نصرالدين السويلمي لقد كان التصويت للمؤسسة الصامتة والمؤسسة الحاكمة والمؤسسة المالكة.. *المؤسسة العسكرية تعتبر المؤسسة العسكرية القوة الصامتة التي تبحث العديد من القوى السياسية عن ودها ، لكن المؤسسة المستعصية تعتمد سياسة الروبوتات التي لا تشعر ولا تحس ولا تتكلم ، مبرمجة فقط على الفعل والوظيفي لا تخرج عن رسوماته ومراسيمه ، ومنذ الثورة اكتشف التونسيون مؤسسة سيادية لم ينخرها بورقيبة و بن علي وكانت بعيدة عن ايادي ليلى الطرابلسي ووسيلة بن عمار وسعيدة ساسي كما لم تدنسها قطعان الذل عبيد "الستّات" ، نجاة المؤسسة العسكرية من الاستعمال المهين لم يكن نتيجة لحرمتها وهيبتها ، بل لخوف بورقيبة من صولاتها بعد ان عاين عن كثب كيف تداولت النياشين العربية على القصور الرئاسية ، اين استولى العسكر على المساحات المدنية وضمها لتلك العسكرية وعطل السياسة وعطّر المجتمع برائحة البارود ، في الاثناء ظل الخبز العربي والحبر العربي والانسان العربي في خدمة الدبابة ، كان بورقيبة يراقب عن كثب وبرعب تلك الوحشية التي استعملتها النياشين العربية حين تكون بصدد التناحر على العروش ، حينها كان الشرق العربي وبعض مغربه يرزح تحت شعار "كرطوشة أفضل من قبيلة وقنبلة أفضل من مدينة" والامة من محيطها الى خليجها في خدمة المدافع تعُولها من قوت عيالها ، والمدافع الشبعانة من لحم الشعوب المرتوية من عرقها لا تنطلق الاّ لتسوية صفوف المجتمعات حين يتراجع منسوب خشوعها للجنرالات .. خيّر بورقيبة ان يجوّع الثكنات بعد ان لمس خطورة تسمينها في دول العرب ، استأنس بن علي بمنهاج بورقيبة وتجاهل العسكر فورثت الثورة ثكنات عذراء جائعة ، رفضت لاحقا بيع عرضها حين عرضوا عليها مقايضة الدم بالسلطة...ثم كان ان اقفل العسكر ابوابه امام الحناجر المؤدلجة التي ندبته للحرب الاهلية ، فساحت تصرخ في شوارع البلاد منزوعة السلاح ، حتى بح صوتها ..لقد فشل الانقلاب ، وافلتت التجربة التونسية من العرْبنة . *المؤسسة الامنية تعتبر المؤسسة الامنية "الداخلية" الحاكم الرسمي الذي ساس به بورقيبة وبن علي البلاد ، و انتزعت عن جدارة لقب "القوة الباطشة" التي توسعت في انتاج صنوف نادرة من القهر لتتقرّب بها الى الدكتاتورية بطبعتيها ، انها الآلة العملاقة التي نجحت عن استحقاق في تفكيك كل مشاريع المقاومة واجهضت الآلاف من اجنة النضال ووادت اخرى كادت ان تصل سن التكليف ، ومن دهائها ومكرها في الترهيب والتخذيل والتشتيت نجت في تأجيل سبعطاش ديسمبر لأكثر من نصف قرن . حاولت القوى المتضررة من محطة 23 اكتوبر 2011 استمالة المؤسسة الامينة لتعود من خلالها الى الحكم لكنها فشلت لوجود العديد من القيادات الامنية التي تؤمن بفكرة الامن الجمهوري ثم لوضوح موقف الثكنات التي افصحت عبر اكثر من سلوك انها لن تنخرط في أي من الانقلابات ولن تدعمها ، بل لوحت الى انها لن تسكت عنها ، حينها خفضت بعض الاسلحة الخفيفة جناحها لتلك الثقيلة ثم ما لبث ان دب الياس في مشاريع الانقلابات ، وتقطعت السبل بمشروع البيان الأول . *المؤسسة المالية من يملك السلاح يملك السلطة ! لا لا ! تلك عقلية عربية افريقية لاتينية شمولية قديمة ومستهلكة ، في عرف الفلسفة البورقيبية والتي اورثها لخلفه بن علي ، من يحيّد السلاح ويملك المال يملك السلطة ، حتى ان دولته تبدو في ثوبها المدني الانيق ديمقراطية ترشح بحقوق الانسان ، فالمال هو الغول الذي مرغ السلطة في وحل الجهويات ، وثبت اركان دولة القمع الناعم ، المال هو الذي اشترى للدكتاتورية بعض السنوات الاضافية ليمدد في عمرها ، وبما أن الثكنات في الدول العربية استحوذت وتجذرت نجدها اليوم تبطل مفعول الثورات وتحول الاحلام الى برك من الدماء ، ثم وبنا ان المال السياسي في تونس هو الاخطبوط نجده اليوم يحاول اجهاض الحلم ويبحث عن تلابيب سبعطاش ديسمبر ليمعن في الخنق حتى الموت . *ملابسات التصويت بالعودة الى قوة المؤسسات الامنية والعسكرية والمالية ، وما تعنيه في عملية الانتقال الديمقراطي سلبا وايجابا ، ثم وبالعودة الى تأثير هذه المؤسسات في تاريخ الدول والشعوب وخاصة في تاريخ تونس القديم والجديد ، بالعودة الى ذلك لا يمكن بحال اعتبار الشخصيات التي تصدرت التصويت في مجلس باردو هي الاكثر قبولا بين النواب والاكثر قربا من الكتل الكبرى ، وعليه يستحيل الادعاء ان التصويت كان لصالح الزبيدي، في حين انه كان لصالح وزارة الدفاع ، الامر نفسه ينطبق على الداخلية والمال والتجارة ، تلك مؤشرات تؤكد ان الكتل لا تعرف براهم ولا شلغوم بل تعرف من اين تؤكل الكتف وتحسن التقرب الى مصادر القوة ، وتعلم انها بصدد مرحلة مختلة يكتنفها الشك وتحوم حولها الشبهات ، مرحلة تقتضي الاقتراب اكثر من الدينار والرشاش .