18 منهم اعوان واطارات سجون.. التمديد في الايقاف التحفظي للمتهمين في قضية فرار مساجين اره.ابيين    كرة اليد.. تحديد موعد مباراتي نصف نهائي كأس تونس    بطاقتا إيداع بالسجن في حق رئيس جامعة السباحة السابق ومدير عام وكالة مكافحة المنشطات    المعهد الوطني للاستهلاك: 5 بالمائة من الإنفاق الشهري للأسر يُوَجّه إلى أطعمة يقع هدرها    وزارة الصحة تنتدب 3000 خطة جديدة خلال السداسي الثاني من 2024    صفاقس : ايقاف المنحرف الذي قام بطعن تلميذ امام اعداديّة الافران    طقس الليلة.. امطار متفرقة ورعدية بعدد من الجهات    جراحة التجميل في تونس تستقطب سنويا أكثر من 30 ألف زائر أجنبي    ضمن تصنيف الجامعات العالمية..جامعة تونس المنار تحتل المرتبة 948 عالميا والأولى وطنيا    مجلس وزاري مضّيق للنظر في قانون تنظيم الجمعيات    سعيّد: "أكثر من 2700 شهادة مدلّسة.. ومن دلّسها يتظاهر اليوم بالعفّة"    العثور على جثتي راعيين : الاذن بإيقاف شخصين من دول إفريقيا جنوب الصحراء    حجز أكثر من 4 ألاف لتر من الزيت المدعّم وأطنان من السميد والفارينة بمخزن في هذه الجهة    ''قطاع التأمين: ''ندعم قانون المسؤولية الطبية.. فلا بد من تأطير قانوني    جراحة التجميل في تونس تستقطب سنويا أكثر من 30 ألف زائر أجنبي    واقعة حجب العلم الوطني بمسبح رادس.. فتح بحث تحقيقي ضد 9 أشخاص    في أكبر محاولة لتهريب الذهب في تاريخ ليبيا: السجن ضد مسؤولين كبار    بنزرت: ضبط ومتابعة الاستعدادات المستوجبة لإنجاح موسم الحصاد    سوسة: سائق سيارة تاكسي يعتدي بالفاحشة على قاصر    سليانة: تقدم عملية مسح المسالك الفلاحية بنسبة 16 بالمائة    إتحاد تطاوين: سيف غزال مدربا جديدا للفريق    البنك التونسي ينفذ استراتيجيته وينتقل الى السرعة القصوى في المردودية    كأس تونس: برنامج النقل التلفزي لمواجهات الدور ثمن النهائي    سيدي بوزيد: توقّعات بارتفاع صابة الحبوب بالجهة مقارنة بالموسم الماضي    المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات: الشركة التونسية للبنك تدعم مقاربة الدولة للأمن الغذائي الشامل    من هو وزير الدفاع الجديد المقرب من فلاديمير بوتين؟    عاجل : الكشف عن وفاق اجرامي يساعد الأجانب دخول البلاد بطرق غير قانونية    الديوانة التونسية تضرب بعصا من حديد : حجز مليارات في 5 ولايات    الكرم: القبض على افريقي من جنوب الصحراء يدعو إلى اعتناق المسيحية..وهذه التفاصيل..    تفاصيل جديدة بخصوص الكشف عن شكبة إجرامية دولية للاتجار بالمخدرات..#خبر_عاجل    ليلة ثالثة من الأضواء القطبية مع استمرار عاصفة شمسية تاريخية    مغني الراب سنفارا يكشف الستار : ما وراء تراجع الراب التونسي عالميا    نور شيبة يهاجم برنامج عبد الرزاق الشابي: ''برنامج فاشل لن أحضر كضيف''    5 جامعات تونسية تقتحم تصنيفا عالميا    مسؤولة بالستاغ : فاتورة الكهرباء مدعمة بنسبة 60 بالمئة    إيران تعلن عن مفاوضات لتحسين العلاقات مع مصر    وفاة أول متلقٍ لكلية خنزير بعد شهرين من الجراحة    رئيسة لجنة الشباب و الرياضة : ''لم تحترم الوزارة اللآجال التي حددتها وكالة مكافحة المنشطات ''    نائبة بالبرلمان : '' سيقع قريبا الكشف عن الذراع الإعلامي الضالع في ملف التآمر..''    