"نفاجأ كالعادة يا سيدي الرئيس بقرار جمهوري صادر عن رئيس الجمهورية المفدى في «جمهورية الموز»» هذه الجملة التي وردت على لسان محمود البارودي ممثل «التيار الإصلاحي» في المجلس الوطني التأسيسي، رُفعت بسببها «ديقاج» في وجهه وبسببها كذلك أثيرت أزمة داخل المجلس تخللتها مشادات كلامية انتهت برفع الجلسة. هذا الوصف أثار حفيظة العديد من نواب الائتلاف الحاكم وخاصة الذين ينتمون إلى حركة «النهضة» وحزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» فتعالى الصياح والتوتّر واحتد الضجيج والضرب على الطاولات في مشهد أقل ما يمكن أن يُقال عنه أنه أشبه بحلبة صراع تخلّلها تبادل للشتائم والسباب و«ديقاج»، فهل يسحب صاحب تعبير «جمهورية الموز» كلمته؟ سألناه فقال: «عندما يصبح لدينا رئيس حقيقي يمثل الشعب سأسحب كلمتي». «التونسية» اختارت في هذا العدد مصافحة محمود البارودي ممثل «التيار الإصلاحي» بالمجلس الوطني التأسيسي فكان لنا معه الحوار التالي والذي تحدّث فيه بوضوح عن موقفه من الحراك السياسي بالبلاد وتطرّق إلى موضوع إقالة محافظ البنك المركزي، وموقفه من إسناد التأشيرة ل«حزب التحرير» وكشف بوضوح أسباب وملابسات وصفه للبلاد ب"جمهورية الموز". بداية كيف تقيّمون المشهد السياسي الحالي؟ لا بدّ من القول إنّ الوضع السياسي يتسم بالتوتر ويطغى عليه الارتجال في بعض المواقف والقرارات من طرف السلطة التنفيذية وكذلك من طرف «الترويكا» الحاكمة وهو ما يزيد الأمور تعقيدا وقد لاحظنا في الفترة الأخيرة قرارا جمهوريا لا يستجيب لا شكلا ولا مضمونا لأي مستند قانوني وهذا القرار هو عزل محافظ البنك المركزي مصطفى كمال النابلي حيث أن هذا القرار مخلّ شكلا ومخالف للفصل 26 من التنظيم المؤقت للسلط العمومية كما أن قرار تعيين الشاذلي العياري الذي جاء بدرجة أولى مخلاّ شكلا ومختلا مضمونا بدرجة ثانية وهو ما ساهم في تعقيد الأمور وتأزيم الوضع. ماذا تقول لكل من رفع «ديقاج» في وجه محمود البارودي بالمجلس التأسيسي بعد تصريحاتك الأخيرة التي أثارت استهجان بعض النوّاب؟ أقول له بأنه ليس أهلا لكي يكون عضوا في المجلس التأسيسي لأن حضورنا بالمجلس كان بإرادة الشعب الذي اختارنا ومن له الحق في رفع عبارة «ديقاج» هو الشعب لا غير وأودّ أن أشير إلى أنّ التلفّظ بهذه العبارة مع الأسف لا يشرّف النائب بدرجة أولى ولا يشرّف الحركة التي ينتمي إليها وأودّ أن أقول إن عبارة «ديقاج» التي أصبحت الخبز اليومي ل«التوانسة» والذين يمارسونها خارج المجلس الوطني التأسيسي، يمارسها اليوم ممثلون داخل المجلس وهو أمر مؤسف. أشرت في مناسبات عديدة إلى أن الانقسام داخل الأحزاب قد يكون إيجابيا كيف ذلك؟ إنّ الانقسام يُفرز بالضرورة مشهدا سياسيا جديدا ويقدم إفرازات جديدة حيث توجد أطراف لا تستطيع أن تشتغل مع بعضها البعض لذلك فهي تبحث عن أطراف جديدة من أجل تكوين قوى منسجمة. وحسب رأيي المعادلة أصبحت اليوم صعبة نوعا ما والأصعب من ذلك هو مسألة التوحّد حيث نشاهد اليوم قوى سياسية كبرى تفرض علينا الجلوس على طاولة النقاش من أجل خلق بديل للشعب التونسي، ف«التوانسة» ليس بإمكانهم أن يكونوا رهن حزب سياسي واحد. وبالتالي فإنه من الضروري تكوين قوة سياسية تكون قادرة على تعديل موازين القوى. كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن نوايا لضخ أموال والتي ارتبطت بإقالة محافظ البنك المركزي مصطفى كمال النابلي ما هو تعليقكم؟ مسألة ضخّ الأموال من الممكن أن يكون فيها بعض التأويل ولكن في المقابل المسألة الأساسية هي أن البنك المركزي سلطة في البلاد و«النهضة» تحاول أن تسيطر على كل دواليب الدولة وعلى كل مفاصل الدولة وخاصة الإعلامية والسياسية والمالية فنحن نلاحظ اليوم أن حركة «النهضة» تحاول السيطرة على سلك هام كسلك القضاء بكل الطرق حيث أن السلطة التنفيذية تريد أن تفرض هيمنتها وفي ذلك محاولة للسيطرة وعندما تريد السلطة التنفيذية السيطرة على كل أجزاء الدولة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب من خلال تعيين ولاة ومعتمدين فإن في ذلك محاولة للسيطرة على مفاصل الحياة السياسية في تونس وعندما تريد كذلك حركة «النهضة» تغيير محافظ البنك المركزي فهي تريد السيطرة على السلطة الرابعة وهي السلطة النقدية وبالتالي فإن حركة «النهضة» على وشك استكمال سيطرتها على كل مفاصل الدولة وهو أمر خطير ونرفضه فنحن نطالب اليوم بدعم استقلالية السلطة النقدية. وللأسف فإنّ السلطة التشريعية قامت بإقصاء محافظ البنك المركزي من أجل تقديم الولاء لحركة «النهضة». أشرت في مداخلتك بالمجلس التأسيسي إلى أننا في دولة الموز مادام المرزوقي لا يمثل إلاّ نفسه ولا يستطيع التحكم في أيّ شيء، لو توضّح؟ مع الأسف فإنّ ما تشهده الساحة السياسية خلال الفترة الأخيرة يجعلنا نعتقد حقيقة أننا فعلا في دولة الموز لأن دولة الموز هي دولة لا تحترم مؤسساتها وغير مستقرة سياسيا وهي دولة تحكمها دمى تحركها أصابع خفية سواء كانت داخلية أو خارجية، وبالتالي يمكن التذكير ببعض القرارات في هذا الشأن على غرار ترحيل البغدادي المحمودي بدون علم رئيس الجمهورية ثم قرار إحالة محافظ البنك المركزي الذي أتى بصفة فردية وكأنه جاء في شكل صفقة سياسية بين حركة «النهضة» ورئيس الجمهورية لإرضاء رئيس الجمهورية، وكذلك القرار الجمهوري بتعيين الشاذلي العياري محافظا للبنك المركزي والممضى منذ 11 جويلية في حين تمت إقالة مصطفى كمال النابلي يوم 18 جويلية وفي هذا القرار خرق للقانون وخرق صارخ للتنظيم المؤقت للسلط العمومية. كنت قد أشرت إلى أن الرئاسة والحكومة تحركهما أطراف أخرى، لو توضّح ذلك؟ الرئاسة والحكومة عرائس تتحكم فيها أطراف داخلية وأجنبية. هناك أطراف عديدة شككت في استقلالية القضاء العسكري، ما تعليقكم؟ نعتقد أن المحاكمات العسكرية لم تكن منصفة بدرجة كبيرة لعائلات الشهداء والجرحى وذلك يعود إلى انعدام الأدلة وبالتالي فإن مقاطعة عائلات الشهداء والجرحى لبعض الجلسات على غرار ما حصل بمحكمة الكاف تفضي بنا إلى القول بضرورة توفير ظروف محاكمة عادلة في المحاكم العسكرية وفي هذا الصدد نحن نحذر من مسألة المحاكم الاستثنائية، ولابد أن يطلع الشعب التونسي على تفاصيل محاكمات كل من تورط في قضية شهداء وجرحى الثورة وكنا قد تقدمنا بهذا المطلب ولكن لم يتم التعامل معه بجدية وتم التهاون فيه ونحن نطالب بنقل هذه المحاكمات ليكون الشعب شاهدا على هذه المحاكمات سواء كانت عادلة أو غير عادلة. هناك من الناشطين السياسيين من ذهب الى القول بأنه ليس للحكومة عهد ولا ميثاق ومن المفروض إقالتها وليس إقالة محافظ البنك المركزي... ما تعليقكم؟ إن تذبذب القرارات بين رئاستي الحكومة والجمهورية غير لائق بالمرة. صرّح الحبيب خضر عضو ب «التأسيسي» بأن ما قاله البارودي أخطر من حادثة انزال العلم الوطني وطالبك بالاعتذار فهل سيعتذر محمود البارودي ويسحب «جمهورية الموز»؟ أنا لن أعتذر وكان أجدر بالحبيب خضر أن يراجع المعجم السياسي ويطلع على مصطلح «جمهورية الموز» وماذا نقصد بجمهورية الموز. وتصريحه بأن ما قلته أخطر من حادثة انزال العلم غير مبرر لأنه لم يندّد بالمرة عندما تم إنزال العلم وكان موقفه سلبيا فهو لم يطالب بإيقاف من أنزل العلم عند حصول الحادثة وأدعوه الى التثبت من المعلومات ومراجعة دروسه. إسناد التأشيرة الى «حزب التحرير»، كيف يمكن قراءة هذه الخطوة من طرف الحكومة؟ شيء ايجابي أن تنخرط الأحزاب السياسية في العمل السياسي ولكن شريطة أن تؤمن بالديمقراطية وتلتزم بالمبادئ الأساسية للعمل الديمقراطي في تونس ونتمنى أن يمارس رضا بلحاج عمله السياسي بكل ديمقراطية. بعد الإشكال الذي جدّ حول تعيين الشاذلي العياري محافظا للبنك المركزي برأيك هل سيتم التراجع عن هذا القرار؟ فعلا هناك نوايا للتراجع عن اسم الشاذلي العياري بعد الضجة الإعلامية التي وقعت مؤخرا. إذن من المرشح حسب رأيك؟ هناك توجهات نحو تعيين السيد غازي بوليلة محافظا للبنك المركزي وبعض الأسماء الأخرى. بماذا تنصح حركة «النهضة»؟ ننصح حركة «النهضة» بأن تعيّن شخصا لا يكون أقل كفاءة من النابلي وأنصح بالابتعاد عن الولاءات الحزبية في التعيينات السياسية والمهم أن تبنى القرارات على الكفاءة وليس على الولاء. بالنسبة إلى التحوير الوزاري هل لديكم معلومات حول الوزراء المرشحين للخروج؟ هناك معلومات حول إقالة وزيرة البيئة ووزير التجارة والصناعة.. ماذا أعددتم بالنسبة إلى المحطة الانتخابية المقبلة؟ هناك نوايا لتوسيع الائتلاف من أجل تكوين إئتلاف سياسي انتخابي كما «أن الهدف من توسيع الائتلاف أن نضمن الثلثين لتمرير الدستور في المجلس الوطني التأسيسي وتكوين ائتلاف من أجل خوض مرحلة الانتخابات القادمة. كلمة الختام؟ أطالب نواب «النهضة» و«المؤتمر» بالاعتذار لأن «الجاهل لا يعذر بجهله» كما أطالب المقرر العام للدستور بالاعتذار عن جهله.