لئن كتب لي أن اشاهد فيلم»زبانة»zabana في مهرجان دبي السينمائي غير أني لم أتمكن من ملاقاة مخرجه سعيد ولد خليفة حتى كان لقاؤنا في بحر السينما العربية بمدينة مسينا الإيطالية . قال لي سعيد ولد خليفة:هل تعرف أني تونسي وبأن خالد البرصاوي(مخرج مسلسل «ليّام» بتلفزيون التونسية لصاحبها السجين سامي الفهري ) هو إبن عمي؟ يقيم سعيد ولد خليفة منذ بدأت سنوات الإرهاب الأعمى بالجزائر في فرنسا، وقد كان طيلة عشرية التسعينات كثير التردد على بلادنا للإجتماع بأفراد عائلته. ولد سعيد ولد خليفة سنة 1951 بعين دراهم وبها تعلّم قبل أن ينتقل إلى معهد كارنو بالعاصمة ولم تغادر عائلته نحو الجزائر سوى بعد الإستقلال سنة 1962 . درس الفلسفة والعلوم السياسية وعمل صحفيا بالجزائر وناقدا كدأبه اليوم حين لا يكون له عمل سينمائي، ويذكر ولد خليفة خميس الشماري بكثير من الإمتنان لأنه فتح له الطريق إلى مجلة «أفريقيا-آسيا» بفرنسا، كما انجز ولد خليفة عدة مسرحيات وإن كان قليل الحديث عن الفن الرابع . اكتشف سعيد ولد خليفة السينما في جبال خمير حيث كانت مخيمات جبهة التحرير و قدم فيلمه الطويل الأول«الظلال البيضاء» سنة 1991 ليعود سنة 2005 بفيلم «شاي آنيا» و»عائشات» سنة 2006 رشح فيلمه الأخير «زبانا» لجائزة اوسكار افضل فيلم اجنبي وأحمد زبانا هو شاب جزائري كان اول من نفذت فيه فرنسا الإستعمارية حكم الإعدام بالمقصلة في 19جوان 1956 . لم يكن احمد زبانة إبن وهران عروس الجزائر بطلا بل كان إنسانا شارك بنصيب في الثورة الجزائرية ولكنه سرعان ما إعتقل وحوكم ولقي طريقه إلى الموت مخلفا رسالة مؤثرة وجهها لأمه مازالت نسخة منها معروضة إلى اليوم في متحف أحمد زبانا بوهران في مسينا بجزيرة صقلية كان حوار سعيد ولد خليفة مع «التونسية»... عرفت الجزائر لأول مرة بعد إستقلالها فهل وجدت الوطن كما حلمت به؟ كان الوطن خياليا حتى لأهلي الذين لم يكونوا يعرفون الجزائر وكانوا يحملون لغتهم القبايلية معهم في تونس، كنت صغيرا وقبل إستقلال الجزائر كنت من أذكى التلاميذ لأن أمي وعدتني إن تفوقت في دراستي ستأخذني إلى الوطن ويبدو أن ذكائي توقف منذ إستقلال الجزائر. هل جربت الصحافة والمسرح قبل الوصول إلى السينما؟ لا هي مراحل في حياتي بدأت بالنقد المسرحي في مهرجان تيمقاد وهناك شاهدت الزير سالم لفرقة الكاف زمن المنصف السويسي، سنة 1989 إكتشفت أن الصحافة التي كنت أمارسها تغيرت وخاصة ببداية العشرية السوداء(حرب الإرهاب على الجزائر) فكان علي أن أخوض مرحلة جديدة . هل صحيح ان خالد البرصاوي هو إبن عمك؟ نعم إكتشفنا ذلك قبل خمس سنوات ومع الأسف لا توجد فرص كثيرة للتواصل بيننا. هناك من يرى ان السينما الجزائرية وقعت ضحية الثورة الجزائرية منذ الإستقلال ويبدو ان هناك موجة للعودة إلى الثورة بفيلم احمد راشدي «أسد الجزائر»و«الخارجون عن القانون» لرشيد بوشارب وفيلم زبانة؟ لا، اعتقد أن عدد الأفلام التي تحدثت عن الثورة قبل التسعينات ليس كبيرا ، «يجي في بالي «مرزاق علواش لم ينجز اي فيلم عن الثورة، الأفلام عن الثورة كانت قليلة ولكنها أنجزت بإمكانيات كبيرة ، الآن فيه رجوع، صحيح. هل هو رجوع بقرار سياسي أو قرار فني؟ هناك كثير من الإنتهازية، انا شخصيا إنتهزت الفرصة التي أتيحت لي فالخطاب الرسمي منذ الإستقلال إلى 5أكتوبر 1988(تاريخ المنعرج الديمقراطي غير المكتمل مع الرئيس الشاذلي بن جديد) كان الشعار المرفوع والمكتوب على حيطان القصبة البطل الوحيد هو الشعب والسلطة إحتكرت هذا الشعار حتى لا نذكر ايا من الثوار الذين اصبحوا بعد الإستقلال في المعارضة ولم يكونوا في أجهزة النظام، بعد العشرية السوداء تغيرت المعطيات فلأول مرة تحدث فيلم عن بطل فرد في فيلم»اسد الجزائر» لأحمد راشدي . لماذا إخترت احمد زبانة؟ انا كنت بصدد انجاز فيلم عن الثورة الجزائرية من وجهة نظر فرنسية وعثرت على وثائق حول موقف فرنسوا ميتران(كان وزيرا للداخلية ثم وزيرا للعدل في عشرية الخمسينات من القرن الماضي) من إعدام أحمد زبانة(بالموافقة المشددة). ما قصة هذه الوثائق؟ لأول مرة إكتشفنا من خلال ارشيف مكتوب لميتران انه في مجلس الوزراء الفرنسي في 6 فيفري 1956 وجد من بين الحاضرين»فيليكس هوفوات بوانيي» الذي تولى رئاسة الكوت ديفوار لاحقا لعقود طويلة اي ان الفرنسيين كانوا يستغلون الأفارقة لضرب بعضهم البعض . كيف تحصلت على هذه الوثائق؟ هل نسيت أني صحافي؟ هل قدمت هذه الوثائق جديدا؟ أنا سينمائي ولست مؤرخا لا يهمني القديم ولا الجديد «ما كنتش نعرف زبانة انا تعرفت عليه خلال إنجازي للفيلم ». زبانة كان في ذهني وفي أذهان كثير من الجزائريين كان مجرد إسم ملعب كرة قدم وإسم متحف وإسم شارع ليس أكثر. هل نفذت السيناريو كما كتبته دون تدخل من الرقيب؟ لا لم يتدخل أي كان . لماذا ظل السيناريو مشروعا معطلا طيلة سنوات؟ من 2008 عرقلة كبيرة. ممن؟ من السلطات نفسها التي وافقت على الفيلم ومنحتنا التمويل. كيف جازفت بإسناد دور البطل أحمد زبانة لممثل في دوره السينمائي الأول؟ أولا أنا لم أنجز فيلما عن بطل بل عن إنسان جزائري لا يعلم على وجه الدقة هل قتل الفرنسي المتهم بقتله أولا ، ولكن أرادت العدالة الفرنسية أن ينفذ فيه حكم الإعدام رغم كل الإلتماسات ...وما المانع في إسناد الدور لشاب؟ لقد خضع للكاستينغ 450 شابا وفي النهاية إخترت عماد بن شني «انا حبيت ممثل له سن أحمد زبانة ». الفيلم بدا خاليا من المشاعر والأحاسيس؟ هذا رأيك ، ربما كان الناس ينتظرون ملحمة« انا ما نعرفش نعمل فيلم على بطل أوشهيد» قلت هذا للممثيلين أنا عملت فيلم على شاب كان يحلم رفقة اصدقائه بإخراج فرنسا بسلاح واحد كانوا يتداولون عليه هؤلاء كانوا شبانا مجانين ولكن حلمهم تحقق في ما بعد. تزامن عرض الفيلم لأول مرة مع الذكرى الخمسين لإستقلال الجزائر، هل أفاد هذا التزامن الفيلم أو أضرّ به؟ لا فادو لا ضرو. ألا ترى أنه تم توظيف الفيلم سياسيا؟ أنا أتعامل مع الشيطان إذا الشيطان يتعامل معايا، ما يهمنيش . هل علينا ان ننتظر 15 سنة لمشاهدة فيلمك التالي؟ لا بين«الظلال البيضاء» و«شاي آنيا» مرت الجزائر بسنوات الإرهاب ولم أكن أرغب في التصوير خارج الجزائر ولذلك لذت بالمسرح في فرنسا. هل يمكن للعشرية السوداء ان تكون موضوعا سينمائيا لأحد أفلامك فتحرك السكين في الجرح؟ ممكن، أنا مخرج ولست مجرما الذين قتلوا الطاهر جاعوت وعبد القادر علولة هم المجرمون ، نحن نقدم وجهة نظر والمواطن حر . كيف نفهم أن الجزائر دولة غنية ولكن ليس لديها صناعة سينمائية ولا شبكة قاعات ؟ هذه إختيارات نهاية الثمانينات، بداية الإنفتاح كما حدث في مصر «سلمنا في كل شيء «والسينما لا يحتاج اموالا فقط بل يحتاج سياسة ثقافية. هل توجد سياسة ثقافية في الجزائر؟ مبادرات فردية لكن لا يوجد تخطيط على المدى الطويل. هل جيل السينمائيين الشبان في الجزائر قادر على تقديم سينما بديلة؟ نعم هم قادرون وعدد منهم عملوا معي في أول أفلامي قبل أكثر من عشرين عاما ما نقولش كونتهم لكن خدموا معايا ألا توجد لديهم عقدة قتل الأب؟ لا يوجد أب للسينما الجزائرية. حتى الأخضر حامينة(مخرج« وقائع سنين الجمر» المتوج بالسعفة الذهبية لمهرجان كان)؟ لا يوجد أب للسينما الجزائرية وإن كان لابد فهو «روني فوتيي» الذي بدأ أولا بالسينما التونسية . هل مازال لجيلكم ما يقول؟ أنا لا أنتمي إلى أي جيل أنا دخلت للسينما «بالسرقة» وهدفي أن يكون الحوار موجودا بين السينما والسينمائيين والجمهور. *هل احب الجزائريون فيلم زبانة؟ انا افرق بين الجزائريين والمتفرجين ، جمهور السينما الذي شاهد الفيلم احب الفيلم «الدزيرية مشكل بوتفليقة والمتفرج مشكلتي أنا كسينمائي». متى يتوج فيلم جزائري عالميا كما توج«وقائع سنين الجمر»؟ التتويج لا يمكن برمجته ، التتويج يأتي بالصدفة «علاش لخضر حامينة بعد 1975 ماخذاش جائزة ثانية في كان؟ « مرزاق علواش يتبع طريقه دون أن يهتم بالجوائز ومع ذلك أتته أكثر من جائزة. لماذا لا يحبه الجمهور في الجزائر؟ بعض النقاد والصحافيين لا يحبونه. هل رشحت زبانة لمهرجان كان؟ نعم والرد؟ 8ساعات قبل الندوة الصحافية كان مقبولا ، عند إتمام القائمة النهائية لم نجده . هل لديك تفسير؟ ما سمعته أن الفيلم تزامن مع انتخابات الرئاسة في فرنسا. وإلى الآن نواجه مشكلا في توزيع الفيلم في فرنسا وبدأت أتساءل عن السبب . هل انت خائف على تونس؟ أنا حزين على تونس . هل يمكن للإرهاب أن يضرب تونس كما حدث في الجزائر؟ ما نظنش، انا يوميا أسهر إلى الثانية صباحا لمتابعة أخبار تونس،« خسارة بعد نضال أجيال تونس توصل بين إيدين ناس ليس لديهم أدنى مسؤولية مدنية وإنسانية» هل يمكن ان نضع البلد رهين فكرة ايديولوجية ؟ كنت خائفا على تونس بعد سقوط بن علي ولكن التوانسة أثبتوا أنهم قادرون على تحمل أعباء الوطن، من مميزات التوانسة انهم لم يعرفوا إحتلالا مثل الذي عرفه الجزائريون كما أن تونس ليست مملكة ومصيرها ليس مرتهنا بأي كان ...إلا بإرادة الشعب نفسه. وفيلمك القادم؟ عن الجزائر اليوم في الخريف القادم ثم أعود إلى الثورة. هل يمكن تخيل الجزائر بلا بوتفليقة؟ طبعا الجزائر ريناها دون بن بلة وبومدين، الجزائر لا خوف عليها ولّى زمن المنقذ الفرد الذي يقتل الوحش، نحن من يقتل الوحش بدل أن ننتظر المنقذ الذي سيضمن سعادتنا.