بقلم الأستاذ بولبابة سالم مازال بعض الإعلاميين يصرّون على استغباء و استبلاه التونسيين و عدم احترام ذكائهم , و المضحك أنّ الكثيرين يقولون أن مصلحة تونس فوق كل اعتبار و أن هناك خطوطا حمراء تشكل دعامة للأمن القومي . يحرص الإعلامي في زمن التنافس الشديد بين المحطات الإعلامية التي تكاثرت كالفقاقيع على استقطاب أكبر عدد ممكن من المشاهدين عبر صناعة اعلامية محترفة ذات جودة عالية يقدمها منشطون أكفاء يجمعون بين التمرّس بالعمل الصحفي و سرعة البديهة و قوّة الشخصية و القدرة على السيطرة على الحوار . مهما بلغت حدّة التنافس الإعلامي فإن هناك ضوابط أخلاقية و اجتماعية ووطنية فخيانة الوطن و تهديد السلم الأهلي مثلا ليست وجهة نظر والتجاهر بالفواحش أمام المشاهدين ليست حرية بل جريمة يعاقب عليها القانون , فالصحفي مطالب بمراعاة كل هذه الضوابط و غيرها في عمله . هذه المقدمة أردتها توطئة لما حصل في حصة التاسعة مساء على قناة التونسية عندما رفع ذلك الإمام السلفي في دوار هيشر " نصر الدين العلوي " كفنه على المباشر مهددا وزير الداخلية و الشعب التونسي بمعركة دموية , ذلك الخطاب المرعب أربك التونسيين و لا أحد لم يشعر بالقلق و الحيرة إزاء المنحى الخطير الذي وصل إليه الوضع بعد الأحداث المؤلمة التي حصلت بعد عيد الأضحى بعد الإصابة الخطيرة التي تعرض لها قائد فرقة الأمن العمومي وسام بن سليمان {شفاه الله } و مقتل إثنين من التيار السلفي{ رحمهما الله } بعد محاولة الهجوم على مركز الحرس الوطني . كان من عادة قناة التونسية أن يحضر ضيوف البرنامج في الأستوديو بل و توفّر لهم وسائل النقل, و يعرف من يحضر البرامج التلفزية التفتيش الدقيق الذي يخضع له , كما يسلّم كل ماهو غير ضروري لفريق البرنامج قبل دخوله للحصّة , وهذه في الحقيقة اجراءات احتياطية يعمل بها في كل قنوات العالمية . و المثير للإنتباه أنّه ليست المرة الأولى التي يحضر فيها ممثل عن التيار السلفي الجهادي برامج قناة التونسية و برنامج التاسعة مساء على وجه الخصوص فقد حضر سابقا الناطق باسم التنظيم " حسن بريك " في حوار حضره حمة الهمامي و عبد العزيز المزوغي و رضا بالحاج . طبعا لا تشكو قناة التونسية من صعوبات مادية ليحضر نصر الدين العلوي في الأستوديو فدوار هيشر ليست دولة مجاورة و لم تغلق حدودها مع تونس فهي من أحواز العاصمة و لا تبعد عن الأستوديو أكثر من 18 كلم , فما الذي جعل بن غربية يفضّل التواصل عبر الأقمار الصناعية و يرسل فنيين و أجهزة تقنية ؟ إن حضور نصر الدين العلوي في استوديو البرنامج لن يجعل التونسيون يشاهدون ذلك المشهد المفزع , لأنّه حتّى و إن أحضر معه ذلك الكفن فلن يسمح له باصطحابه على بلاتو الحصّة . رغم أني لست من أصحاب نظرية المؤامرة فإنّي بدأت أشك أن ما حصل ليس بريئا خاصة بعدما تناهى إلى سماع الجميع اختلاط الأوراق في ما حصل في دوار هيشر و ظهور إشاعات عن مكالمات هاتفية مشبوهة و اختراق السلفيين من قوى الثورة المضادة . هل يصدّق عاقل أن مبعوثي برنامج التاسعة مساء إلى إمام جامع النور لا يعلمون بقصة الكفن؟ و السؤال الخطير هو : أين مسؤولية الإعلام فيما يبثه من مشاهد ؟ إن تلك الصورة المرعبة قد تجعل آلاف السياح يفكرون في مغادرة البلاد بل هي قد أدخلت الرعب في قلوب التونسيين فتلك مقدمات الحرب الأهلية . إنّ البحث عن التميّز و السبق الصحفي لا يعني العبث بأمن البلاد و استقرارها و تمرير كل ما تصوّره الكاميرا . إذا ربطنا تلك الحصة بجملة الأحداث التي حصلت في الفترة الأخيرة إضافة إلى التجاذبات الحاصلة بين الفرقاء السياسيين و بداية فتح ملفّات الفساد الكبيرة ووصولها إلى القطط السّمان ممّن يشكّلون أقطاب الثورة المضادة يجعل تدهور الأوضاع أمرا منتظرا و رد الفعل يكون أكثر عنفا . لكن كل ذلك لا ينفي أبدا الحماقة التي أقدم عليها ذلك الإمام في جمهورية دوار هيشر الشقيقة , و لذلك نحق له أن نسأله سؤال ذلك الرجل : من أنتم لتكفّروا الشعب التونسي ؟ و حفظ الله تونس.