على إمتداد السنوات الاخيرة بوّأت وسائل اعلامنا العربية مسألة الهوية مكانة بارزة وأولاها مثقفونا اهتماما متزايدا في كتاباتهم ومناقشاتهم وتحولت الهوية الى شغل شاغل للعديد من ساستنا والمهتمين بالشأن العام لدينا وهي ظاهرة قل ان شهدنا لها مثيلا لدى الشعوب والامم الاخرى فماهي دلالاتها؟ هل هي ظاهرة صحية ام ظاهرة مرضية؟ هل هي دليل استفاقة على واقع جديد وعلامة تحفّز لتجاوز وضع لا نختلف كلنا في انه ينبغي الا يتواصل؟ ام انها نوع من الافيون الجديد الذي ابتدعناه لانفسنا لاطالة فترة مكوثنا خارج الزمن؟ لا شك ان طرح مسألة الهوية لا يأتي في الظروف العادية من حياة الشعوب والامم بل انه يقترن غالبا بالازمات التي تجتازها أو المنعرجات التاريخية التي تمرّ بها ونحن العرب نعيش في أيامنا هذه أزمة مزلزلة تهز كياننا في الاعماق، من هذه الزاوية يصبح الحديث عن الهوية ايجابيا فهو يعكس إرادة لفهم حدود الذات: من نحن ومن الاخر؟ تمهيدا لوضع اسس علافات جديدة مع الآخر الصديق والآخر العدو، علاقات تكون فيها الذات فاعلة لا منفعلة قادرة على تجاوز رد الفعل إلى الفعل في الواقع. هل هذا هو ما يحدث؟ شخصيا لا اعتقد ذلك. ان ما يحدث لدينا ليس من هذا القبيل بل انه يأتي غالبا في غير هذا السياق، في سياق الانطواء على الذات انطلاقا من الإنطواء عن النفس ومن هنا يأتي الخطر، خطر ان نخرج انفسنا من خارطة العالم المعاصر والانزواء في معزل نبنيه بأيدينا. المسألة في حاجة الى امتلاك آليات تفكير جديدة والانخراط مع غيرنا في بناء مستقبل مزدهرلكل الانسانية لا الى الانكفاء على الذات، نحن في حاجة الى وعي ذاتنا والتمايز عن الاخر من اجل اقامة علاقات جديدة معه تقوم على الاحترام المتبادل والتفاعل من اجل الافضل هذا هو السبيل الذي ينبغي ان نسلكه في بحثنا عن هويتنا اما الزبد فيذهب جفاء!