لم يكن جمهور الحمامات يتوقع أن يتابع عرضا في الفن الشعبي خارجا عما هو مألوف، فالأعداد الغفيرة التي حضرت، الليلة الفائتة، لمواكبة عرض "نشيد الفرح" للموسيقار شادي القرفي وبمشاركة الفنانيْن الشعبييْن صالح الفرزيط وفوزي بن قمرة ضمن مهرجان الحمامات الدولي في دورته السادسة والخمسين، كانت تُمنّي أنفسها بمشاهدة عرض فني شعبي خالص، خاصة أن المعلقة الرسمية للعرض حملت صورة اثنيْن من أهم أعلام المزود في تونس وهما صالح الفرزيط وفوزي بن قمرة. وعلى ركح مهرجان الحمامات الدولي، ضمت الجوقة الموسيقية عازفين على آلات نفخية وإيقاعية ووترية إلى جانب الكورال، بالإضافة إلى عازف على آلة المزود وآخريْن على البندير والدربوكة. وقد أدى هذا الاجتماع للآلات الموسيقية الأوركسترالية والشعبية إلى تزاوج بارع بين هذين النمطين الموسيقييْن الشعبي والأوركسترالي. ... واستوحى شادي القرفي عرض "نشيد الفرح" من "السيمفونية التاسعة" لبيتهوفن، لكن بكلمات لجلبار نقاش. وللمرة الأولى في تاريخ الموسيقى التونسية، ينشد فوزي بن قمرة وصالح الفرزيط الفرح، فأديا ضمن أوركستر سيمفوني أغاني المزود التي اشتهرا بها كما أغاني أخرى من التراث الشعبي. كما تم خلال العرض تكريم فرقة مسرح الجنوب بقفصة ومديرها عبد القادر مقداد من خلال أغنية " جيت نعوم الموج قلبني". وافتتح العرض بالنشيد الوطني التونسي، ليعتلي على إثره الفنان صالح الفرزيط الركح على هتافات الجمهور، مقدما أغنيته الشهيرة "ارضا علينا يا لميمة". وغنى الفرزيط أيضا "قالولي روح براني". وأدى مع فوزي بن قمرة أغنية "خلوني خلوني" وباقة أخرى من أغاني الفن الشعبي الخالدة والتي ظلت راسخة في أذهان الجمهور وحفظها عن ظهر قلب. أما الفنان فوزي بن قمرة، الذي عاد إلى أغاني المزود والفن الشعبي من جديد بعد أن انقطع عنه واختار الإنشاد لسنوات بعد الثورة، فقد ردّد عددا من أغانيه التي اشتهر بها في التسعينات على غرار "جواباتي" و"ليام تجري" و"جيت نعوم الموج قلبني" وغيرها. وتفاعل الجمهور مع هذه الأغاني بالرقص والتصفيق وهاتفا بالمزيد من الأغاني الشعبية مثل "نجيبك نجيبك" و"على باب السويقة"، غير أن تقيد الفنان ببرمجة العرض حال دون أداء هذه الأغاني. وصرح الفنان الشعبي فوزي بن قمرة، خلال الندوة الصحفية التي تلت العرض، أن هذه التجربة تُضاف إلى مسيرته الفنية وتنضاف إلى الفن الشعبي عموما، "وهي لئن تعدّ تجربة جديدة في تونس، فإن دولا أخرى كانت سباقة في الجمع بين موسيقاها الشعبية والموسيقى الأوركسترالية على غرار أذريبجان وكازاخستان وباكستان وتركيا وأرمينيا وإيران". وقال "هذا المشروع انطلقنا في الإعداد له قبل سنتين، لكن ظروف الجائحة منعتنا من إنهائه في موعده المحدد، ليرى النور أخيرا خلال هذه الصائفة على ركح مهرجان الحمامات الدولي". ولا حظ بن قمرة أن الموسيقى الأوركسترالية تفرض قيودا في مستوى "القواعد الموسيقية" على الفنان الشعبي وتحد من حريته خاصة في التنقل على الركح والرقص وحتى في التواصل مع الجمهور وتلبية رغباته. ويرى أن هذا العمل هو "مغامرة موسيقية" وقد يشكل "صدمة فنية" للجمهور الذي كان ينتظر عرضا للفن الشعبي، مضيفا "لكن ينبغي على الجمهور أن يستأنس بمثل هذه التجارب الفنية وهذه التصورات الموسيقية المغايرة وغير المألوفة". وأضاف "أعتقد أنه بتتالي العروض سيستأنس الجمهور على مثل هذه الأعمال الموسيقية". ومن جانبه، أوضح الموسيقار شادي القرفي أن "نشيد الفرح" مستوحى من "السمفونية التاسعة" لبيتهوفن، قائلا: "أردنا من خلال هذا العمل التأكيد على أن الفن الشعبي هو من خصوصيات الموسيقى التونسية. ونحن استقطبنا الفن الشعبي في الموسيقى السمفونية، ومن الطبيعي تقييد عازف الفن الشعبي والمغني الشعبي لفرض "الانضباط" في العزف الموسيقي". تابعونا على ڤوڤل للأخبار