بقلم نزار بولحية (*) الانطباع الحاصل لدى اغلب الصحفيين الذين تابعوا فعاليات القمة العربية الاخيرة بالدوحة عن قلة اهتمام الرئيس التونسي المنصف المرزوقي باناقته وتذيله قائمة الرؤساء والملوك الاقل عناية بالمظهر من بين نظرائه الحاضرين لم يكن بالامر المفاجئ او الغريب عن كل من عرف اوتابع مسيرة الرجل خصوصا بعد تقلده للمنصب قبل ازيد من عام . فاكثر ما شد اهتمام التونسيين في ذلك الطبيب الحقوقي منذ ان القى خطابه الرسمي الاول تحت قبة المجلس التاسيسي عقب فوزه بثقة النواب هو الشكل الذي ظهر به حاملا لقبا طالما اقترن في السابق بكل الاهوال التي تدخل الرعب على النفوس. استعاض الدكتور المرزوقي في ذلك اليوم عن البدلة الرسمية العصرية اي الجاكيت التي اعتاد المسؤولون الرسميون الظهور بها امام الجمهور بزي تقليدي تونسي هو البرنس وقاطع ربطات العنق محاولا فك الارتباط بتلك الصورة المبهرة لشخص الرئيس الذي لا تفنى وسامته ولا يبارى في الاناقة والشياكة. ثورة المظهر او الشكل التي اندفع اليها وحتى اقدامه على فتح ابواب قصر قرطاج منذ الايام الاولى لولايته امام الكبار والصغار جعلته محل تندر الصحافة التونسية التي رات في الزيارات المتتالية لروضات الاطفال والجمعيات الشبابية مبالغة غير مفهومة اما استقبالاته لتيارات سياسية وفكرية ذات مرجعيات متضادة فلم تجعل منه رئيسا لكل التونسيين مثلما اراد, كما لم تخفض في المقابل من حدة التجاذبات والتوترات بين فرقاء الساحة . فلا السلفيون الذين استقبل في مرات كثيرة بعضا من رموزهم ممن ينسبون الى مايسمى بالسلفية العلمية غفروا له وصفه لهم في لقاء صحفي بالجراثيم رغم اعتذاره في وقت لاحق عن ذلك الوصف ولا الحداثيون استطاعوا ان ينسوا بسهولة لقائه في قصر قرطاج ببعض اعضاء رابطات حماية الثورة التي يحملونها القسط الاكبر من المسؤولية عن داء العنف السياسي الذي ضرب البلد. غير ان اشد الانتقادات الموجهة اليه من الخصوم والحلفاء هي عدم قدرته حتى الان على نزع ثوب الحقوقي المعارض وارتداء زي رجل الدولة المشارك في صنع القرار و تحمل مسؤولية السياسات.فالأحداث والأزمات التي مرت بها تونس خلال هذه المرحلة الحساسة اظهرته عاجزا عن اتخاذ خطوات حاسمة وفورية تكفي للقطع مع ما طبع مواقفه من تردد واضح بين الانتماء الى فريق ثلاثي حاكم وبين اظهار التبرم والضجر وحتى التلويح بالقطيعة التامة معه.ومن الواضح ان التنظيم المؤقت للسلط العمومية وهو بمثابة الدستور الذي يحكم سير المؤسسات الانتقالية الحالية قد نزع عن الرئاسة جل مخالبها غيران الدكتور المرزوقي الذي كان على علم مسبق بمحدودية صلاحياته ظل يتحدث باستمرار بمنطق من يمسك فعليا بكافة الاوراق. ولم تكن ازمة تسليم رئيس الوزراء الليبي السابق البغدادي المحمودي الى ليبيا بداية الصيف الماضي والتي كادت ان تعصف بالترويكا الحاكمة سوى القشة التي قصمت ظهر البعير واظهرت للتونسيين حجم وثقل كل طرف من اطراف السلطة. لم يستطع الدكتور في ذلك الوقت ان يمضي قدما في استقالة سبق له التلويح بها لكنه لم يحاول كذلك ان يخفي سخطه وغضبه مما اسماه في خطاب القاه لدى افتتاحه مؤتمر حزبه المؤتمر من اجل الجمهورية بحضور قادة من حركة النهضة تغول الحركة وهيمنتها على دواليب الدولة. ما حصل بعد ذلك هو ان عزلة الرئيس ازدادت حدة بفعل تفكك حزبه عقب موجة الاستقالات المتتالية التي طالته وادت الى انقسامه الفعلي الى نصفين.محشورا في زاوية ضيقة بلا سند فعلي حتى من داخل الحزب الذي قام بتأسيسه ومجبرا على مواصلة رقصة الفالس المملة مع شريك لا يطمئن له وجمهور يترقب زلاته وسقطاته الكلامية باهتمام بالغ.ذلك هو حال الرئيس اليوم . كان الافراط في الاناقة والظهور الاعلامي المدروس ستارا ناعما لاستبداد مؤلم للانظمة التى تتالت على حكم تونس ويبدو الان ان النقص الواضح في ذلك الجانب قد يكون عائقا اضافيا اخر امام نجاح هذه الديمقراطية الغضة والفريدة في التاريخ المعاصر للبلد.