التونسية(تونس ) المطر يتساقط زخات زخات كحبّات اللؤلؤ ... وقطرات الماء تنساب شفافة, رقيقة ,عذبة... وقد زادتها أضواء الشارع الطويل شاعرية وروعة. وسرعان ما تحوّل الرذاذ إلى مطر غزير دفع بعض المارة إلى الهرولة والاحتماء بالشرفات في حين تسمّر الكثيرون في مكانهم أمام المسرح البلدي بالعاصمة لمواصلة مشاهدة عرض «للّتنا» وهو عبارة عن فيديو ثلاثي الأبعاد مهدى لتونس الحضارة والتاريخ ببادرة من مغني الراب «بند يرمان»... ولأن تونس تاج فوق رؤوس الجميع,ولأنّها هي الباقية وهم الراحلون ...فهي «للّة» الكلّ !وهذا هوالمعنى الذي صرّح الفنان بيرم الكيلاني , شهر «بنديرمان» أنّه قصده من وراء إطلاق تسمية «للّتنا» على مشروعه الفني الجديد الذي عرض لأول مرة مساء اول امس على واجهة المسرح البلدي مع دقات الساعة الثامنة ليلا . وقد تم ّ في هذا العمل الفني الاعتماد على ما يعرف بتقنية الإسقاط المخادع ( le vidéo mapping ) التي تندرج بدورها ضمن البحث عن أشكال تعبيرية جديدة وأبعاد جمالية مغايرة للسائد. 120 مليونا «هي مبادرة ثقافية عبارة عن قصيدة حبّ مهداة إلى تونس لتروي بالصور تاريخها وتتعقّب آثار الحضارات المتعاقبة عليها في توظيف للتكنولوجيا خدمة للهوية الوطنية...»هكذا قدّم «بنديرمان» المشروع الفني «للتّنا» الذي أعدّته الجمعية الثقافية «المصنع» التي بعثها هذا «الرابور» (Rappeur) منذ سنة 2012 وذلك بالتعاون مع فريق تقني فرنسي .كما صرّح أثناء ندوة صحفية عقدها قبل انطلاق العرض بحوالي ساعة أن هذا العرض أعدّ خصيصا للاحتفال بعيد الجمهورية لكن سقوط الشهيد محمد البراهمي يوم العيد أدّى إلى تأجيل العرض. وعن كلفة «للّتنا» ,كشف «بنديرمان»أن هذا العرض المرئي تطلّب ميزانية تقدّر ب120 مليونا وأن الأطراف التي تعامل معها في مختلف مراحل الإعداد لمشروعه الثقافي في مساندة منها لغاياته الرامية إلى التذكير بأن تونس مهد للحضارات وأرض للتسامح , قدّمت تخفيضات وتنازلات مالية كبيرة تقلصّت بفضلها كلفة المشروع إلى حدود النصف. وبخصوص مساهمة وزارة الثقافة في هذه البادرة الثقافية, علّق صاحب جمعية «المصنع» قائلا: «لا أتعامل مع وزارة الثقافة ولم أطلب منها أي دعم ...وحتى مهنيا لا أتبعها فأنا متحصّل على الماجستير في الرياضة ...» وبدا «بنديرمان» مستاء من إلغاء أربعة عروض كانت من المبرمج أن يحييها في هذا الصيف أحدها بمهرجان الحمامات الدولي ...كما أبدى استغرابه من غياب سبب مقنع لهذا الإلغاء بالجملة خصوصا أنه ورد بعد إمضاء العقود والانتهاء من كل الإجراءات ... وشدّد صاحب «إنتي الصوت» و«تونسي وخلّي يقولوا هبل»...على أن الساحة الثقافية في حاجة ماسة اليوم إلى التطوير وضخّ دماء جديدة في أشكال التعبير والإبداع في إطار العمل على الاستفادة ممّا يسمى بالاستثمار الثقافي. سحر الحضارة ...وأسر التاريخ في عرض فيديو«للّتنا» تبّدلت الألوان وتعدّدت الأشكال على واجهة المسرح البلدي في المرور من حضارة إلى أخرى وفق سُلّم التسلسل التاريخي للحضارات المتعاقبة على تونس ضمن لقطات مختزلة وخاطفة باعتبار أن 3000 سنة من التاريخ تفيض عن أي محمل مهما بلغ من التكنولوجيا أن يستوعبها كلّها . وأمام عرض آسر ومبهر ...خصوصا أنه معطرّ بشذى التاريخ التليد ومفعم برائحة الهوّية ...تسمّرت الأجساد في مكانها وفي عيونها شوق وتوق للحظات آفلة من زمانها لكنّها باقية حيّة في نفوسها .وكان تفاعل الجموع المتجمهرة أمام المسرح كبيرا إذ رفرفت الأعلام الوطنية وعلا الهتاف وارتفع التصفيق...في تناس شبه تام لخيوط المطر المتهاطلة...وكأن الأفئدة ظمأى للماء, للفن, للحياة ...