وات - تحرير شيراز النايلي- على حافة الميناء وقف الصياد منهمكا في ترتيب شباكه فوق قاربه الصغير بينما كانت الشمس الذهبية تنعكس على سطح الماء المتلألئ، كان الصياد الخمسيني يعمل بجد و نشاط، ينظم شباكه بعناية فائقة، تتحرك يداه بخفة و مهارة و كأنه يعزف لحنا على أوتار الشبكة كان وجهه يقطر عرقا لكن عينيه تلمعان ببريق الأمل و الإصرار، كل جزء في جسده يشهد على قوته و عزيمته بينما كان قلبه ينبض بحب البحر ورغم بساطة الميناء و قدمه كان الصياد يرى فيه كنزه الثمين فهو ملاذه الآمن و مصدر رزقه الوفير كل ركن في الميناء يمثل ذكرى عزيزة على قلبه و قصص كفاحه في عرض البحر، يقول الصياد زهير، "إن هذا الميناء هو حياتي هو بيتي هو كل ما أملك فدونه وكأني ميت ، هذا القارب الصغير هو رفيقي في رحلاتي البحرية هو بيتي العائم الذي يحملني بين الأمواج المتلاطمة". كان "زهير" متشبثا بمكانه لا يرى في هذا العالم الفسيح مكان آخر يأويه سوى هذا الميناء فمنذ نعومة أضفاره تعلم أسرار البحر من والده الذي كان يقص عليه تاريخ هذا الميناء العريق الضارب في القدم واجه زهير العديد من التحديات مثل تقلبات الطقس و غيرها من الصعوبات لكنه كان يتغلب عليها بالصبر، يؤمن بأن البحر يخبئ في أعماقه كنوزا كثيرة و أن العمل و المثابرة مفتاح الوصول إلى هذه الكنوز يعتبر زهير نفسه، جزءا من هذا الميناء الذي عاش فيه حياة بسيطة لكنها مليئة بالرضا و السعادة مدركا أن المثابرة و العمل الجاد يؤتيان ثمارهما دائما. كبر زهير و كبر معه حبه للبحر و مهنة الصيد، فالبحر بالنسبة إليه ليس مجرد مصدر رزق بل كان صديقا و رفيقا في رحلة الحياة يحمل هذا المكان الذي يعتمد عليه لكسب رزقه قصصا تعود إلى قرون مضت حيث كان الميناء مركزا حيويا للتجارة و الصيد و شاهدا على حضارات متعاقبة و أحداث تاريخية هامة. يعتبر الميناء البوني الذي يقع في منطقة برج الراس بشبه جزيرة المهدية من أهم المواقع الأثرية في تونس حيث يشهد على عراقة الحضارة البونيقية و أهميتها في تاريخ البحر الأبيض المتوسط ولايزال الميناء البوني يحتفظ ببعض من عناصره المعمارية الأصلية إلى يومنا هذا، مثل أجزاء من السور الذي كان يحيط بالميناء و بقايا أحواض كانت ترسو فيها السفن تشهد على عظمة هذا الموقع التاريخي الميناء البوني يستغيث ليبقى ذاكرة حية تعرض الميناء البوني للهجوم من قبل الإسبان سنة 1555 ميلادي وتم تدميره رغم أن بعض آثاره لا تزال شاهدة على عظمته فمازال يتعرض للتهميش والإهمال إذ تحولت أجزاء منه إلى مقبرة تقول المسؤولة بالمتحف الأثري بالمهدية مفيدة جنان، في تصريح ل/وات/ ، رغم أشغال الترميم و الصيانة و الجهر التي شهدها الميناء سنة 2022، إلا أنه لا يزال يشهد جملة من الاعتداءات مثل بناء القبور الجديدة في المقبرة البحرية التي تعود إلى العهد البوني وهو ما اعتبرته انتهاكا لحرمة المعلم الأثري. ورغم أهميته التاريخية إلا أنه لم يصنف ضمن التراث الوطني مما يثير تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء ذلك فيعد الميناء البوني في تونس كنزا تاريخيا و ثقافيا، و إدراجه ضمن قائمة التراث الوطني سيساهم في الحفاظ عليه للأجيال القادمة و سيجذب المزيد من السياح و يعرف العالم بتاريخ مدن تونس العريق و دعت المسؤولة، إلى ضرورة تظافر جهود كل الأطراف المعنية من سلطات محلية و جهوية و مركزية لضمان الإعتناء بهذا الموقع الأثري الهام . و لفتت جنان، إلى أن العناية بهذا المعلم التاريخي وحمايته من الاعتداءات خطوة بالغة الأهمية حتى يحصل على هذا التصنيف ضمن التراث الوطني و لما لا ضمن التراث العالمي جدل تاريخي حول إنشاء الميناء أثار أستاذ مبرز في التاريخ، حسن براهم، في حوار ل/وات/، مسألة الجدل التاريخي المتعلق ببناء الميناء البوني وبينما يعتقد البعض أن الميناء يعود إلى الحقبة البونية هناك آراء أخرى تشير إلى الحقبة الفاطمية. وبين أن هناك أبحاث تجري لإظها الحقيقة التاريخية هل يعود إلى البونيين أم الفاطميين و أوضح أن الحجج التي تدعم النظرية القائلة بأن الميناء يعود إلى العهد البوني تتمثل خاصة في النقر في الحجر عند إنشاء الموانئ التي تعد تقنية فنية تعود إلى العهد البوني بالإضافة إلى الاكتشافات الأثرية إذ عثر في الميناء على قطع أثرية تعود إلى العهد البوني مثل الفخاريات . و يستند المؤرخون الذين يدعمون النظرية القائلة إن الميناء بني في عهد الفاطميين، على عدة عوامل منها التصميم المعماري للميناء ووجود السور الذي كان يحيط بالميناء باعتباره كان ميناء تجاريا و عسكريا أيضا، ما يبرز نفوذ الفاطميين آنذاك في البحر الأبيض المتوسط. تابعونا على ڤوڤل للأخبار