راس الجدير: ضبط 8 أفارقة بصدد التسلل إلى تونس بمساعدة شخص ليبي..    بطولة ايطاليا: تعادل جوفنتوس مع ساليرنيتانا وخسارة روما أمام أتلانتا    عاجل/ بعد الاحتفاظ به: هذا ما كشفه محامي الاعلامي مراد الزغيدي..    بين الإلغاء والتأجيل ... هذه الأسباب الحقيقة وراء عدم تنظيم «24 ساعة مسرح دون انقطاع»    المالوف التونسي في قلب باريس    نتنياهو: نناقش "نفي قادة حماس.."    مصر: انهيار عقار مأهول بالسكان في الإسكندرية وإنقاذ 9 أشخاص    دربي العاصمة 1 جوان : كل ما تريد أن تعريفه عن التذاكر    أرسنال يستعيد صدارة البطولة الإنقليزية بفوزه على مانشستر يونايتد    دراسة تربط الوزن الزائد لدى الأطفال بالهاتف والتلفزيون..كيف؟    مئات الحرائق بغابات كندا.. وإجلاء آلاف السكان    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    مدنين: نشيد الارض احميني ولا تؤذيني تظاهرة بيئية تحسيسية جمعت بين متعة الفرجة وبلاغة الرسالة    سيدي بوزيد: تظاهرات متنوعة في إطار الدورة 32 من الأيام الوطنية للمطالعة والمعلومات    سيدي بوزيد.. اختتام الدورة الثالثة لمهرجان الابداعات التلمذية والتراث بالوسط المدرسي    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين الواقع والافاق
المؤتمر 21 للإتحاد: بقلم : سالم الحداد
نشر في الشعب يوم 20 - 01 - 2007

عاشت الساحة الوطنية على وقع انعقاد المؤتمر الحادي والعشرين للاتحاد العام التونسي للشغل أيام 14/15/16 ديسمبر 2006 بمدينة المنستير، وهو المنظمة العماليةالتي كانت وما زالت تلعب دور فاعلا في حياتنا الاجتماعية والاقتصادية بل والسياسية فهو اداة نضالية للشغالين بالساعد والفكر، وسبيلهم لتحقيق طموحاتهم المشروعة وهو مكون اساسي من مكونات المجتمع المدني الذي يطمح الشعب التونسي لتعزيزه كسلطة موازية تؤسس لحرية الاعلام واستقلالية القضاء والفصل بين السلط، ومن هنا كانت المحطات النضالية للاتحاد العام التونسي للشغل محل اهتمام كل فعاليات الساحة الوطنية في تونس
ويستمد المؤتمر اهميته من عدة معطيات:
الحضور
يحتل الاتحاد العام منزلة متميزة لدى الشعب التونسي بدت بشكل واضح في مؤتمره الاخير حيث تابعه التونسيون بمختلف شرائحهم وحساسياتهم الفكرية والسياسية سواء على مستوى وسائل الاعلام اوحضورا ميدانيا ويمكن ان نقسم الحضور الي قسمين:
القسم الاول ويضم نواب القواعد النقابية ويضاف اليهم اعضاء المكتب التنفيذي وهؤلاء جميعا يشكلون المؤتمر، وهم المؤهلون قانونيا للقيام بكل ما تتطلبه اشغال المؤتمر من نقاشات واعداد لوائح وانتخابات وهم المسؤولون والمؤتمنون على مصير المنظمية الشغيلة
القسم الثاني ويضم المرافقين للمؤتمر الذين اعطوا جزءا ليس باليسير من كيانهم المادي والمعنوي لهذه المنظمة العتيدة فصارت تجمعهم واياها وحدة صوفية لا يدركها الا من عاش معاناتها فتجرع مرارتها واستعذب حلاوتها وهم من مختلف الاجيال ومن مختلف الانتماءات الفكرية والاطياف السياسية ويشكلون الخلفية التعبوية للمؤتمر.
