رشوة، «محسوبية»، أسعار خيالية، ودائما يبقى المواطن هو الضحيّة، ضحيّة تجاوزات البعض من أصحاب مدارس تعليم السياقة، فهذا يعتمد تعريفة محددة تستجيب لميزانية المواطن البسيط أما البعض الآخر فتراه يبحث عن تحصيل أرباح طائلة همه الوحيد ابتزاز جيب المواطن واستنزافه حتى آخر خيط، وبين هذا وذاك يقف التونسي محتارا أحيانا وملتاعا أحيانا أخرى من لدغات أصحاب المهنة. وأمام رغبة الكثيرين «الملحة» في تعلم السياقة تمثل تكاليف الحصول على الرخصة عائقا أمامهم فبين من أنهكته مصاريف التدرّب وبين متردّد على خوض هذه التجربة ومن يئس من الحصول على الرخصة، يبقى السؤال المطروح كم يتكلف «البيرمي»؟ «التونسية» نزلت إلى الشارع وحصلت على الإجابة: كان ينتظر دوره بفارغ الصبر، تارة يلتفت يمينا وتارة ينظر شمالا، بدت على وجهه علامات الحزن واليأس، هو محمد الطرابلسي (26 سنة) اقتربنا منه فأجاب بصوت يائس «هذه حكايتي مع البيرمي» ثم تنهّد وقال: إنه كثيرا ما يتردد على مدارس تعليم السياقة حتى أن تكلفة البيرمي وصلت إلى حدود 900 دينار وإلى هذه اللحظة لم يتمكن من الحصول على الرخصة، وذكر محمد عمليات الابتزاز التي تعرّض لها خلال محاولاته اجتياز الامتحان على غرار تعمّد صاحب مدرسة لتعليم السياقة الترفيع في سعر الساعة والتي تصل إلى حدود 18 دينارا. وغير بعيد عن حالة محمد قالت لنا ألفة المنحلي البالغة من العمر 31 سنة، إنّ تكاليف «البيرمي» باهظة جدّا وتفوق أحيانا الألف دينار واتهمت ألفة مدرسي تعليم السياقة الذين يعمدون إلى الترفيع في الأسعار مما يؤثّر على ميزانية المواطن. وأشارت إلى الاستغلال الفاحش الذي يعمد إليه كثير من أصحاب مدارس تعليم السياقة وذلك من خلال تعمدهم الترفيع في أسعار التكوين لجني أكثر ما يمكن من الأرباح دون أي اعتبار لإمكانيات المواطن المادية. وختمت ألفة قائلة: «فعلا لقد غابت الثقة بين المواطن وأصحاب مدارس تعليم السياقة». فاتورة باهظة محمد اللافي البالغ من العمر 40 عاما تذمر من المستوى المتدني لمدرسي السياقة مما يؤثر في التكوين الجيّد للممتحن وبالتالي تصبح فاتورة «البيرمي» باهظة جدا وتتكلف «غالية» للتونسي، وتساءل محمد عن دور أعوان المراقبة في هذا الصدد خاصة أن القطاع تشوبه العديد من التجاوزات والثغرات، واعتبر المتحدث أن تدني مستوى التكوين يؤثر على الممتحن وذكر ما تشهده طرقاتنا من حوادث يومية بسبب التكوين وقال: «إننا كثيرا ما نتحدث عن سلوكيات أصحاب السيارات لكن في أغلب الأحيان نتناسى الدور الكبير الذي تلعبه مدارس تعليم السياقة باعتبارها المسؤول الأول عن تعليم قوانين الطرقات». وشاطره الرأي السيد خميس المحفوظي البالغ من العمر 46 سنة قائلا: «إن الرخص أصبحت اليوم تتكلف غاليا حيث تفوق الألف دينار في حين أنها لم تكن تتجاوز ال100 دينار خلال السنوات الماضية». أما بن عيسى البالغ من العمر 68 سنة فقد حدثنا عن الطرائف التي مرّ بها واستحضر أهم ذكريات سعيه في الحصول على «البيرمي» وقال إن ساعة التعليم خلال الأربعينات لم تكن تتجاوز 700 مليم أما الرخصة فإنها لا تكاد تفوق 40 دينارا في حين أنها أصبحت اليوم تتجاوز 400 دينار بكثير وأشار بن