وسط إجراءات أمنية مكثفة من وحدات للحرس الوطني وشرطة وفرق من الجيش الوطني، ووسط حالة عارمة من الفوضى والاحتجاجات وصلت الى حد العويل والبكاء والنديب، نفّذ أمس مئات المحتجين وقفات احتجاجية كانت أوّلها أمام المركب التجاري «غلاكسي» ب «لافايات» مرورا الى أمام مقر البنك المركزي التونسي، حيث تجمهر العديد من المواطنين مطالبين باسترجاع أموالهم من شركة توظيف الأموال «يسر للتنمية» لصاحبها عادل الدريدي على خلفية خبر فراره خارج البلاد وإغلاق الشركة نهائيا. وقد رفع المحتجون شعار «رجّعولنا فلوسنا... رجّعولنا فلوسنا...»، «التونسية» كانت حاضرة. لقاؤنا الأول كان مع «فيصل أتيار» الذي قال بكل لوعة: «لا أصدق ما يحدث، أين الحكومة، أين محافظ البنك المركزي؟...». وأضاف «أتيار» أنه ساهم بما قيمته 317 ألف دينار في شركة «يسر للتنمية» باعتباره منخرطا فيها منذ قرابة السنتين لكنه فوجئ صباح أمس باتصال هاتفي من صديق له يعلمه بفرار عادل الدريدي رئيس الشركة الى خارج البلاد. وأكد «أتيار» أن مجموعة من المنخرطين توجهوا صباح أمس الى منزل «عادل الدريدي» بجهة الكبارية «ليفاجؤا بحالة من الفزع والفوضى داخل بيته بعد أن تم السطو على محتوياته من قبل بعض الأشخاص. وفي معرض كلامه أوضح «أتيار» أن المبلغ الذي ساهم به في شركة التوظيف المالي هو في الأصل على ملك مجموعة من أقاربه الذين سلموه إيّاه بهدف استثماره وتحقيق فوائض ربحية. وبكل ألم قال «أنا الآن ممنوع من العودة الى البيت، أنا الآن مشرّد...» موضحا أن المجموعة التي أمنته على أموالها لن تتسامح معه بخصوص هذا الأمر... من جانبه أوضح «محمد بن صالح» منخرط بالشركة منذ ما يقارب السنتين أنه ساهم بما قيمته 25 ألف دينار اثر بيعه لسيارته الشخصية وبعض الممتلكات الأخرى الخاصة. وأضاف «بن صالح» أنه قدم لمساندة هذه الاحتجاجات اثر مكالمة هاتفية من قبل أحد أصدقائه الذي أعلمه بأن الشركة أغلقت أبوابها وان رئيسها لاذ بالفرار. وقال: «لقد تأكدت من صحة المعلومات حال وصولي الى المقر المركزي للشركة بجهة لافايات حيث أعلمني أحد الإداريين بالشركة بأن «رئيس الشركة» قد أغلق هاتفه الجوال منذ ليلة أمس». كما أشار «بن صالح» الى أن نفس المصدر الاداري أكد له أن مقر الشركة قد أغلق نهائيا وأن مصير أموال قرابة 80 ألف منخرط مجهول الى حدّ الآن. كما طالب بن صالح الحكومة بالتدخل العاجل والسريع لوجود حلّ لهذه «الكارثة الاجتماعية» قائلا: «نطالب الجهات الحكومية المعنية وعلى رأسها محافظ البنك المركزي بالتدخل السريع لفائدة هؤلاء المواطنين». وأضاف: «على الحكومة توضيح هذه الاشكالية والكشف عن المتورطين فيها». وبين «بن صالح» أنه أصبح أكثر عرضة من أي وقت مضى لتردي وضعيته الاجتماعية اثر بيعه لمصدر رزقه الوحيد مبديا ندمه الشديد لتفريطه في سيارته والمساهمة بها في هذه الشركة». «حالات إغماء بالجملة» ووسط هذه الأجواء المحتقنة تعدّدت حالات الإغماء في صفوف نساء مساهمات في الشركة وقع نقلهن بسرعة الى أقرب قسم استعجالي بجهة «محمد الخامس» بالعاصمة من قبل وحدات من الحماية المدنية التي كانت متواجدة لتلافي أي مكروه لا قدّر اللّه. من جهتها قالت «فاتن» ربّة بيت متزوجة وأم ل 4 أبناء أنها ساهمت بمبلغ قدره 55 ألف دينار اثر بيعها لقطعة أرض وكل ما تملك من مجوهرات. وأضافت فاتن قائلة: «لقد قدمت اليوم أمام البنك المركزي للمطالبة بأموالي التي كنت ساهمت بها في شركة قانونية حاملة لتأشيرة عمل من قبل وزارة المالية وتعمل بعلم الحكومة». وأردفت فاتن أنها علمت منذ الصباح الباكر بمغادرة رئيس الشركة «عادل الدريدي» للتراب التونسي بعدما أغلق جميع أرقام هواتفه