ويتحرك هؤلاء من منطلقات مختلفة تتراوح بين الحب الصوفي للاتحاد اوالرغبة في ان يكون لهم موطئ قدم في القيادة النقابية بصفة مباشرة او غير مباشرة وهؤلاء واولئك مقتنعون بفاعلية المنظمة الشغيلة وحريصون على دعمها كأداة نضالية ومن هذه المواقف ومن هذه الاحاسيس ومن هذه النضالات يستمدون شرعية حضورهم ومواكبتهم لاشغال المؤتمر.
لكن كيفية التعامل مع هذا الحضور لا يدل على ان هناك وعيا بدلالته وابعاده فقد حمله البعض على انه رغبة في التشويش وحمله البعض الاخر على انه محاولة لافتكاك مواقع انطلاقا من هذا التصور اتخذت عدة اجراءات ضد هؤلاء النقابيين اقل ما يقال فيها انها غير مسؤولة واهم هذه الاجراءات:
غلق منافذ المدينة في وجه المناضلين النقابيين مما اضطر البعض منهم للرجوع ادراجهم ودفع البعض الاخر الى الالتحاق بسوسة في انتظار انفراج الامر.
حرمان النقابيين من الاقامة بالنزل الكائنة بمدينة المنستير بإفتعال مختلف الذرائع، وهو اجراء لا يشرّف لا المنظمة ولا هذه المدينة ولا أهلها ولا الجهة، وهذا ما دفع أبناءها الى فتح منازلهم لاخوانهم النقابيين من الولايات الاخرى.
عدم السماح لهم بالاقتراب من مقر المؤتمر، ومن المؤسف ان قرار «منع غير المؤتمرين من الحضور» اتخذته الهيئةالادارية الوطنية بالاجماع، مما اضطرهم الى حط رحالهم على بعد 2كلم على الرصيف، غير مبالين بغضب الطبيعة التي كانت تجود بغيثها النافع كامل ايام المؤتمر، ومع ذلك اصر المرابطون على البقاء ومواكبة اشغاله ولو عن طريق الاستشعار عن بعد.
امام هذا الاصرار تدخل الأمن لطردهم بالقوة، ومما يحز في النفس ان فرقة التدخل كانت من النوع الذي يستخدم في الشوارع لقمع الشغب، فتعاملت مع هؤلاء المناضلين بنفس الاسلوب وكان من ضحاياها العديد من القيادات النقابية التي استماتت في الدفاع عن استقلالية الاتحاد سنوات الجمر، مما استوجب نقل مناضلين نقابيين الى المستشفى ولا اعتقد ان النقابيين الذين حضروا لمواكبة المؤتمر جديرون بهذه «الحفاوة».
لكن من حسن حظ النقابيين كما بلغ الى علمنا ان الامين العام تدخل لرفع الحصار في الوقت المناسب وانسحب رجال الامن لكن الاجراء الحاسم كان التحام النقابين من داخل النزل ومن خارجه مما فسح المجال لتواجد الجميع في اليوم الثالث واليوم الرابع داخل النزل دون ان يقع المحظور الذي كان النقابيون عرضة للاهانة بسببه.
المؤتمرون مصدر السلطة
تميز هذا المؤتمر بشفافية تكاد تكون غير معهودة في مسيرة الاتحاد اذا استثنينا فترة حشاد التي شهدت 4 مؤتمرات، اخرها المؤتمر الرابع (1951) وهو آخر مؤتمر حضره حشاد وحسم عن طريق الاقتراع السري في اهم قضية اعترضت سبيله في تلك الفترة وهي الى اي من الجامعتين يجب ان ينتمي: هل الى الجامعة النقابية العالمية (FSM) ام الجامعة الدولية للنقابات الحرة (CISL) فاختار الثانية وتبدو هذه الشفافية في التجليات التالية:
عودة الثقة بالمنظمة
بلغ عدد المترشحين في البداية حوالي 55 مترشحا لانتخاب 13 عضوا وهو عدد في حد ذاته يحمل دلالة على ان احتمالات النجاح واردة، كما ان المنافسة ممكنة وغير محظورة وليس لها تداعيات سلبية وهذا في حد ذاته يبعث على الارتياح.
ويتراوح المترشحون بين عمال الساعد وعمال الفكر ذكورا واناثا وكانوا في مجملهم يمتلكون تجربة ثرية حيث تحلموا عدة مسؤوليات في مختلف الهياكل النقابية.
