بقلم الاستاذ بولبابه سالم فاز فلاديمير بوتين بولاية رئاسية جديدة لحكم روسيا الاتحادية بنسبة 77 % من الاصوات في الانتخابات التي جرت امس الاحد . نسبة هامة امام مرشحين لم يستطيعوا منافسة الرئيس الذي تجنب خوض حملة انتخابية كبيرة لانه واثق من رصيده السياسي و مما قدمه لشعبه خلال فترة حكمه . منذ سنة 2000 ظهر بوتين خلفا لبوريس يلتسين ، و كانت التركة ثقيلة بسبب عجز يلتسين و مرضه وسط تدهور اقتصادي و اجتماعي و غياب روسيا عن الساحة الدولية مع تفكك الاتحاد السوفياتي حتى كانت الحكومات في عهد يلتسين عاجزة عن توفير اجور موظفي القطاع العام لاشهر عديدة . بوتين هو ابن جهاز الكا جي بي و من عادة رجال المخابرات انهم خطيرون و يحيطون مشاريعهم بالكثير من السرية و الغموض . روسيا لا تنقصها الثروات الطبيعية و لا الادمغة والكفاءات لكن كان ينقصها رجل قوي و سلطة تنفيذية حازمة ، و استطاع بوتين ان يحكم البلاد مثل مدير شركة مع القيام باصلاحات كبيرة صلب الادارة و القطاع العام و طبق القانون بصرامة على الفاسدين و اعاد هيكلة المؤسسات الكبرى او التي كانت على وشك الافلاس ، و بعد عقد كامل استطاعت روسيا ان تتعافى اقتصاديا حتى هدد اوروبا بمنع تصدير الغاز في فصل الشتاء لما ساندت النزعات الانفصالية في اوكرانيا . بعد الانتعاشة الاقتصادية اعاد فلاديمير بوتين روسيا بقوة الى الساحة الدولية ، وهو بحكم تكوينه المخابراتي زمن الحرب الباردة يعرف جيدا كيف يفكر الغرب ، و بعد ان كانت الولاياتالمتحدة تمرر القوانين التي تريدها داخل مجلس الامن صارت موسكو ترفع حق الفيتو في اكثر من مناسبة ضد الغطرسة الامريكية خاصة حول ما يتعلق بالنزاع في الشرق الاوسط و سوريا على وجه الخصوص . و جاء التدخل العسكري الروسي المباشر لمساندة حليفها بشار الاسد في الحرب التي يخوضها ضد داعش و الجماعات التكفيرية و من يدعهمهم من الولاياتالمتحدة الى بعض البلدان الخليجية و تركيا . و ذكر وزير الخارجية الروسي لافروف وقتها ان بلاده تملك معلومات عن داعش و من يحركها من قوى غربية و ان الجيش الروسي سيقضي على داعش ، فيما توعد بوتين بالدفاع عن النظام السوري و لو تحول القتال الى شوارع موسكو .. و فعلا استطاعت روسيا القضاء على المعارضة المسلحة في سوريا رغم هول المجازر التي حصلت و التي دفع ثمنها الشعب السوري و ابقت روسيا على قاعدتي الحميميم و طرطوس على ساحل البحر المتوسط بعد انسحاب جيشها من سوريا . و استطاع بوتين ايضا ان يبني تحالفا مع ايران و تركيا (التي تجاوز معها حادثة اسقاط الطائرة ) ليشكل هذا الحلف الثلاثي قوة اقليمية جديدة لبحث حلول لمشاكل المنطقة فكانت الموافقة على دخول القوات التركية الى عفرين السورية لتطهيرها من المقاتلين الاكراد المدعومين امريكيا ، فيما استطاعت ايران لجم طموحات الاكراد في شمال العراق و تدخل قاسم سليماني الذي تحول الى كركوك لهذا الغرض ، و تلك هي السياسة ، مصالح و منافع متبادلة . و استطاع بوتين ان يبني علاقات قوية مع تركيا بعد فترة من القطيعة و تدعمت هذه العلاقات اثر المحاولة الانقلابية الفاشلة في صيف 2016 و زار اردوغان موسكو حيث اطلعه بوتين عن تورط الغرب و الولاياتالمتحدة مباشرة في المحاولة الانقلابية . و لان التعليم هو حجر الزاوية في تقدم الشعوب فقد قال بوتين في كلمته اثناء العودة الدرسية التي يحتفل بها بشكل مميز في روسيا كل عام " ان هدفنا ان تكون روسيا قوية و ان يقود شبابها العالم عبر الذكاء الاصطناعي الذي يزرعه نظام تعليمي متطور " ّ. و ليس خافيا التطور الذي تشهده روسيا في مجال الاتصال و التاثير و العمليات المعقدة من التدخل في الانتخابات الرئاسية الامريكية الى قتل الجاسوس المزدوج الذي اثار ازمة مع بريطانيا. لقد استطاع بوتين ان يوقظ الدب الروسي من سباته و ينهي عصر العربدة الامريكية و يعيد التوازن الى السياسة الدولية بعد ان انجز المهمة الاصعب وهي بناء الاقتصاد القوي ، و النتيجة هي الفوز بسهولة على منافسيه لفترة رئاسية جديدة . كاتب و محلل سياسي