لئن انطلقت فعاليات الاستشارة الوطنية منذ شهر جانفي الماضي، فإن نتائجها المثمرة جاءت يوم الثلاثاء 19 سبتمبر 2006 وذلك مع انعقاد الجلسة الختامية لهذه الاستشارة والتي جاءت في اطار تنفيذ القرار الرئاسي الذي أكد على ان نجاح مختلف الخطط المعتمدة لا يهدف فقط الى الحفاظ على سلامة الاقتصاد الوطني، بل يتجاوز ذلك الى تعزيز تنافسية هذا الاقتصاد... ولا سيما من خلال دعم تصدير المنتوجات الصناعية والفلاحية وكذلك تصدير الخدمات. وتحت سامي اشراف سيادة رئيس الجمهورية انطلقت فعاليات الندوة بكلمة ترحيبية للسيد منذر الزنايدي وزير التجارة والصناعات التقليدية وضع بعدها الاطار العام للاستشارة ثم اخذ الكلمة السيد محمد الغنوشي الوزير الاول، حيث ابرز في اطار رؤية سياسية واقتصادية شاملة الراهن الاقتصادي الوطني ومكانة التصدير الذي اعتبره ابرز دافع للنمو في تونس خلال الفترة الاخيرة، مؤكدا التحسن الكبير لحجم الصادرات مقارنة بحجم الواردات وكذلك ازدياد عدد المصديرين بفضل تدخل صندوق المساعدة على اقتحام الاسواق الخارجية، مقدما في السياق ذاته اخر المؤشرات الرقمية والاحصائية للنتائج الايجابية للصادرات من الخدمات والسلع ولا سيما الموقع المميز الذي باتت تحتله تونس على الصعيد العالمي. وبعد ان قدم السيد محمد الغنوشي تشخيصا علميا ومنهجيا راهن التصدير والرهانات المطروحة عليه مستقبلا، تفاعل بشكل ايجابي مع المداخلة التي قدمها فريق من الاساتذة الجامعيين مؤكدا على الابعاد الحضارية والثقافية المساهمة في تشكيل البنية الذهنية التونسية في مجال التجارة بصورة عامة وفي حقل التصدير على وجه الخصوص مبرزا الوفاق الوطني حول الخيارات الاستراتيجية بما في ذلك الرؤى النقدية وتعدد المقاربات. وكان السيد الهادي الجيلاني رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية قد القى كلمة ابرز في مستهلها الدور الحيوي للتصدير في دفع الاقتصاد الوطني وتجسيد الاهداف الوطنية الطموحة، مؤكدا في السياق ذاته ما تمثله الاستشارة الوطنية حول التصدير من اهمية خاصة بما تتيحه من فرص لتقييم المكاسب والمنجزات وضبط الاهداف المستقبلية. واستعرض رئيس منظمة الاعراف حصاد العقدين الاخيرين في حقل التصدير مقدما كشفا دقيقا للمؤشرات والارقام المسجلة في المبادلات التجارية ثم توقف السيد الهادي الجيلاني عند المتغيرات الاقتصادية السريعة والعميقة ولاسيما انفتاح الاسواق غير المسبوق على جل بلدان العالم واساسا البلدان الآسيوية وكذلك توسع الاتحاد الاوروبي وانهاء العمل بالاتفاقيات متعددة الالياف... وأكد السيد الهادي الجيلاني على ان الظرف الراهن يحتم على رجال الاعمال والمصديرين وعلى كافة الاطراف المعنية العمل على ضبط أولويات قطاعية وجغرافية انطلاقا من تقييم القدرات الانتاجية والميزات التفاضلية من جهة واستكشاف اسواق جديدة وواعدة من جهة ثانية. وفي سياق اخر، تحدث السيد يوسف الكشوطي من اتحاد الفلاحة والصيد البحري عما تحقق في مجال الاكتفاء الذاتي في جل المنتوجات بالرغم من الصعوبات المناخية الظرفية وكذلك على مستوى تطور البنية الاساسية. واضاف ان المطلوب من الفلاحين والبحارة هو مزيد التعاون بين جميع الاطراف لضمان الجودة والاسترسال لانجاز الاستثمارات المادية واللامادية في مرحلتي الانتاج وما بعد الانتاج لتعزيز الموقع في الاسواق التقليدية واقتحام اسواق جديدة بهدف تنويع الوجهات والتقليل من مخاطر التعبية. وبعد هذه المداخلات للاطراف الوطنية، تم تنظيم ثلاث ورشات اعتنت الاولى بالتوجهات الاستراتيجية والقطاعية والقدرة التنافسية وقد ترأسها السيد عفيف شلبي وزير الصناعة والطاقة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة، فيما اهتمت الثانية بمحور الخدمات المساندة للتصدير وتسهيل الاجراءات وترأسها السيد محمد رشيد كشيش وزير المالية، في حين توجه الاهتمام في الورشة الثالثة الى محور دعم القدرات الترويجية وتطوير دور هياكل الاحاطة والمساندة وقد ترأسها السيد الحبيب الحداد وزير الفلاحة والموارد المائية ثم تمت حوصلة اعمال الورشات في شكل تقارير. وهكذا، فانه يمكن القول ان هذه الاستشارة قد حققت اغراضها الوطنية في ابعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بكل امتياز خاصة وانها ستزيد في تفعيل منظومة التصدير وصياغة منهجية متكاملة تعطي دفعا جديدا للصادرات وتساهم في تسريع نسق النمو وذلك بعد ان عمقت الاستشارة في مستوييها الاقليمي والوطني مبدأ المشاورة والحوار بين جميع الاطراف والكفاءات والقوى الحية، حيث يغدو العمق الاستشرافي في السياسة الوطنية منهجا ثابتا وخيارا استراتيجيا ينهض اساسا على جدية التعامل مع القضايا الوطنية لتحديد السياسات المستقبلية.