بقلم : محفوظ البلدي الإرهابيون من هم وماذا يريدون؟ ما يثير الشكوك حول ظاهرة الإرهاب و جديتها في تونس هو تركيز الطبقة السياسية اليسارية على مطالب قديمة متجددة قوامها غلق المساجد وتشريد روادها وضرب التيار الإسلامي عبر التحريض عليه والتشكيك في وطنيته وقدرته على التعايش مع مقوّمات الحداثة والتطوّر، إضافة الى انحياز الفضائيات التجعية المتمعشة من المال العام وإفْرَادِ مساحات هائلة في تغطيتها الإعلامية لمسرح الأحداث وسير العمليات رغم انه شان امني خالص يستوجب التحفظ والسرية. شكوك حول ماهية الإرهابيين في ظل تغطية إعلام اعتاد نفي الوقائع رغم حدوثها والتكتم على ما هو جليّ وإيهام الناس بانّ الوضع مستقرّ والأمن مستتب ولا خوف من الفقر..... تحدث الجميع عن الإرهاب والتطرف والتشدد الديني، وعادت التوصيفات القديمة من قَبِيلِ الظلاميين والمارقين المنحرفين والفئة الضالة وأصحاب النفوس المريضة والفكر الشاذ.... خطاب ركيك وخبيث ومتخلف يعكس عقلية من يحاول توجيه الأحداث لفرض مسار معيّن وخدمة أجندة معدّة سلفا قصد تشكيل فَهْمٍ يربط بين أحزاب معينة والإرهاب ثم يتم استغلال هذا الربط في ترهيبها وابتزازها سياسيّاً و تأليب الرأي العام عليها كمحاولة استباقية لقطع الطريق عليها وعودتها للسلطة عبر الانتخابات. فمن الواضح اليوم أن عبثية العنف وعشوائيته تهدف إلى خلق فراغ واستعطاف قاعدة شعبية لدفع الحكومة لردّ فعل تجاه تيارات محدّدة وإجبار أطراف بعينها على الخضوع لمطالب معيّنة لإقرار قوانين وسياسات تستفيد منها أطرافا على حساب أطراف أخرى. "الإرهابيون" والمقصود بهم في هذا السياق، الإسلاميين المتشددين، إن أقدموا على عمل فإنهم يخططون وينفذون بعناية ويحسبون الربح والخسارة ويبدءون بالأهداف السهلة والقريبة ويقرؤون حساب قتل الأبرياء ومدى تأثير ذلك على صورتهم، هم يفهمون جيّدا ظاهرة "الإرهاب" على أنها ليست مجرّد عنف مادي آو حركة مسلّحة تقتل الناّس بطريقة عبثيّة. إن أردنا أن نشخصّ الوضع ونفهم طبيعة العنف والإرهاب لدينا، علينا أن نفهم دوافع ومبررات القتل والاغتيالات والبحث في سمات مرتكبيها و خلفياتهم العقائدية والاديولوجية، عندها تكون لنا معايير نُميّزَ بها بين حدود الإرهاب بمفهومه السياسي والاديولوجي والجريمة العامّة بمفهومها الجنائي لا نرى حربا واضحة على الحكومة الحالية حتى يستهدف من خلالها الجيش والأمن باعتباره سندا امنيا لها، والحكومات السابقة والمتهمة بالإرهاب ضمنيّا أو على الأقل السكوت عنه، قد أسقطت بالاغتيالات وتسخين الشارع بالمظاهرات والإضرابات والاعتصام والتهديد بإسالة الدماء!! لم نسمع قيادات "المتشددين في الدين" يهددون ويطعنون في شرعية الحاكم، فالذي يريد إرباك الوضع وإضعاف الحكومة وإجبارها على تغيير سياستها وكسب المعركة فانه يتوجه لخلق مناخ الذعر لدى المدنيين وضرب المنشات الحيوية والبنى التحتية، والأماكن السياحية والأسواق المكتظة بالناس لإحداث أكبر قدر من الضرر، فهؤلاء المتشددين لم يرو الميوعة والتسيب في الفضائيات عبر المسلسلات والأفلام السخيفة، لم يرو الاحتفالات والمهرجانات، لم يرو التسيب الأخلاقي في كل شارع، لم يرو الحانات والخمّارات ودور السنما، لم يرو قوانين تعطّل بالمجلس التأسيسي لحماية الجلادين والذين أجرموا في حق التونسيين لسنين.... هؤلاء المتشددين لم يقصدوا هذه الأهداف رغم قلّة حمايتها و قربهم منها، و اختاروا فقط عناصر جيشنا الذي لم ينخرط في قمع المنتفضين على النظام البائد، جيش لم يأذ أحد، بل كان ضحية على غرار حادثة براكة الساحل- وراحوا يلاحقونه في جبال الشعانبي ويقطعون رؤوس جنودنا البواسل ويتلذذون بعذابات أسرهم، فما مصلحة المهاجمين من وراء ذلك؟ وماذا جَنَوْ؟ ......على من تضحكون؟ إن هذا الأمر لا ينطلي على التونسيين الذين يعرفون قبل غيرهم أن القتل ليس سهلا وان العنف والإرهاب دخيل عليهم وعلى ثقافتهم وسيرتهم وان الإجرام ليس من شيم الرجال وأصحاب القيم والضمائر واستهداف الأبرياء أكانوا عسكريين أم مدنيين لا ذنب لهم لتصفية حسابات سياسية هو استخفاف دنيء بأرواح الناس. ظاهرة "الإرهاب" اليوم أصبحت أداة لتحقيق مسعى مقصود وأهداف معلومة ومدروسة واستعمال مفردات الصراع على المصالح والنفوذ والسلطة، تختلف وتتفاوت تعبيراتها من استعمال القوّة إلى العنف، إلى القتال...إلى الإرهاب، ويظل التمييز بين أشكال هذه المفردات رهينة الانتقائية وطبيعة الصراع وخاصّة إذا أقحمنا اعتبارات الدّول صاحبة المصالح والحسابات ، فالاعتداء والقتل والترويع والإرهاب له أهداف ومطامع...وأسباب، وفي الغالب تحرّكه العصبيات والجريمة، و أيا كان الاختلاف في تسميته فانّ الانحياز والتوظيف هو الذي يرسم ملامحه ويحدد مفهومه، إن كان اعتداءا و ظلما وجرائم قتل من اجل المال والنفوذ فمذموما ومرفوضا، وان كان مقاومة للمعتدي وردّا للظالم وتحريرا للأرض وغيرة على العِرْضِ فَمَحْمُودا. ويبقى العنف أو الإرهاب مفهوما معقّدا ومرهونا للحسابات، وسيظل سلاحا ذو حدّين، سلاح الشريف الوطني الذي ناوأ المستعمر والمحتل وحقق الاستقلال لوطنه بالصمود والمقاومة، وسلاح الخسيس "كاسب" المال على حساب...الروح!!.