منجي المازني دأبت وسائل إعلام بقايا نظام الاستبداد على مهاجمة رموز الحركات التحررية وتلويث سمعتهم في كل مناسبة وعبر كل قناة (من قنوات الثورة المضادة) لغاية تكوين رأي عام يدين رموز الثورة وقادة حكومة الثورة ومن ثم بلوغ هدف ضرب الثورة العربية. ففي كل مرة يتفرغ هذا الإعلام بكل تلويناته إلى الانقضاض على رمز من رموز الثورة والنضال أو مسؤول في حكومة الثوار ويفبرك له بعض اللقطات ثم ينسج له بعض الروايات والحكايات المشبوهة التي تدينه ويعرضها على المشاهدين كتقرير متلفز ثم يأذن بفتح حوار مطول لإدانة وتشويه من جاء عليه الدور. وفي هذا السياق لم يفلت من التشويه كل من رئيس الدولة منصف المرزوقي ورئيس الوزراء السابق حمادي الجبالي والحالي علي لعريض ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ووزير الخارجية السابق رفيق عبد السلام والقائمة تطول ... وجاء الدور هذه الأيام على وزيرة المرأة سهام بادي. وعندما ينتقل المشاهد العادي بين القنوات المشبوهة يقف على نفس البرامج ونفس التهم ونفس الفبركات التي تروجها كل هذه القنوات فتنطلي الحيلة عليه ويصدق ما يقدم له من معلومات. وهو ما يدخل في باب صنع الرأي العام. ولعل آخر ما صدر من تشويه في حق الوزيرة سهام بادي : ما قيل عنها من أنها لم تقم بالإجراءات الضرورية لمنع حوادث أليمة من مثل اغتصاب الطفلة ذات الثلاث سنوات بإحدى رياض الأطفال من قبل حارس الروضة. ولكن ما هي الإجراءات التي يمكن أن تتخذها وزيرة المرأة والأسرة لمنع مثل هذه الأفعال ؟ أولا إن هذه الأفعال القذرة لا يمكن منعها إلا بتكاتف جهود عديد الوزارات كوزارة الداخلية ووزارة العدل ووزارة الشؤون الدينية وعديد مؤسسات المجتمع المدني. وثانيا إن وزيرة المرأة ليست مديرة مصنع حتى نتهمها بالتقصير في إنتاج الكمية المطلوبة. وإنما هي مسؤولة عن مؤسسة تربوية معنية مثل غيرها من المؤسسات بإعداد نشأ وجيل جديد بعقلية جديدة وروح متجددة. ولا يمكن تحقيق هذا الهدف إلا بعد سنوات من العمل المتكامل من طرف كل مؤسسات المجتمع المدني. فعمليات الاغتصاب وكل الأعمال القذرة التي تحدث في واقعنا اليوم هي في الحقيقة حصاد ما زرعه من سبق إلى الحكم من السلف الطالح وليس الصالح. وكما قيل: زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون. وزرع حكومة الثورة مازال في طور التشكل في رحم الثورة ولابد له من الوقت الضروري حتى ينمو وينضج. ولكن معارضتنا التي تذكرنا في كل مناسبة أنها مسلمة أبا عن جد تأبى إلا أن تنال أجرين على كل عمل تقوم به : أجر على نشرها لثقافة الفساد والعري والرقص والمجون، وأجر ثان على الكذب والبهتان عندما تنحو باللائمة وبوزر ما زرعت على عاتق الحكومة الحالية. فكيف يمكن لوزيرة المرأة أن تمنع عمليات الاغتصاب وإعلام العار يسوق للرقصات المشبوهة وللإيحاءات الجنسية في كل برامجه الحوارية والترفيهية والتنشيطية ؟ وكيف يريد بعض ناشطي حقوق الإنسان منع عمليات الاغتصاب وهم يصرون على إلغاء أحكام الإعدام في حق المجرمين ؟ قال الله تعالى: "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب". وكيف تريد بعض الحداثيات منع هذه الظاهرة وهن تظهرن كاسيات عاريات على الفضائيات للتنديد بعملية الاغتصاب. ثم كيف تريد معارضتنا منع ظاهرة الاغتصاب وهي تتصدى في كل مرة للعلماء الوافدين على تونس بدعوى أنهم يساهمون في نشر التشدد في بلادنا. لم يرتبط الإعلام المشبوه بالقنوات التونسية فقط بل تعداه إلى عديد القنوات العربية. ولم تقتصر الحملات التشويهية لإعلام الثورة المضادة على وزراء الائتلاف الحاكم بل طالت كل الحركات الإسلامية وكل الشباب المجاهد في تونس وخارج تونس. كما طالت أيضا كل ثوابت الإسلام وأولها الجهاد. فلقد أعدت هذه القنوات في الفترة الأخيرة حوارات وملفات حول الشباب العربي الذي التحق بالثورة السورية عن طريق الأراضي التركية واللبنانية والأردنية. فعلى سبيل المثال تعرض علينا قناة الميادين صورا لمدنيين قتلى وجرحى ثم تسأل أحد الشباب المجاهد حول الأذى الذي يلحق بالمدنيين الأبرياء من جراء التفجيرات والقذائف العشوائية ؟ فيجيب : إذا كنا سنفكر في الأبرياء فإن الجهاد سيتوقف. وهذه كلمة حق أريد بها باطل. فهذا المقاتل أراد أن يوضح للناس بأن الأذى في الحروب لا بد أن يلحق ببعض الناس مهما توخينا من حذر ومهما حاولنا بكل ما أوتينا من جهد لتجنيب المدنيين الأذى. ولذلك فهو ينصح بعدم التسبب بما يلحق المدنيين من أذى لتشويه المجاهدين. إلا أن طريقة عرض السؤال والجواب عنه والصور المرافقة لهما توحي للمتفرج بأن هؤلاء المقاتلين الثوار لا تهمهم دماء المدنيين بقدر ما يهمهم إسقاط النظام السوري. ولكن لسائل أن يسأل : لماذا لا تتذكر هذه القنوات مآسي المدنيين في الحرب ولا تسلط عليهم الضوء إلا عندما تتحدث عن جهاد وقتال الثوار ومن ناصرهم ؟ ولماذا لا تسلط هذه القنوات الضوء على ما ارتكبه نظام بشار الأسد من مجازر في حق المدنيين والأطفال والشيوخ والمرضى وعلى صواريخ النظام المدمرة التي تتهاطل على طوابير الناس أمام المخابز وفي الأسواق ؟ هذا علاوة على أن قنوات الثورة المضادة في بلادنا تشن حملة شديدة على المجاهدين العرب المساندين للشعب السوري. حيث تروج أخبارا مفادها أن أغلب هؤلاء الشباب المجاهد التحقوا بجبهات القتال خلسة وبدون رضاء والديهم وأجرت عديد الحوارات مع الأمهات اللاتي افتقدن أبناءهن فجأة وأظهرتهن في حالة غم وهم وحزن وبكاء !! ولكن هل الذين يحاربون في صفوف النظام السوري يحاربون برضاء والديهم ؟ وفي سياق متصل أجرت قناة الميادين تغطية شاملة تلفت الانتباه إلى أن عديد المقاتلين يستقدمون فتيات من تونس للاقتران بهن بعقود غير شرعية لغاية السهر على راحتهم. ويتم هذا الأمر بمباركة شيوخ متزمتين وبرعاية وتمويل ممولين عرب رغم تحريم هذه الأفعال من قبل علماء الأمة المشهود لهم بالعلم والتقوى. ولا يفوتنا أن نشير إلى أن هذه الأخبار لقيت استنكارا شديدا وتكذيبا من عديد الأطراف بل ومن الصحفيين أنفسهم. ما لفت انتباهي في هذا الصدد هو تعليق الأستاذ رشاد أبو شاور الكاتب المعروف على صفحات القدس العربي حين ختم مقالة له بعنوان "فتاوى مخزية" بالقول : "ما يحدث في سورية ليس سوى عملية ذبح لبلد وشعب ودولة تأججها الفتاوى المخزية الخارجة عن الإسلام والتي التقت مع قرارات قمة الدوحة التي انعقدت ليوم واحد لتنفيذ بند واحد هو كل جدول أعمالها : منح مقعد سورية لجهة معارضة. والهدف النهائي لكل ما يجري هو شطب سورية كبلد ودولة وشعب". فلماذا يتم حصر البلد الرائع سورية وشعب سورية البطل في شخص بشار الأسد ؟ فكل هذه التعاليق توحي للقارئ والمشاهد العربي بأمرين: الأمر الأول : وكأن الجهاد وكل الجهاد في سورية ضد نظام بشار الأسد يخاض من طرف المقاتلين العرب وليس للسوريين فيه نصيب ! فهل السوريون أقل شأنا من إخوانهم العرب حتى يستقدموا مجاهدين من الدول العربية ليجاهدوا بالوكالة عنهم ؟ الأمر الثاني : كل المقاتلين العرب الذين يتم تقديمهم على أنهم متزمتون ويعملون لأجندات خاصة هم بعض مئات وفي كل الحالات لا يتجاوزون بضعة آلاف ولا يمثلون واحد من مائة من الثوار السوريين. فلماذا يقع تضخيم عدد هؤلاء ؟ الجواب معروف وهو ينحصر في صناعة رأي عام عربي يدين هذا النوع من الجهاد المقدم للمشاهدين ومن ثم محاولة سحب التحريم على كل أنواع الجهاد في سورية وعلى كل الأطراف. ففتاوى تحريم أو إباحة أمر ما لم تعد شغل علماء الدين بل استحوذت عليها أطراف أخرى وأصبحت في أيامنا هذه شغل القنوات الفضائية وذلك بعد عمليات غسل مدروسة لعقول المشاهدين. وإذا كانت الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والحال فإن القنوات الفضائية المشبوهة سخرت كل إمكانياتها لتغيير الحال وتشكيل تصور جديد وصناعة حال غير الحال في أذهان الناس ومن ثم يهون على أنصاف العلماء تقديم فتاوى تحرم ما فرض الله من جهاد مقدس ضد كل المفسدين في الأرض.