غير ان اغلبية القوائم الانتخابية التي انتظم فيها هؤلاء المترشحين لم تنهض على ارضية نقابية واضحة، وكانت متداخلة الى درجة تنعدم فيها التباينات الخطية.
فقد التفت حول قيادات نقابية او عناصر نضالية واستندت الى كتل انتخابية يغلب عليها الطابع الجهوي، وهذا ما انعكس سلبا على عملية التصويت وهذه أكبر نقيصة عرفها المؤتمر.
أما الذين اعتمدوا على رصيدهم النضالي او عولوا على نقاوة خطهم السياسي فقد كان نصيبهم من الاصوات محدودا وفي تقديري انهم وقعوا في الخلط بين السياسي والنقابي، مع انهم يدركون ان لكل منهما آلياته الخاصة.
لكن ما تجدر الاشارة اليه والتأكيد عليه هو انه بالرغم من ان هذه التحالفات التي لم تكن دوما موضوعية وتغلب عليها النزعة الإنتخابية فإنها كانت بعيدة كل البعد عن المحاصصة الجهوية أو السياسية ويعود الفضل في ذلك إلى وعي النقابيين الناخبين بضرورة صيانة منظمتهم من جرثومة المحاصصة.
اعادة الاعتبار لصندوق الاقتراع
ان اهم ما يجدر الانتباه اليه في هذا المؤتمر هو تقلص تدخل القيادة النقابية في سير المؤتمر، وهذه سابقة ايجابية، فقد اعتاد النقابيون في العديد من المؤتمرات ان يروا الامين العام ينتخب مباشرة من المؤتمر ثم ينتصب على المنصة ليتولى تسيير المؤتمر بنفسه وهو الذي يختار قائمته ثم ينتقي لجنة الفرز التي تتولى عملية الفرز بمفردها بعيدا عن كل مراقبة وهذا ما ولد أزمة ثقة داخل المنظمة الشغيلة، وفسح المجال لعمليات التزييف والتدليس في بعض الهياكل فصارت هناك قناعة لدى المناضلين بأن العملية الانتخابية عبثية وفقد الاقتراع مصداقيته وبدأ العمال بالساعد والفكر يفكرون في بدائل أخرى.
لكن في هذا المؤتمر، اكد النواب انهم السلطة العليا وأنهم مصدر القرارالنقابي بل ان رئيس المؤتمر الذي كان في مستوى مسؤوليته اتهمه البعض بالتسيب لانه ساير المؤتمرين ولم يسيطر على الوضع وتم انتخاب لجنة الفرز مباشرة من المؤتمر وضمت المساندين لمختلف القوائم وهم الذين تولوا عملية الفرز التي تمت بمحضر ممثلي وسائل الاعلام ومع ذلك اعتقد انه من اجل المزيد من الشفافية وابعادا لكل الشبهات وازالة لكل اسباب الشك كان من المفروض ان يقع الفرز بحضور المترشحين او من ينوب عنهم ولم لا بحضور المؤتمرين. ان اعادة الاعتبار لصندوق الاقتراع يُعزز ثقة النقابيين في منظمتهم ويدفعهم الى المزيد من التشبث بها والدفاع عن استقلاليتها والنضال في صلبها.
نتائج الانتخابات
بالرغم من ان اغلب التحالفات اكتست صبغة انتخابية واستندت الى تكتلات جهوية اكثر منها الى ارضية عمل، فإن هناك مجموعة من النتائج الايجابية التي لا يمكن انكارها او تجاهلها في هذه المحطة ولا بد من ابرازها حتى تتحول الى مكاسب وثوابت في المستقبل وحتى تكون نتائج هذا المؤتمر سقفا نواصل عليه عملية البناء ولا ننزل تحته.
المكتب التنفيذي
قد لا يكون اعضاء المكتب التنفيذي المنتخبين من الافاضل (جمع أفضل) ولكنهم من الاكيد انهم من الفضلاء (جمع فاضل) وحسب القاعدة السياسية الاسلامية «يجوز تولية الفاضل مع وجود الافضل اذا حصل حوله الاجماع حفظا لوحدة الامة» فكلهم تحملوا مسؤوليات نقابية في مستويات مختلفة واستوعبوا اليات العمل النقابي وادركوا ملابساته واشكالاته ولم يكن اي عضو مسقطا على الساحة النقابية، ولذا اعتقد انه من العبث ان يقع التشكيك في اي عنصر، فالمستقبل هو الكفيل بفرز المعادن.