عيسى الى انخفاض أسعار «البيرمي» خلال تلك الفترة والمستوى الجيد للمكونين والمدرسين في السياقة وفسر محدثنا هذا الارتفاع الحاصل في الأسعار بغلاء المعيشة وكثرة المصاريف وقال إن تحصيل أرباح طائلة أصبح اليوم هاجس كل التونسيين وخاصة أصحاب مدارس تعليم السياقة الذين يعمدون في كل يوم الى الترفيع في سعر ساعة التعليم. انخراطات وتجاوزات خطيرة أجمع كل من الشاب محمد بشار وسامي المار على الارتفاع المشط في أسعار تعليم السياقة خاصة بحلول فصل الصيف مشيرين الى أن تكلفة الساعة تصبح مضاعفة وبدل أن تكون في حدود امكانيات المواطن البسيط فإنها تتجاوزه بكثير. وأعرب كل من محمد وسامي عن استيائهما من ارتفاع تكلفة «البيرمي» الذي بات يشكل لدى المواطن التونسي «حلما صعب المنال». أما محمود بوعلاق البالغ من العمر 52 سنة فقد قال انه تحصل على رخصة السياقة سنة 1990 وكان آنذاك سعر الساعة الواحدة في حدود 3500 مليم وتكلف «البيرمي» 200 دينار. وأشار المتحدث الى التجاوزات الخطيرة في هذا القطاع على غرار «الرشاوى» التي باتت قيمة ثابتة لدى البعض من مدرسي تعليم السياقة حسب قوله حيث أن العديد من المترشحين يحصلون على رخص السياقة دون اجراء تكوين ودون اجتياز الامتحان وحمل محمود مسؤولية ارتفاع الأسعار الى المواطن باعتباره «متواطئا» في هذه العملية. أهل المهنة يوضحون وبما أنهم المسؤول الأول عن منح رخص السياقة يقف أصحاب مدارس تعليم السياقة في قفص الاتهام حيث يرى البعض من المواطنين أن ما يحدث من كواليس في مدارس تعليم السياقة ينم عن وجود تجاوزات خطيرة واشكاليات عديدة عادة ما يكون ضحيتها الممتحن. ولتسليط الضوء على هذه المشاكل اتصلنا ببعض أصحاب مدارس تعليم السياقة الذين أكدوا أن القطاع يشكو من مشاكل عديدة على غرار التعريفة الحرة لساعة تعليم السياقة الأمر الذي جعل عددا كبيرا من أصحاب مدارس تعليم السياقة يخفّضون في التسعيرة واعتبر بعضهم أن أغلب مدرسي تعليم السياقة لا يحققون الربح المادي المطلوب وغير قادرين على تغطية مصاريفهم مما يدفع بالبعض منهم الى توخي طرق ملتوية لتحصيل أرباح طائلة بالاضافة الى تعمد البعض من أصحاب مدارس تعليم السياقة عدم احترام كراس الشروط والتراتيب الجاري بها العمل. هذه أسباب ارتفاع تكلفة رخصة السياقة أفاد محمد البكوش رئيس الغرفة الوطنية لمدارس تعليم السياقة أن معدل تكلفة الحصول على رخصة سياقة لا يتعدى 600 دينار، الا أن ارتفاع التكلفة في بعض الأحيان قد يتجاوز ال 1000 دينار بسبب اقبال الراغبين في تعلّم قيادة السيارة في أعمار تتجاوز ال 40 سنة وهو ما يجعل حظوظهم في الحصول على «البيرمي» من المحاولة الأولى تتضاءل، وهذا يعود، حسب المتحدث الى ضعف ردود الأفعال الفورية لدى هذه الفئة العمرية مقارنة بمن أعمارهم 18 و19 سنة (علما وأن تعلم السياقة يعتمد على 92٪ من les reflexes). وأضاف «البكوش» أن غلاء أسعار «البيرمي» راجع الى حاجة من تجاوزت أعمارهم ال 40 عاما الى تلقي دروس تعليم السياقة في أكبر عدد ممكن من الساعات وهو ما يقتضي ارتفاع النفقات وبالتالي ازدياد الكلفة وقال محمد البكوش ان الازدحام الشديد في الطرقات وتزايد عدد العربات «يعطل» الحصول على رخصة السياقة في زمن وجيز نظرا لما في ذلك من مضيعة للوقت، بالاضافة الى السلوكات غير المسؤولة الصادرة عن مستعملي الطريق مما يتسبب في ارباك السائق. وأكد رئيس الغرفة الوطنية لمدارس تعليم السياقة أن غلاء أسعار رخصة السياقة، مرده نقص أهلية وضعف كفاءة بعض «المدربين» اذ أنهم يتحصلون على شهادات التعليم من بلدان عربية أخرى بأساليب غير شرعية وغير قانونية أحيانا وهو ما يستوجب من متلقي دروس تعليم السياقة في مدارس هذه الفئة الخضوع لعدد كبير من الساعات وهو ما يؤدي بالتالي الى ارتفاع تكلفة «البيرمي» وهذا يعود الى قلة وعي بعض المواطنين من الذين يتوجهون الى نقاط تعليم السياقة دون التحري عنها واستقصاء المعلومات التي تكفل لهم الحصول على رخصة السياقة بسعر مقبول وبمستوى مرضي. فالبعض من الراغبين في تعلم السياقة يفضلون تعلم القيادة لدى أصحاب مدارس مشكوك في كفاءتهم رغم أن «فاقد الشيء لا يعطيه» حسب قول رئيس الغرفة. وأشار المتحدث الى أن بعض الدخلاء على القطاع من هؤلاء ومن غيرهم يعمدون الى التخفيض في معلوم الساعة أي في التسعيرة المضبوطة حسب القانون (18 دينارا) ويعتمدون أسعارا منخفضة (9 دنانير) رغم أن ذلك لا يغطي النفقات التي تستلزمها مدارس السياقة اذا اعتبرنا أن 4 دنانير يجب أن يتحصل عليها المدرب و4 دنانير اضافية توظف لأعمال الصيانة والوقود و4 دنانير يحتفظ بها لتأمين معلوم كراء المحل وتسديد أجرة الكاتب ومن يضطلع بمهمة تدريس قانون الطرقات ال«code» و1500 مليم تخصص لتفكيك السيارة (désamortissement) والبقية تخصص لتسديد معلوم شركات التأمين. وقال رئيس الغرفة انه رغم كثرة المصاريف فإن ما يتقاضاه صاحب مدرسة تعليم السياقة مقابل ساعة تعليم لا يغطي المصاريف واذا قارنا ما يمكن أن يتقاضاه صاحب سيارة أجرة خلال ساعة عمل بصاحب مدرسة تعليم فإن الأول يتحصل على ما قدره 25 دينارا والثاني 18 دينارا، علما وأن صاحب مدرسة تعليم السياقة يؤدي جهودا للتعليم وللنصح والارشاد ويعرض «سيارة التعليم» الى الاضرار المادية أكثر مما يمكن ان تتعرض له سيارة الاجرة. وقد دعا رئيس الغرفة الوطنية لمدارس تعليم السياقة الى الحذر من التعرض للانتهازيين من الدخلاء على قطاع تعليم السياقة لأن «وجودهم ظرفي ومؤقت ولا يمكن أن يدوم طويلا» خاصة وأنهم يعمدون الى «مص حق المواطن وحق المهنيين... وهم يسيئون لسمعة العاملين في القطاع»، وأضاف المتحدث أنه من واجب الأولياء «بصفة خاصة» ممن يرغبون في أن يتلقى أبناؤهم دروس تعليم السياقة اختيار المدرسة بعناية وبتمعن مثلما يتم اختيار المؤسسة التعليمية التي يسجلون أبناءهم بها وطالب «البكوش» وزارة النقل بتشكيل فرق مراقبة لضبط المخالفات وللتصدي لظاهرة تزايد الدخلاء والحد من الرشوة من خلال التمركز على مستوى الطرقات وداخل المدارس وصلب لجان «le contre examen». كما دعا المتحدث الى ضرورة تشريك وزارة النقل لكل من وزارة التربية ووزارة التكوين ومنظمات السلامة المرورية والغرفة الوطنية لمدارس تعليم السياقة، في إعداد البرنامج الوطني للتكوين واعداد ضوابط تحديد رخصة السياقة، مع التأكيد على ضرورة تغيير التعامل مع المترشح.