الجوالة». وأضافت محدثتنا: «لقد توجه المحتجون الى البنك المركزي للمطالبة باسترجاع أموالهم من هذه الشركة اثر تفطنهم الى أن أبواب الشركة مغلقة وأنه لا يمكن الاتصال بمكتب مديرها مما أنتج هذه الحالة من الفوضى والاحتقان». وقالت فاتن: «لا بد للبنك المركزي أن يوضح ملابسات هذا التحيل مشيرة الى تكرار هذه الحادثة منذ قرابة الشهر والنصف حيث قامت السلطات بايقاف رئيس الشركة والتحقيق معه لكن دون جدوى» على حدّ تعبيرها. «اقتحام منزل رئيس الشركة والعبث بمحتوياته» المشادات الكلامية وصلت الى أوجها بين المحتجين أمام مقر البنك المركزي وطواقم الأمن التي كانت مرابطة لمنع المحتجين من الدخول الى المقر وخاصة اثر لجوء أحد الأمنيين الى استعمال القوة لمنع شاب حاول الدخول بالقوة الى مبنى البنك. نفس الشاب أكد أنه منخرط في هذه الشركة منذ ثلاث سنوات وساهم بمبلغ قدره 35 ألف دينار وذلك اثر بيعه لسيارته. وقال محدثنا الذي رفض الافصاح عن اسمه أنه قدم من الكبارية وأكد لنا أن بعض المتضررين داهموا منزل «عادل الدريدي» رئيس الشركة وقاموا بالعبث بكل محتوياته. في نفس السياق أكد مصدر أمنيّ مطلع أن مجموعة من المحتجين في قضية «يسر للتنمية» داهموا منزل عادل الدريدي وعاثوا فيه فسادا وأشار نفس المصدر الى سيطرة رجال الأمن على الوضع رغم حدة وشراسة الاحتجاجات حسب قوله. وقد تواصلت الحركات الاحتجاجية أمام مقر البنك المركزي الى ساعة متأخرة من بعد ظهر أمس وسط هتافات المحتجين المطالبين بمعرفة مصير أموال 80 ألف عائلة. وفي هذا الإطار عبّر «الحبيب السعيدي» عن ألمه لما وصلت اليه قضية «شركة يسر للتنمية» وقال «السعيدي» وهو متزوج وله 5 أبناء أنه انخرط في الشركة منذ ما يقارب السنتين بمبلغ قيمته 30 ألف دينار إثر حصوله على قرض من أحد البنوك. وأضاف أنه على اثر مساهمته في هذه الشركة بدت الأمور عادية وقانونية وكان من المفروض أن تتم كل الحسابات المالية يوم 25 من الشهر الجاري. وأضاف «السعيدي» أنه اتصل صباح أمس بادارة الشركة الذين أعلموه بأن أخبار رئيس الشركة انقطعت نهائيا. وقال الدريدي: «وجودنا اليوم أمام البنك المركزي هدفه الضغط على الحكومة لتتقصى حقيقة هذه الإشكالية» وأضاف: «كان من المفروض على الحكومة أن تقوم بكل الاجراءات القانونية اللازمة لمنع حصول هذه الكارثة». العمة «خديجة مبارك» كانت تصيح وعيناها ممتلئتان بالدموع قائلة «رجعولنا فلوسنا... رجعولنا فلوسنا» وأوضحت «العمة» أنها ساهمت في هذه الشركة بمبلغ قدره 20 ألف دينار كانت قد تلقته من ابنها المقيم بالمهجر. وأضافت أنها قدمت أمام مقر البنك المركزي لمساندة الأصوات المطالبة بإرجاع الأموال لأصحابها وبكشف حقيقة هذه القضية التي راح ضحيتها قرابة 80 ألف منخرط. حقيقة الدريدي في ظل غياب شبه كلي للمعلومات حول الوجهة التي قصدها «الدريدي» أكد موظفو الشركة عدم علمهم بمكان تواجده حاليا مؤكدين أن آخر لقاء معه كان ليلة أول أمس اثر نهاية توقيت العمل بشكل عادي. في نفس الإطار أكد لنا إطار من البنك المركزي أن هذا الأخير تقدم في نفس اليوم أي أول أمس بطلب لسحب ما قيمته 600 ألف دينار مؤكدا أن البنك المركزي رفض هذا الطلب بسبب اشكاليات ادارية حسب قوله. والجدير بالذكر أنه تم منذ ما يقارب الشهر والنصف القبض على رئيس هذه الجمعية بعد شكاية تقدم بها البنك المركزي أكد خلالها خطورة التعامل مع مثل هذه الشركات التي تقوم بجمع ودائع من المواطنين مع وعدهم بمردودية مرتفعة تصل أحيانا الى حدود خيالية. هذا وقد تم وقتها الإفراج عنه بعد يومين بعد أن تبين أن نشاط شركته قانوني وأنها لا تمارس أي نشاط مصرفي وفق لسان دفاعها. ناجح بن جدو