ونجاح هؤلاء لا يقلل من اهمية الاخوة الذين لم يسعفهم الحظ خاصة وأننا نعرف ان العديد منهم هم من الكفاءات النقابية ومن المناضلين الذين عاشوا المحن التي عرفتها المنظمة الشغيلة وصمدوا في وجه القهر والتعسف، ولكن الانتخابات لم تكن في يوم من الأيام جزاء على الماضي او مكافأة على الحاضر فهي محكومة بمقاييس ظرفية راهنة.
الامين العام
ان حصول الامين العام على 248 صوتا من جملة 458 صوتا صحيحا وهو ما يفوق 54بالمئة واحتلاله للمرتبة الثالثة في قائمة الناجحين لا يمكن ان يكون الا مصدر اعتزاز له ومكسبا ديمقراطيا للمنظمة النقابية فقد اسقطت هذه النتيجة المحظورات والارقام القياسية المزيفة وانتهى المعجم اللغوي الذي يخاطب به الامين العام زملاءه (أنا طلعتك، أنا هزّيتك، أنا نجّحتك، انا حطيتك في قائمة الامين العام وانا قادر على إبعادك) وجعلت عضو المكتب التنفيذي اكثر حرية في اتخاذ الموقف الذي تمليه عليه مسؤوليته وباختصار شديد فالنتيجة تعكس الهامش الديمقراطي العريض الذي صار يسود المنظمة والحرية التي يتمتع بها المناضل النقابي وبهذه الشفافية يمكن للمنظمة ان تلعب دورا رياديا على الساحة الوطنية وعلى الساحة العربية.
الظروف الحافة
انعقد المؤتمر في ظروف متوترة على المستوى الوطني والاقليمي والعالمي تميزت ب:
أ على المستوى الوطني
1 الاحتقان السياسي حيث وقع التضييق على الحريات الفردية وعلى انشطة مؤسسات المجتمع المدني وفي مقدمتها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان التي منعت من عقد مؤتمرها السادس واغلقت مقرات فروعها في الجهات.
2 تدهور المقدرة الشرائية للطبقة الشغيلة نتيجة لالتهاب الاسعار ومحدودية الزيادة في الاجور بالاضافة الى ارتفاع نسبة البطالة وخاصة في صفوف أصحاب الشهادات.
3 تقلص دور المنظمة النقابية بعد ان وقع التفويت في العديد من القطاعات الحيوية، وصار الاقتصاد تحت رحمة ثلاثية العولمة: منظمة التجارة العالمية، البنوك الدولية والشركات الاحتكارية المتعددة الجنسيات.
ب على المستوى الاقليمي
اشتدت هجمة الامبريالية الامريكية على المنطقة العربية بهدف تكريس الاحتلال الصهيوني على أرض فلسطين وابتزاز ثروات الوطن العربي وبث الفرقة بين ابنائه لشل حركة المقاومة الرافضة لكل مشاريعه الاستعمارية وفي مقدمتها مشروع الشرق الاوسط الكبير. وهذا ما تؤكده في كل من لبنان وفلسطين والعراق.
ج على المستوي الدولي
تميز الوضع الدولي بصراع شرس بين قوى الليبرالية الجديدة التي وجدت في العولمة مبررا للاستحواذ على العالم وفرض هيمنتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من ناحية والقوى الديمقراطية ومكونات المجتمعات المدنية والمنتدبات الاجتماعية من ناحية اخرى.
