نفى البنك المركزي مؤخرا أية نية للتخفيض في سعر صرف الدينار التونسي مؤكدا على دوره في الدفاع عن العملة الوطنية وعلى التزامه بالحفاظ على القيمة الحقيقية للدينار التي تعكس الأسس الاقتصادية للبلاد. في المقابل تداولت بعض وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية عزم الحكومة اعتماد خطة لمنع توريد بعض المواد الاستهلاكية غير الأساسية (produits de luxe ) وخاصة السيارات الفاخرة في محاولة منها للحفاظ على احتياطيها من العملة الأجنبية، بعدما أكد آخر تقرير للبنك المركزي تراجع إحتياطي العملة الصعبة سنة 2011 بنسبة 14 بالمائة والادخار بنسبة 5,8 بالمائة. وقد رأى بعض المتدخلين في الشأن الاقتصادي أن هذا الإجراء يحيلنا إلى فترة ما قبل الإصلاح الإقتصادي أي بداية تسعينات القرن الماضي، حيث شهدت تونس في تلك الفترة أحلك فتراتها الاقتصادية وهو ما جعل حكومة «محمد مزالي» تلجأ إلى الحد من التوريد والاقتصار على توفير السلع الضرورية لضعف الاحتياطات من العملة الأجنبية. غير أن الأستاذ الجامعي والمحلل الإقتصادي «فتحي النوري» أكّد ل«التونسية» أن القرار الذي اتخذته الحكومة قرار اقتصادي صائب ومعمول به منذ سنة 1986، وأنه يمكن مجابهة عجز الميزان التجاري في وضعية اقتصادية مثل التي تمر بها تونس إلا عبر هذا الإجراء حتى يتمكن الاقتصاد الوطني من استعادة عافيته. فتحي النوري أضاف أن العجز التجاري الناتج عن عدم قدرة صادراتنا على تغطية الواردات سيؤدي إذا تواصل على النسق الحالي إلى عجز في ميزان الدفوعات وهو مؤشر خطير باعتبار أن المؤسسات الدولية تراقب عجز ميزان الدفعات وتعتمده كمؤشر في التصنيف الاقتصادي للدول، وهو ما جعل الحكومة مجبرة على تبنّي خيار الحد من نزيف الواردات كحلّ للمحافظة على التوازنات الإقتصادية. المحلل الاقتصادي أشار إلى أن مثل هذه الوضعيات الإقتصادية يمكن أن تعالج بحلين اثنين: فإما أن يقع الحد من نزيف الواردات بالإقتصار على توريد المواد الإستهلاكية الأساسية كالمواد الغذائية والطاقة والمواد الأولية التجهيزات (les biens d'équipements) أو التخفيض في سعر الصرف. وبما أن اقتصادنا لا يسمح بأي شكل من الأشكال بالتخفيض في سعر الصرف ارتأت الحكومة تبني الحلّ الأول حتى تجنب الإقتصاد الوطني ضربة موجعة ناهيك أن قرار التخفيض في سعر الصرف من أصعب القرارات التي تتخذها الدول وهو إجراء غير مطروح وغير مناسب لتونس في الفترة الحالية. وحول تعارض هذا الإجراء مع سياسة الإنفتاح الإقتصادي التي تبنتها تونس منذ التسعينات والتوجه الليبرالي للحكومة الحالية قال فتحي النوري إن كل منظّري الاقتصاد التحرري يساندون فكرة تدخل الدولة في الاقتصاد، وبما أننا إزاء منظومة سياسية واقتصادية ضبابية فمن الضروري أن تتدخل الحكومة لحمايته من الانهيار. فتحي النوري أكّد كذلك على ضرورة قبول وتعايش المواطن مع مثل هذه الإجراءات الظرفية حتى يتمكن الاقتصاد الوطني من الرجوع إلى نسقه العادي في أقرب وقت ممكن، مشيرا إلى أن الثورات التي نفرح لمكاسبها لها أيضا ثمن اقتصادي يجب أن نتقبله. وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة تسعى حاليا إلى الحد من هبوط قيمة الدينار عبر مزيد التحكم في التضخم، حيث قرر مؤخرا البنك المركزي التونسي الرفع في معدل الفائدة إلى 3.75% مقابل 3.5% منذ أكثر من أسبوع خاصة وأن تواصل هبوط سعر الدينار يمكن أن يؤدي إلى إلغاء إجراء قابلية التحويل الجاري للدينار التونسي مقابل شراء سلع من الخارج والتي يسمح بها لشركات التصدير والتوريد. هذا وينتقد بعض الاقتصاديين السياسة النقدية التي اعتمدها محافظ البنك المركزي المقال الذي خفّض في معدل فائدة السوق النقدية في محاولة منه لإنعاش الاستثمارات والتقليص من كلفتها للمستثمر وهو ما أدى حسب منتقدي النابلي إلى تفاقم التضخم وعدم تحقيق أية زيادة في الاستثمارات. كما أدى قرار النابلي بالتخفيض في معدل الفائدة إلى 3% تقريبا إلى لجوء البنوك إلى مؤسسة إصدار الأوراق النقدية (البنك المركزي التونسي) لإعادة تمويلها نتيجة عجزها عن الإيفاء بالطلب المتزايد لحرفائها على قروض استهلاك، وهو ما أدى إلى تفاقم التضخم مع استمرار هبوط قيمة الدينار التونسي.