قضيّة اجتماعية وإنسانية يعتبرها النقاد من "المسكوت عنها" في تونس والعالم العربي تتعلّق بما يصطلح تسميتها ب "ثنائية الجنس" وهي أقليات حاملة ل "تشوّه خلقي أو جنسي" أو ما يعتبره البعض اضطرابا في الهوية الجنسية ويراه البعض الآخر ازدواجا جنسيا. وهذه القضية يُثيرها المخرج التونسي عبد الحميد بوشناق في فيلمه الجديد "الإبرة" الذي يُقدّم في القاعات السينمائية منذ يوم 6 ديسمبر الحالي. وتمّ عرض شريط "الإبرة"، مساء اليوم الأربعاء بقاعة عمر الخليفي بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي، بحضور أبطال العمل وهم فاطمة صفر وبلال سلاطنيّة وجمال مداني وصباح بوزويته والمنصف العجنقي. وتدور أحدث الفيلم على مدى 100 دقيقة حول قصة زوجين ينتظران مولودهما الأوّل بعد أربع سنوات من الزواج. ومع قدوم المولود تُعلم الطبيبة الوالديْن أنّ المولود له خصوصية نادرة ويحمل الجنسين الذكر والأنثى، فيدخل الوالدان في خلافات كبيرة بين رفض الأب لهذا الرضيع وعدم قبوله للأمر وبين تشبّث شخصّية الأم مريم به. تبدأ أحداث الفيلم بنسق خطّي، فلا مفاجآت ولا تغيّر في مضمون الأحداث سوى أن الحوار يدور بين الوالديْن حول المولود الجديد واسمه، كما تبدو العلاقة بينهما متينة للغاية، إلى أن يأتي المولود وتتغيّر معه طبيعة الأحداث ونسقها، فبعد حالة الصدمة الأولى التي بدت على الزوجيْن تأخذ الأحداث منعرجًا جديدا ويبدأ إيقاع الفيلم في التصاعد، إيقاع أجّجه الخلاف بين الوالديْن حول الاختيار بين جنس المولود "ذكرا" أو "أنثى" وفي وقت وجيز مدّته ثلاثة أيام، فتحوّلت العلاقة الزوجية القائمة على الانسجام والتفاهم إلى ما يشبه "الحرب الباردة" بين الزوجين في البيت حيث خيّم عليه الحزن والصمت، وساد التوتّر والاضطراب كِلا الشخصيتيْن في الفيلم. ولإبراز هذا الصراع السائد بين "مريم" وزوجها، اعتنى المخرج عبد الحميد بوشناق بالصورة السينمائية، فوظّف اللّقطات القريبة لتكون منسجمة مع نسق الأحداث ولتبرز "السجن" الذي تحوّل إليه البيت وحالات العزلة والتيه والقلق والحيرة وما أصبحت عليه العائلة بعد ولادة مريم. ... لقد اختار المخرج توظيف اللقطات القريبة للكاميرا لتقريب الجمهور من الممثلين والاطلاع على باطن الشخصيات انطلاقا من جزئيات دقيقة تتمثل في حركة الشخصية ونظراتها وملامح وجهها. ولكن مشاهد الفيلم لم تبرز حالات الاختناق والحيرة والضياع فحسب لدى الزوج وزوجته اللذيْن دخلا في خلاف حاد، وإنما وضعت المتفرّج نفسه يعيش هذه الحالات وهو يتابع أحداث الفيلم، ليجعله مشاركا في التساؤل عن الحلول التي ستلجأ إليها كلّ عائلة تونسية أو عربية تكون موضع الزوجيْن في فيلم "الإبرة". ولم يكتفِ عبد الحميد بوشناق في هذا الفيلم بإثارة قضية "ثنائية الجنس" فحسب، بل تناولها أيضا من مقاربات دينية واجتماعية وعلميّة طبيّة، وهي مقاربات أجمعت، من خلال أحداث الفيلم أن "ثنائية الجنس" تشوّه جنسيّ طبيعي ولا بدّ من تقبّل الموقف والإحاطة بحاملي "ثنائية الجنس". ولئن تميّزت أحداث الفيلم ببساطتها، فإن الفيلم كان عميقا في مضمونه وجاء مشبعا بالرموز والدلالات ويدفع المتفرّج إلى التساؤل والتفكير في هذه القضية المحورية المطروحة. تابعونا على ڤوڤل للأخبار