4 المهام المطروحة على المؤتمر
لقد كان على المؤتمر ان يضع خطة يرسم من خلالها معالم الطريق التي ستسير فيها المنظمة وعلى اساسها تتعاطى مع القضايا المطروحة الوطنية والقومية والعالمية وهي قضايا شائكة دون ادنى شك وهذا ما يجعل مهمة المنظمة صعبة، وتتطلب قيادة واعية بتحديات المرحلة ومؤهلة لمجابهتها وهذا الوضع يطرح على المنظمة عدة مهام وفي مقدمتها:
أ مهام نقابية
على مستوى الهيكلة
1 إعادة هيكلة المنظمة وذلك بالتأسيس لمجاميع نقابية تسمح بتوسيع الهياكل المتواجدة في صلب المنظمة، وتعطيها اكثر فاعلية في اتخاذ القرار وفي متابعته وفي انجازه وقد يكون ذلك مرفوقا بنوع من الاستقلالية المالية مما يمنحها حرية في ممارسة انشطتها وبلا شك ان ذلك يقلص من مركزية القرارالنقابي وسيدفع الى المزيد من الحراك والحيوية داخل المنظمة، فمن المقترح مثلا ان يقع تكوين جامعة للتعليم تضم النقابات التابعة لمختلف المؤسسات التربوية إن هذه العملية التوحيدية ستكون خطوة إيجابية في تصليب عود المنظمة ولكن يجب الاحتياط حتى لا تتحول الى كابح يحول دون المبادرات النضالية التي تميزت بها بعض النقابات الوطنية.
2 تحديد عضوية المكتب التنفيذي بدورتين: وهي قضية خلافية بين النقابيين فالبعض يراها محسومة حيث حدد مؤتمر جربة 2002 عضوية المكتب التنفيذي بدورتين متتاليتين ثم اكدها وان كان في مناخ متشنج وضبابي مؤتمر المنستير والبعض الاخر يرى في ذلك مخاطرة بمصير المنظمة فمقررات مؤتمر جربة كانت عقابية وردة فعل غير محسوبة على مركزية القرار واحتكار القيادة لكل الصلاحيات وقد انعكس ذلك عل سيرورة نشاط المنظمة وتكلس هياكلها وكان الاولى ان ينحصر القرار في الامين العام والكتاب العامين للاتحادات الجهوية والجامعات والنقابات العامة دون بقية الاعضاء وبذلك نوفق بين التداول على المسؤولية والمحافظة على عناصر الاثراء والخبرة.
على مستوى المطلبية
وتتعلق اساسا بتسوية القضايا التي مازالت محل تجاذب بين الطرفين وفي مقدمتها:
1 صندوق التأمين على المرض الذي مازال متعثرا رغم الاتفاق على انجازه منذ مدة ليست بالقصيرة.
2 صندوق دعم المسرحين من العمل بعد موجات الطرد التي يتعرض لها العمال يوميا نتيجة لغلق المؤسسات وهي احدى تداعيات العولمة.
3 التصدي للمناولة كظاهرة استغلالية اخذت تكتسح المؤسسات، ضحيتها الاولى والاخيرة العامل الذي صار عرضة لابتزاز مزدوج شركة المناولة، هذا الوسيط الجديد الذي دخل الساحة التونسية في العقود الاخيرة والمؤسسة الاقتصادية التي تتهرب من منظومة القوانين الاجتماعية سواء على مستوى مجلة الشغل او العقود المشتركة.
4 حماية المسؤول النقابي، بالرغم من ان هذه الحماية صارت محل اهتمام الاوساط الدولية وصادقت عليها بعض الحكومات بما في ذلك الحكومة التونسية فانها على المستوى العملي لم تأخذ طريقها للتطبيق.
5 المحافظة على القطاع العام والمطالبة بتدعيمه خاصة على مستوى الخدمات كالتعليم والصحة بعد ان بدأت الخوصصة تتسرب الى بعض المصالح التابعة لهما.
ب مهام وطنية
1 دعم استقلالية المنظمة النقابية
ان استقلالية المنظمة الشغيلة هي مهمة وطنية لانها تتعلق بطموح كل المواطنين وكل الفعاليات السياسية والاجتماعية في إعادة صياغة المجتمع صياغة ديمقراطية تتعايش فيها كل مكونات المجتمع دون حيف او هيمنة او احتواء او اقصاء وهو الشرط الضروري للتعاون من اجل تحقيق التنمية الشاملة.
