت آفاقا أخرى.
فالناس الذين كانوا يجتمعون ويناقشون وكانوا مهيئين تنظيميّا وجدوا أنفسهم في مناخ آخر لكن لديهم الحد الأدنى من الأوعية التنظيمية والانسجام ،رغم أن نظام بن علي راهن على إيجاد فجوة بين الصديق وصديقه والزوج وزوجته لكننا نجحنا في التوافق فعندما توضع في غرفة تكون فيها لأكثر من 23 ساعة أمام شخص نختلف أحيانا ونتخاصم وتحدث مناوشات لكن في الجوهر حافظنا على علاقات الأخوة وحافظنا على وجوب تجاوز حدود السجن الضيق. وأكبر شحنة كانت العقيدة، ففي إحدى السنوات سجنت حتى زوجتي ولم يكن لدي اي علم و انقطعت الأخبار والرسائل وكنت في سجن قفصة ، وأي إنسان في تلك اللحظات كان يمكن أن تراوده أفكار حول «الانتحار» لكن ما يجعلك صامدا هو الإيمان الحقيقي فالحياة كم ستتدوم؟ وما دام يوجد «حق» وسمعة الإنسان نظيفة فالإنسان يصمد. فحركة «النهضة» لم تهتم بالماضي ،لم تحاسب الجلادين ولم تقم بتصفية حسابات الماضي لكنّنا يوم 14 جانفي وحتى في ديسمبر 2011 أنجزنا الكتيب الأزرق «تونس كما نراها»، نظرنا في مشاكل البلاد وهي مقاومة الاستبداد والقضاء على الفساد ،التنمية المتوازنة ،هذا هو برنامجنا والبقية تأتي رويدا رويدا.
بعد تسلم مقاليد السلطة ماذا حققت «النهضة» إلى حد الآن خاصة وأن البعض يعتبر أن تقدمكم بطيء للغاية؟
الانتخابات كانت في أكتوبر لكن الحكومة تسلمت فعليا السلطة في ديسمبر، يعني مرت 4 أشهر فقط على تسلمنا السلطة ،في الواقع أتفهم استعجال البعض من عامة الناس لنيل بعض الاستحقاقات لكن ما لا أتفهمه هو الإستعجال الخاص بالنخب والمثقفين لأنهم يدركون أن الزمن عامل مهم في التحولات ولا بد من ميزانية وقانون مالية ثم إن أغلب الوزراء جدد ولا بد من دراسة الملفات ،لا بد من تحسّس الأوضاع، ففي شهري جانفي وفيفري كانت الاعتصامات في كل مكان وبعض الجهات في جهاز الدولة توشك أن تتمرد يعني كان المهدد ليس الحكومة بل الدولة في حد ذاتها ثم إن التجاذبات السياسية والإيديولوجية تتغذى من الاحتقان بعضه كان مبررا ، لكن هناك من كان يتغذى وأحيانا يغذي التجاذبات .
أهم شيء حققناه حاليا هو أن الأوضاع بدأت تتجه نحو الاستقرار رغم أن الوضع ما زال هشّا ثم ان الحكومة وأخيرا نجحت في شيئين: أولا حددت دليل سير بالنسبة للبلاد سيسلّم بمقتضاه الثلاثي الحاكم السلطة بعد سنة من الآن إلى من ستفرزه صناديق الاقتراع ووفقا لدستور البلاد ، كما أن الأعمال الخاصة باللّجان التأسيسية تتقدم وكثير من اللّجان توشك على إنهاء أشغالها.
ثم والأهم هو ان الحكومة حددت جملة من الأولويات واتخذت بعض الإجراءات كالتحكم في الأسعار، التشغيل، المشاريع حسب الجهات ،ففي القريب سنرى آلة الإنتاج تتحرك بطريقة محسوسة بما يسمحه الظرف وبما تتيحه السنة، أخيرا سنرى المصانع تشتغل، وتوجد مبدئيا بعض المؤشرات الإيجابية حول الموسم الفلاحي والذي نأمل أن يكون جيدا، كذلك الموسم السياحي نأمل أن يكون واعدا، الجائع ينتظر رائحة الطعام والآن الطعام جاهز بعد أن اتضحت خارطة الطريق فلتشمر سواعد أبناء تونس للعمل،لأن التونسيين سيشعرون بالجدية والصدق وآمل أن تضع كلّ مكونات المجتمع اليد في اليد وتتوحد.
ماذا عن تواتر تصريحات بعض القياديين من «النهضة» حول الفوز في الانتخابات القادمة؟
الانتخابات قادمة ومن لديه برنامج لإسقاط «النهضة» لديه الانتخابات فليجهز نفسه و«النهضة» أيضا ستجهز نفسها مثلها مثل بقية الناس والكسب الكبير هو ترسيخ قاعدة التداول وليس من جاء أولا أو من جاء في المرتبة الثانية نريد مناخا ديمقراطيا ليصبح التداول على السلطة مسألة عادية مرة لي ومرة لك.
أنا اشرفت على الحملة الانتخابية لحركة، «النهضة» وأقول أيضا إننا سننتصر في الانتخابات القادمة لكن من خلال العمل لأنه لا بد لنا من ثقافة سياسية جديدة في البلاد فالمشهد السياسي التونسي لم يتأهل بعد لمثل هذه الثقافة السياسية الجديدة فعندما أقول سنكسب في الانتخابات القادمة بمعنى أننا سنتجنب السقوط في التصدعات ذات الطابع الإيديولوجي ، وسنتجنب السقوط في السبّاب والسبّاب المضاد،سنتجنب السقوط في أن «النهضة» ضدّ اتحاد الشغل وضدّ الإعلام ،سنعمل في الميدان وفي كل الانتخابات الميدان هو الذي يأتي بالنتائج، لدينا ثقة كبيرة في عملنا وسنعمل للبناء. «التنبير» لا يخدم البناء ولا يخدم الانتقال الديمقراطي ونحن سنبني وسنكون صادقين وأوفياء لوعودنا بالعقلية التوافقية التشاركية .
منهجنا في العمل هو ان تعبر عن رأيك بحرية لكن دون إيقاف العمل، شعارنا «اشعل شمعة بدل أن تبقى في الظلام» وهذا منهجنا وسيتضح في قادم الأيام اكثر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.