دائما كانت تسألني بمن سترحل اليوم؟ فأبكي اليها متوسلا أن ترحل بنفسها الى الأبد... وتضحك كثيرا وتسألني بمن سترحل اليوم..؟ فأصرخ خذيني... إرحلي بي! ودعي الزمن يمضي، دعي السنوات والايام... والحبيبة دعها لحبيبها.... والأب لأبنائه والأخت لأخوتها، دعيهم جميعا... وخذيني أنا... فلا أحتاج الى الحبّ والفرح والحياة... اكتفيت بساعات قليلة عشت فيها كأروع ما يكون ومضت كالحلم سريعا... يكفي كتبت... وكتبت... وكتبت ولم أجد مبصرا... حتى أبي كفر بكل فوضاي وجنوني... والمرأة التي أحببت ملت ضجيجي وآهاتي... رحلوا عني... فلماذا تأخذينهم وتتركيني... وأنا أكثرهم احتياجا الى الموت...؟ أرصفة المدينة ترفض خطواتي اليوم... كل المباني تشهق ألما من أجلي حين أتكئ على الحائط وأحسسه بآهاتي... كم تساءلت لماذا أنا رجل متناقض... لماذا أحب وأكره... أضحك وأبكي... أصرخ وأصمت..؟ لماذا تخافني النساء ويهاب الرجال صمتي؟ لماذا يتوجني الشباب أمير الغضب والثورة... لماذا؟ لماذا يلقبونني، وحين أمر أمامهم يهمسون ها هو الرجل المتناقض..! لماذا لا يسألونني عن نفسي لأجيبهم... لأقول لهم، كم أدركت معرفة نفسي وبين حرف وآخر كنت أرتبها لنقول معا حقيقة نخفيها... وتنتهي السطور ولا نجد فراغا... ينتهي كل الكلام ولا نجد لغة نعبر بها عن أنفسنا فأغلق كل الدفاتر وأتمتم غدا سأقول... حتما غدا... وأنام...!! وتكرر السؤال... لماذا أنت..؟ ففي الربيع تكون زهرة يفوح طيبها بين كل العاشقات... جاء الربيع فماذا أقول له إذا سألني عن أحلى زهراته! فقلت: باعني الربيع حين جاء الصيف وبعده الخريف وبعده الشتاء... تركني وحيدا ورحلت دون وداع أو موعد لقاء... كيف ترحل ولم تسألني إن كنت سأبقى دائما طفلا صغيرا يعشق اللعب... باعت كل سنواتي... ولم تترك لي بطاقات سفر لأرحل معها... فكيف سأنتظرها... بأي لغة... بأي حزن... بأي حب للعطاء..؟ أرجوك... خذيني... ارحلي بي... قبل أن يرحل الربيع في الليل... أسرق النجوم من السماء وأضعها على كتفي... لأرى دموعي... والتفت الى سواد الطرقات أسألها... لو تجف مآقيّ لحظة من الدموع... وليستسلم حزني للقدر برهة من الزمن في خضوع... لو تصلي وسادتي ليلة فقط في خشوع... وتقهقرت خطواتي الى الوراء في خنوع... ولو... لو تتعلم أصابعي لغة جديدة تلقنها كيف يكون الكبرياء... وكيف الغرور... لكنت حتما رجلا آخر لا يشبه جنوني ووحدتي وشقائي لكنت أمشي... في ركوع!! إذا جف اليّم كلهُ، وماتت الاسماك ودلافين البحر... وسقطت السماء لتلتصق بالأرض... اذا توقفت الكرة الارضية عن الدوران وارتعشت الكواكب وضاعت النجوم... اذا بكت وبردت... وعشق القمر الأفول... ماذا لو أصبح برج الأسد يكرهني، وملابسي تكرهني وأبي أغلى الناس إليّ يكرهني... ماذا، ترى سأقول؟ دائما، أنا المذنب... لأني تعبت من أولاد الصدر وأهلكني الوطر... وحين هممت بشرب كؤوس الخمر، صفعتني لغتي وغضب القدر... أنا حزين... لماذا؟ لماذا كلما يدغدغني قلمي وتناديني الأوراق... أفر إليها أحمل نبضات قلبي مليئة بالحب والأشواق... فترتعش دفاتري رعبا من دموعي وتتألم الأحداث... كم طلبت من أصابعي أن تكره الأقلام وتطلب الانعتاق... كم كرهت الوداع وكم آلمتني ساعات الفراق... فكيف أتركهم وأنا أتلذذ عذاباتي وأعشق بينهم الأحتراق!؟ أنا حزين... لماذا؟ لماذا يخنقني ضجيج المدينة وارتفاع البنايات... أرهقتني شوارعها... ومزقت طرقاتها أدباشي... فحين حدثتهم عن أحلامي... وضجيجي... ومئات الأمنيات صفقوا طويلا لبلاهتي وقالوا... »ما هكذا تكون الحياة« فقلت: »وكيف لا نخشى غدر الزمان... كيف نموت ونرفض الترحال... كيف نحب ونرتاح ثم نقف على الاطلال..؟!« وصفقوا... هتفوا بأعلى أصواتهم... ورحلوا دون سلام..! فأرجوك... خذيني... لقد هدتني الآلآم...! هذه كل أحلامي... وأدباشي... وكل أشيائي الجميلة تركتها... تركت كل الصور التي جمعتها... وكل هداياها... تركت قبلاتها تحت وسادتي... وأنا اليوم راحل... لن أبقى وكل شارع يصرخ أين خطواتها..؟ وكل مقهى يسألني أين مقعدها..؟ وكل رجل يهمس أين حبيبته..؟ وكل إمرأة تسأل أين ابتسامته... أين إختفت ضحكات عينيه..؟ أين جماله. وضجيجه..؟ حتى ساعتي تسألني أين وجهها فلم أعد أراها في عينيك؟ لو تصدقوني مرة واحدة... آه لو أقول لكم أن رحيلها كان لا يصدق..! كنت أراني الرجل الوحيد بين يديها... وكنا معا في الحبّ نعشق... ونبحر... ونغرق! كنا كالعصافير نطير الى حيث نريد... ونبني عشنا كما نريد... ونطير... ونطير... كنا لا نخاف الموت حبّا... ومن لهفتي على الحياة أصرخ؟ كنت سعيدا بغضب أبي حين تمردت على سياسته... كنت أتلهف شوقا حين أقبل أمي واركض مسرعا الى غرفتي أقبل كل الجدران بحب كبير... معها... جددت كل حياتي وآمنت بأني رجلٌ... وأن المرأة جزء من حياتي... ومعها فقط... تعلمت معنى الحياة... فما حاجتي للحياة بعدها... ما حاجتي للربيع والصيف... ما حاجتي للشعر والكتابة... وما حاجتي لنفسي... رحلت دون أن تودعني... قالت غدا سنلتقي... ولم تأت... لن أنسى أبدا ارتباك المحطة من غضبي وصمتي... لن أنسى أني صرفت حينها... ولم تأت... لن أنسى انها قالت يوما: »ظلمك الناس حبيبي... وأنا أحبك وابدا لن تبكي...« يومها أحسست اني سأزرع الدنيا حبّا من إخضرار عينيها... أحسست اني رجل قويٌ... لا يذوب... حين أكون بين يديها أتعلم أبجدية الحبّ... لا أعلم لماذا رحيلها..؟ ولماذا أعادتني الى بداياتي... الى أول يوم كنت أحمل فيه حقيبتي... وأبحث بين ثنايا الحياة عن مدينة تفهمني... وإمرأة تحبني... رحلت... هكذا... دون اعتذار... أكرر... إرحلي بي... أتممت نصيبي من هذه الحياة... واحتاج جدا الى هذا الرحيل... فخذيني دون أسئلة أو تكرار... خذيني أرجوك قبل الانتحار... وقل لها: مازال يحبك... و لكنه يكره الانتظار... قل لها: رحيلك كان بداية الدمار... وقل أن بعدها كان أغبى قرار... لا تأخذيه... أرجوك... دعها تعيش... وستتذكرينني يوما... وسيجرها التيار... ستندم حتما... وتسأل عني الجبال والبحار... سترهقها الايام... وتهلكها الأقدار... حينها... خذها إليّ... لأحبها من جديد...؟؟ منتصف الليل 19/2/2010 عبد الباقي اليحياوي: عين مزانة برڤو