وهي كذلك مهمة نقابية لان المنظمة مطالبة بان تناضل من اجل مصلحة الشغالين بالساعد والفكر الذين تتعرض مقدرتهم الشرائية للتهرئة بصفة متواصلة خاصة بعد ان دخلت املاءات العولمة للوجود فالاجراءات التي رافقت الاصلاح الهيكلي كانت موجهة اساسًا لتقليص فاعلية المنظمات النقابية حتى يسهل على الاعراف الانفراد بالشغالين في مؤسساتهم دون حماية وقد كان اثر العولمة واضحا في تناقص عدد العمال المنخرطين بالاتحاد العام وكان لهذا التناقص انعكاساته في تمثيلية هذا القطاع في المؤتمر وفي المقابل نجد توسعا للمنخرطين في القطاع العمومي وشبه العمومي وهذا ايضا له انعكاساته في المؤتمر وفي تشكيلة المكتب التنفيذي.
وكلما اتسع مجال استقلالية المنظمة امكن لها من ناحية ان تحمي المقدرة الشرائية للشرائح المتواضعة والمتوسطة وان تساهم في معالجة ظاهرة البطالة التي استفحل امرها وان تتصدى من ناحية اخرى لظاهرة اعادة الهيكلة وهو بوابة العولمة المتوحشة وبذلك يمكن لها ان توفر نوعا من التوازن تؤمن به استقرار الوضع الاجتماعي والسياسي في البلاد وبالتالي فإن وجود منظمة نقابية مستقلة لن يكون الا في خدمة المجتمع.
والمؤتمر الواحد والعشرون هو الى حد بعيد خطوة متقدمة نحو الاستقلالية الحقيقية لسبب بسيط هو ان المؤتمر كان سيد قراراته رغم ما حف به من ملابسات.
2 تكريس الممارسة الديقراطية : حاجة وضرورة
لعل اهم قضية تشغل اهتمام التونسيين بقطع النظر عن انتماءاتهم الاجتماعية والسياسية هي الديمقراطية ولا يعود هذا الاهتمام بها باعتبارها حاجة انسانية تشعر الفرد بكينونته بل إنها صارت آلية ضرورية من آليات التنمية الشاملة ومن هذه الزاوية على الاقل تصبح إشاعة الديمقراطية ونشر ثقافتها في البلاد مهمة من مهمات الاتحاد الصعبة.
وقد تميزت الدورة السابقة باتساع الهامش الديمقراطي داخل المنظمة الشغيلة وهذا ما عزز صفوفها ومتّن نسيجها وصلب عودها مما مكنها من ان تأخذ مواقف وطنية وقومية جريئة، فلو لم يتوفر للمنظمة هذا الهامش ما كان لها ان تعلن صراحة رفضها لزيارة المجرم شارون لبلادنا للمشاركة في قمة المعلومات لسنة 2005 وتطالب بالتراجع عن استقباله، وما كان لها أيضا ان ترفض الالتحاق بمجلس المستشارين بالمواصفات الجاهزة التي حددتها السلطة، وما كان لها ايضا ان تساهم في تأسيس المنتدى الإجتماعي وان تسند العديد من الملفات التي مازات الحكومة تتردد في تطبيقها كالتأمين على المرض والحق النقابي وحماية المسؤول النقابي غير ان الديمقراطية لم تصل بعدُ إلى العمق وهذا ما ينتظر النقابيون تحقيقه على ثلاثة مستوات على الأقل.
المستوى الاول
تكريس الممارسة الديمقراطية وتعميق الوعي بأهميتها على جميع المستويات بداية من النقابات الاساسية وصولا الى المؤتمر مرورا بالهياكل المحلية والجهوية والجامعية والنقابات العامة، ولا شك ان الشفافية بدأت تأخذ طريقها في العديد من الهياكل لكن بعض الزوايا المظلمة مازالت تعرقل مسيرة المنظمة وتسيء الى مصداقيتها.
المستوى الثاني
جريدة الشعب وهي اللسان الناطق باسم المنظمة منذ 1959 بعد ان وقع التخلي عن «صوت العمل» ان هذه الجريدة رغم ما شهدته من تحسّن نوعي في ادائها الاعلامي وانفتاحها على الكثير من الابداعات الفنية والطاقات الفكرية وتغطيتها للانشطة النقابية وتطور مضامينها ومتابعتها لنضال الحركة القومية وللمستجدات العالمية فانها مازالت تفتقر الى الروح النقدية التي بدونها لن تكون جريدة الشعب صوتا إعلاميا حرا ومستقلا، وما يؤهلها للقيام بهذا الدور هو انها تتمايز عن بقية وسائل الاعلام في تونس بانها تستند الى منظمة جماهيرية تؤمن وجودها وتحمي مواقفها ومن هنا فإن النقابيين يأملون ان تشهد جريدة الشعب تحولا نوعيا يخول لها ان تلعب دورا رياديا في اتجاه حرية الاعلام واستقلاليته.
