شمس الدين النقاز توالت زلات الوزراء التونسيين المخجلة، ولا يبدون في القريب العاجل أنها ستنتهي خاصة وأن الخلل الذي لا يمكن إصلاحه يتمثل أساسا في محدودية ثقافتهم الاتصالية وعدم فقههم لما تعنيه كلمة "رجل دولة" بمعناها الواسع والشمولي. وزير الشؤون المحلية والبيئة رياض المؤخر الذي "طمأن" التونسيين قبل أيام بالقول إن القضاء على الناموس لهذه الصائفة أمر عسير، ولا يمكن أن يتم بشكل نهائي، باعتبار ارتفاع منسوب المياه الذي حال دون نجاعة عملية المداواة، خرج من جديد عن اللباقة السياسية من خلال السخرية من بلد جار يعلم جميع التونسيون العلاقة الوطيدة والقوية التي تجمعهم بشعبه. الجزائر تلك الدولة التي فتحت ذراعيها للتونسيين للتجارة معها، وذلك الشعب الطيّب الذي تجمعه علاقة حبّ قوية بتونس حتى أن الملايين منهم زارها خلال السنوات الماضية ليساهموا في إنقاذ المواسم السياحية، لم ير مانعا الوزير من التندّر و"السخرية" منها في ندوة "تونس أمل المتوسط" التي نظمتها منظمة "كراكسي" الإيطالية بروما وحضرها وزير الخارجية الإيطالي. وسائل إعلام جزائرية، عبّرت عن غضبها من تصريحات رياض المؤخر، حيث أكد موقع"algeriepatriotique" أن المؤخر قال إنه عندما يسألوني عن تونس أقول لهم إنها موجودة في إيطاليا، لا أن أقول إنها موجودة بجوار الجزائر الدولة الشيوعية وليبيا البلد المخيف في إشارة إلى ما تعانيه ليبيا من تقلبات على المستوى الأمني. توضيح الوزير التونسي لم يتأخر كثيرا، حيث قال المؤخر إنه تم إخراج كلامه من سياقه بخصوص تصريحاته حول الجزائر، مؤكدا أن وزير الخارجية الإيطالي قال مداعبا إنه يسكن في جنوبإيطاليا وبإمكانه رؤية تونس من منزله فأجابه بأنه لما كان طالبا في أمريكا، كان يضطر للقول إن تونس تقع تحت إيطاليا لأن الأمريكيين يعتقدون أن الجزائر بلد شيوعي ولا يعرفون ليبيا إلا عبر القذافي، مضيفا أنه عندما أقول لهم إن تونس تقع في إفريقيا يسألونني دائما لماذا لون بشرتي ليس أسمر، كما شدّد المؤخر على أن هذه التصريحات كانت في إطار المزاح، كما تساءل "هل تعتقدون فعلا أن وزيرا تونسيا يمكن له القيام بتصريحات عدوانية تجاه الجزائر؟ هذا ليس معقولا ومستحيل". مهما كانت صيغة تصريح رياض المؤخر فإنه أصبح من المؤكد لدينا أن عديد الوزراء التونسيين يجهلون طبيعة العمل الدبلوماسي وتقنيات الاتصال السياسي المتعلّقة به، حتى أن المتأمل في مزاح وزير الخارجية الإيطالية للوزير التونسي وردّ الأخير، سيكتشف حجم التباين والنضج السياسي بين الرجلين. مهما كانت صيغة الكلام الذي قاله رياض المؤخر، فإنه من غير المقبول أن يعاير الشعبين الجزائري والليبي بذنوب لم يقترفاها هذا إذا ما اعتبرناها ذنوبا أصلا، فهذين الشعبين ورغم كل الظروف الصعبة التي تمرّ بها تونس، فإنهما وقفا معها وسانداها لتجاوز أزماتها. إن العلاقة الطيبة بين التونسيينوالجزائريين لن تغيّرها تصريحات غير مسؤولة من وزير من هنا أو من هناك، لكن آن الأوان للوزراء والمسؤولين في حكومة الشاهد أن يضبطوا تصريحاتهم ويعملوا على تحسين العلاقات وتطويرها مع جيرانهم للنهوض بمصلحة بلادهم بدل التندّر والسخرية بمن هبّ ودبّ.