أبو مازن، جامعي جائحة كوفيد19 أحدثت ضائقة على المستوى الصحي أولا وكذلك الاجتماعي والصناعي والاقتصادي والتجاري لتونس ولغيرها من دول العالم. مستشفيات ميدانية قيد التصميم وآلات واحتياجات طبية مفقودة في ظل شح شديد للسوق العالمية. آلات انتاج معطلة جرّاء الحظر الصحي المحلي ولكن الأخطر هو حظر عالمي للطيران والذي يسبب قطعا غياب عدد من المعدات التكنولوجية فائقة الجودة ومستحضرات أساسية تستعمل كمواد أساسية في صناعاتنا التحويلية وكذلك انعدام استقدام الخبرات العالمية لتطوير أو اصلاح أو معاينة منظومة صناعية قد تعطلت. تونس لا تعوّل على الخارج في مستقبل الأيام وستحاول شق طريقها بكل ثبات فأبناؤها يطورون البحوث التكنولوجية والوسائط الإعلامية ويقومون بأرقى العمليات الجراحية الدقيقة في عديد الدول المتقدمة. التونسيون أينما حلوا في المخابر الدولية نالوا الرضا لكفاءة الذهن والساعد ولكنهم غيبوا عن وطنهم الأم لعقود فانقطعت حبال الأمل في التطوير والمعرفة ولولا الاعلام الخارجي الذي يحاول ابراز بعض الباحثين في ميادين شتى لكانوا نسيا منسيا في بلادهم. لنا في تونس طاقات علمية واعدة في مختلف الاختصاصات التكنولوجية والطبية والفلاحية والاقتصادية وغيرها من ميادين البحث والتطوير ولكن أغلبهم أصيب بالغبن في نظام قديم حسبهم مجرد جزء من الوظيفة العمومية، قد اقتصرت مهمتهم على التدريس والبحث الذي لا تؤطره الدولة ولا تنال غايته ولا يصيبها مبتغاه. لقد سعت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مؤخرا وتحت تحدّ لوباء كورونا الى بعث منصة بحث وتطوير تعنى بربط الصلة بين مختلف ميادين البحث الذي بات الحل الوحيد لبناء دولة مستقلة بذاتها وبحوثها ومؤمنة لصحتها وقوتها وأمنها. المنصة (rd-p.tn) تجمع على ما يبدو جميع الراغبين من أساتذة باحثين ومهندسين وتكنولوجين وصناعيين ومنظوريهم في تخصصات أخرى الى الحيلة التي فتقتها الحاجة. ولعل هذه الخطوة تكون جامعة بين مختلف الوزارات حتى يستفاد ويطور ما ينتجه الشباب ففي ظرف وجيز تفتحت قريحة الشباب في مدارس المهندسين ومؤطريهم الى تطوير آلات ضخ الأوكسيجين وقيس الحرارة عن بعد وصناعة واقيات للوجه وغيرها من متطلبات الأزمة الصحية. لنا أن نواصل المسير في مجالات غير الصحة ونقطع مع استيراد "الخردة" العالمية التي شرّعت لها اللوبيات فغزت الأسواق وقطعت الأرزاق. لنا أن نطور البذور الفلاحية ونطوع ميدان النسيج الذي فقد بريقه الى انتاج ما يحتاجه التونسي وربما للتصدير يوما ما. عديدة هي الصناعات البسيطة التي صارت عبئا على الاستيراد والتي يمكن تحويل آلاتها وتطويرها لمواكبة عصر العولمة فيزدهر انتاجها وتنقص تكلفتها فتنتصر تجارتها. هي خطوة هامة دفعتنا الحاجة للاستنجاد والتعويل على أبنائنا ولعلها لن تكون ظرفية فلا ينطفئ بريقها بُعيد هذه الجائحة. رأينا كيف تضطرب السوق العالمية جراء هذه الجائحة فتنبهنا لذلك، ولعلنا نخشى تكرار هذا الاضطراب مرة أخرى جراء وباء ثان لا قدر الله أو حرب مستعرة أو صراع محاور فلا يثنينا أمل النجاة من كوفيد عن مواصلة البحث والتطوير بعيدا عن موديلات الاقتصاد الريعي والاعتماد على السياحة الموسمية.