المستوى الثالث
تعزيز الاتحاد العام للمجتمع المدني وتفعيل دوره كسلطة موازية تدعم سياسة الحوار الديمقراطي والتعايش مع الآخر بعيدا عن أساليب الإقصاء والتهميش التي لم تفرز الا الاحتقان والتشنج والاحساس بالاحباط والغبن مما قد يكون سببا في تفجر الاهتزازات السياسية والاجتماعية واعتقد ان الخطوة الاولى هي دعم صمود الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان في وجه ارادة الاقصاء والتهميش وفي ذلك استجابة لإرادة النقابيين التي عبروا عنها بحماس ليس في المؤتمر فحسب بل في كل اجتماعات الهياكل.
ج على المستوى القومي
حرص المؤسسون للاتحاد العام التونسي للشغل على تفعيل منظمتهم مع نضالات الامة العربية في المشرق والمغرب منذ ميلاد المنظمة فقد وجد فيها المقاومون الفلسطينيون والجزائريون خر سند لقضاياهم العادلة سواء في المحافل الدولية أو من خلال انخراط العملة في صفوف المقاومة وقد حافظ الاتحاد على هذا الخط النضالي عبر كل محطات الصراع التي خاضتها جماهير الامة العربية في مواجهة الامبريالية والصهيونية، وكان الاتحاد في مقدمة المنظمات الاجتماعية العربية والعالمية التي وقفت الى جانب الحق العربي سواء على مستوى القطر او في المحافل الدولية وناهضت التطبيع وتصدت لمشروع الشرق الاوسط الكبير والجديد وما تميز به الاتحاد العام انه دعم هذا الحق دون حسابات أو حساسيات، كان ذلك مع المقاومة العربية في كل من العراق وفلسطين ولبنان وهذا ما سجله المؤتمر بكل فخر املا تعزيز هذا الدور.
د على المستوى العالمي
كان الاتحاد العام من اهم الفعاليات الاجتماعية التي تصدت للعولمة المتوحشة بكل اشكالها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية باعتبارها افضل وسيلة استغلتها الامبريالية الامريكية لفرض هيمنتها على العالم بعد انهيار المعكسر الاشتراكي.
وقد تفاعل الاتحاد العام مع كل المنتديات الاجتماعية العالمية التي اخذت على عاتقها التصدي لهذه الهيمنة والسعي للحد من تداعياتها المدمرة على العالم وخاصة على بلدان الجنوب وقد كان الاتحاد من اهم فعاليات المنتدى الاجتماعي في تونس وعلى مستوى المغرب العربي، وأمل الشغالين ان تتواصل هذه النضالات لتقديم بدائل تحمي الشرائح الضعيفة من الاستغلال والابتزاز وهو يستند في أداء دوره الدولي الى رصيده التاريخي الذي أسس له حشاد منذ أواخر الاربعينات.
والخلاصة ان مؤتمر المنستير يُعد خطوة اخرى متقدمة بعد مؤتمر جربة في طريق التصحيح دون هضم للمجهودات التي بذلها المناضلون النقابيون السابقون على مختلف المستويات للمحافظة على المنظمة العمالية ولتعزيز دورها غير ان التحديات التي تواجه المنظمة راهنا ومستقبلا سواء على المستوى الوطني او القومي او العالمي تفرض عليها مجموعة من المهام لم تكن مطروحة في السابق وقد وفق المؤتمر في رسم ملامحها واعتقد ان هذا المؤتمر يعد رهانا على الديمقراطية ليس على مستوى المنظمة الشغيلة فحسب بل على مستوى المجتمع المدني وفي حياتنا السياسية ومن هُنا فإن الآمال تبقى معلقة على هذه التشكيلة القيادية حتّى تكون في مستوى طموحات عمّال الساعد والفكر وتتجاوز إشكالات المؤتمر وتنكب على معالجة الملفّات السّاخنة المطروحة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.