فرانس 24 - بعد نحو أسبوع من الاحتجاجات التي دعت إليها حركة "لنغلق كل شي"، تعيش فرنسا الخميس يوم غضب جديد دعت إليه تنسيقية النقابات الفرنسية بهدف التعبئة لتنظيم احتجاجات وإضراب يطال قطاعات حيوية ضد الإجراءات المالية التي أعلنها رئيس الوزراء المستقيل فرانسوا بايرو، والتي لم يستبعد خليفته سيباستيان لوكورنو تطبيقها بعد. وتعتبر النقابات أن هذه الإجراءات "قاسية"، منتقدة ما اعتبرته خيارا "لجعل العمال والموظفين، والفئات الهشة، والمتقاعدين، والمرضى، يتحملون مرة أخرى تكاليف السياسات الحكومية". السياق السياسي والاجتماعي يأتي هذا الاحتجاج في ظرف سياسي واجتماعي دقيق. فبعد سنوات من الإنفاق المفرط، تجد فرنسا نفسها مضطرة وفق قواعد الاتحاد الأوروبي إلى خفض عجزها العام وتقليص ديونها المتضخمة. في هذا السياق، اقترح رئيس الوزراء السابق فرانسوا بايرو خطة تقشفية لتوفير نحو 44 مليار يورو، تضمنت إلغاء عطلتين رسميتين وتجميد الإنفاق، ما أشعل غضبا واسعا. هذا الغضب تُرجم أولا في حراك العاشر من سبتمبر/أيلول، ثم تعزز مع سقوط حكومة بايرو بعد رفض البرلمان خطته. وقد عيّن الرئيس إيمانويل ماكرون سيباستيان لوكورنو رئيسا جديدا للوزراء، ولا يزال الأخير يجري مشاورات لتشكيل حكومته. لكن سقوط حكومة بايرو لم يهدئ الشارع. فالدعوة إلى إضراب الخميس (18 سبتمبر/أيلول) لا تزال قائمة، في تعبير عن رفض شعبي لمشروع ميزانية 2026 الذي تعتبره النقابات محملا بسياسات تقشف، وإصلاحات للتقاعد، وضغوط إضافية على الخدمات العامة. كما أن هذا الإضراب يأتي امتدادا ليوم 10 سبتمبر الاحتجاجي الذي رفع شعار "لنُغلق كل شيء"، ما يعكس أن المطالب الراهنة لا تقتصر على تغيير الحكومة، بل تتصل بقضايا اجتماعية وهيكلية أوسع. شكل الحراك تتوقع السلطات الفرنسية مشاركة تفوق 800 ألف شخص في نحو 220 مظاهرة، بينما تراهن النقابات على استقطاب ما يقارب المليون متظاهر، أي ما يفوق حراك "لنُغلق كل شيء" الذي جمع حوالي 200 ألف شخص. وتخشى السلطات من انضمام مجموعات متطرفة قد تزيد من التوتر خلال المظاهرات. ويتوقع أن تشهد قطاعات حيوية شللا واسعا. ففي باريس، صنفت شركة النقل العمومية في منطقة باريس (إر آ تي بي) اليوم المرتقب ب"يوم أسود"، مع دخول أربع نقابات كبرى في الإضراب، ما سيؤدي إلى توقف شبه كامل لمترو الأنفاق، وإغلاق بعض خطوط الحافلات، وتعطل الترامواي. الإضراب سيمتد أيضا إلى قطاع الطيران، إذ ستتأثر رحلات داخلية ودولية لشركة "إير فرانس"، فيما يشارك نحو ثلث معلمي المدارس الابتدائية. كما يُرتقب إغلاق 90% من الصيدليات، وتوقف عمل عدد كبير من عيادات العلاج الطبيعي، ما ينذر بشلل واسع في النقل والخدمات العامة. ماهي المطالب؟ ترفع النقابات الفرنسية قائمة واسعة من المطالب، على رأسها التراجع عن حزمة إجراءات تضمنتها خطة بايرو للتقشف ووُصفت بأنها "قاسية وغير مسبوقة". وفي بيان مشترك نهاية آب/أوت، نددت النقابات بما اعتبرته سياسة "تحميل عبء الإصلاحات للعمال والعاطلين والمتقاعدين والمرضى" مشيرة إلى أن خطة المالية المقترحة تتضمن "تخفيضات في الخدمات العامة، إصلاح جديد للتأمين ضد البطالة، تجميد المساعدات الاجتماعية ورواتب الموظفين والعقود المؤقتة، فك ارتباط المعاشات بالتضخم، مضاعفة الرسوم الطبية، وحتى طرح فكرة إلغاء الأسبوع الخامس من الإجازة السنوية. وعلى الرغم من أن الحكومة تراجعت عن إلغاء يومي عطلة وهو ما اعتبرته النقابات "انتصارا أوليا" فإنها ترى أن جوهر الإجراءات لا يزال قائما. زعيمة الكونفدرالية العامة للعمل (سي جي تي)، صوفي بينيه، صرحت بعد لقائها رئيس الوزراء الجديد بأن "لا شيء من القرارات الكارثية أُسقط"، فيما أعلن لوكورنو في خطاب تعيينه استعداده ل"تغييرات في الجوهر لا في الشكل". ومع ذلك، تصر النقابات، بما فيها الكونفدرالية الفرنسية الديمقراطية للعمل (سي إف دي تي) التي تكون عادة أكثر ميلا للحوار، والتي أكدت بدورها على ضرورة المضي في التعبئة الخميس للضغط على الحكومة، دفاعا عن العدالة الاجتماعية والضريبية والبيئية.